"الرسم التخطيطي أو التصوّري الجيد أفضل من الكلام الطويل"، يعود هذا الاقتباس إلى نابليون بونابرت، ويعكس أهمية تصور البيانات وتوصيلها بطريقة شيقة وتفاعلية، بعيداً عن الأنماط التقليدية الشائعة، خصوصاً في ظل الزخم المعلوماتي والتطور التقني الذي يشهده العالم اليوم.
ويعود مفهوم استخدام الصور لفهم البيانات الصعبة أو الكبيرة إلى اختراع المخطط الدائري في أوائل القرن التاسع عشر، واستناداً إلى الطريقة التي يعالج بها الدماغ البشري المعلومات، يكون استخدام التمثيل المرئي للبيانات أسهل بكثير من محاولة فهم قوائم طويلة من الأرقام في جدول البيانات.
وأيضاً، يساعد تصور البيانات على استكشافها بطرق إبداعية، وتعزيز القدرة على امتصاص كم هائل منها، وخلق فهم مشترك للموقف والإجراءات المطلوبة لمعالجة الوقائع أو الأحداث.
وفي مجال الإعلام، بات من الضروري أن يمتلك الصحفي مهارة اختيار مجموعة صحيحة من إجمالي الكم الهائل من البيانات والقدرة على تحليلها، والتعامل معها باستخدام أدوات وتقنيات تساعد على هيكلة البيانات وتنظيمها وإخراجها بأشكال بصرية جذابة.
وعليه، أطلقت شبكة صحفيي البيانات العرب مؤتمر "من أجل صحافة بيانات متعمقة"، الذي عُقد بمقر الجامعة الأميركية في القاهرة الجديدة من 6 حتى 8 مارس/آذار، بهدف بحث مواضيع صحافة البيانات وتشجيع الصحفيين والصحفيات العرب على إنتاج محتوى مدفوع بالبيانات.
وأَعتبر حضوري للمؤتمر أمراً مفيداً وقيّماً؛ لأنه ساعدني وزملائي القادمين من تونس والجزائر والأردن والعراق واليمن والسعودية، على فهم طبيعة وحجم صحافة البيانات وأهميتها، كما سلّط الضوء على أبرز التحديات والعوائق التي يواجهها صحفيو البيانات وكيفية مواجهتها والتعامل معها.
وفي أكثر من 30 جلسة تدريبية وبحضور ما يفوق 450 صحفياً وباحثاً، ناقش متحدثون من مصر وعدة دول عربية وأجنبية طرق جمع البيانات والتحقق منها، وكيفية استخدام جداول جوجل، وإنتاج قصص صحفية تفاعلية باستخدام برنامج Tableau Public، واستخراج بيانات تويتر وتمثيلها بصرياً باستخدام Mecodify، وتصميم البيانات من خلال موقع Datawrapper.
كما تناولت جلسات المؤتمر آلية تدريس صحافة البيانات في الجامعات، وكيفية اختيار أفضل فرضية للقصة الصحفية، ومعالجة البيانات لإنتاج قصة صحفية ذات معنى وقيمة.. وغيرها من المواضيع المتعلقة بصحافة البيانات.
ومن أهم النقاط الأساسية التي خَرجت بها من المؤتمر: أن صحافة البيانات لا تتعلق بالأرقام بشكل أساسي، وإنما تعمل على رؤية تأثير الأرقام على حياة الأفراد، وأن فكرة القصة الصحفية التي نستقيها من البيانات يجب أن تكون في بدايات العمل مهمة وسهلة في الوقت ذاته، وأن الابتكارات تأتي من المبادرات الصغيرة، والمستقبل يكمُن بتوجه الصحفيين للعمل على مشاريعهم الخاصة بعيداً عن الوسيلة أو الهيئة أو المؤسسة التي ينتمون إليها.
وفَتَح هذا المؤتمر الباب أمام عهد جديد للصحافة العربية يساعدها على الخروج من لباس السبق الصحفي والتركيز على رصد الوقائع بعمق أكبر بالاعتماد على تحليل البيانات ومعالجتها، وزيادة الوعي بأهمية وجود صحفيي البيانات ضمن الكادر التحريري في أي وسيلة إعلامية، وكذلك العمل على توسيع "هامش" حرية تداول المعلومات أو البيانات التي تحتفظ بها الحكومات أو المنظمات، لمجاراة التطورات الحاصلة في الصحافة الغربية والعالمية.
وهنا أشير إلى دراسة أنجزها google news lab بالتعاون مع PolicyViz، كواحدة من الدراسات الشاملة في مجال صحافة البيانات، بهدف فهم كيفية استخدام الصحفيين للبيانات لسرد القصص بشكل أفضل، من خلال 56 مقابلة شخصية مع الصحفيين في أميركا والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا، ومسح على الإنترنت لأكثر من 900 صحفي.
وخلصت الدراسة إلى أن 32% من الصحفيين يستخدمون البيانات بشكل مُنظم لسرد القصص، و51% من المؤسسات الإخبارية في الولايات المتحدة وأوروبا لديها صحفي متخصص بالبيانات، وترتفع النسبة إلى 60% بالنسبة للمنصات الرقمية.
ختاماً، كل ما هو مطلوب في المرحلة الحالية هو تعلم لغة وأدوات جديدة، وفهم طبيعة المستهلك خلف الشاشة الصغيرة، ومحاولة تقديم المعرفة والسياق في ظل فوضى المعلومات، وبناءً على ذلك ستصبح البيانات أساس العمل الصحفي، وعائد الاستثمار فيها سيزداد خلال الأعوام القليلة القادمة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.