تعلّموا كيفية احتضان السعادة بعيداً عن الفكر الرأسمالي “الطموح” الذي تعوّدتموه

استعداد للحياة، أي لتحقيق الذات، للوصول إلى القمة بالعمل والمثابرة، وغيرها من المبادئ التي تضج بها كتب علم النفس والاجتماع، وتلك التي تحتوي على وصفات للحياة السعيدة: حقّقوا سعادتكم الآن.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/11 الساعة 07:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/11 الساعة 07:52 بتوقيت غرينتش

" الحياة هي هذا الاستعداد الذي قد ينقضي معظم العمر قبل أن يحدث لكنّه سيحدث. الحياة هي هذا الاستعداد الكامل والهائل والدائم لحدوث الحياة." أنسي الحاج

استعداد للحياة، أي لتحقيق الذات، للوصول إلى القمة بالعمل والمثابرة، وغيرها من المبادئ التي تضج بها كتب علم النفس والاجتماع، وتلك التي تحتوي على وصفات للحياة السعيدة: حقّقوا سعادتكم الآن.

يقولون، حدّدوا أهدافكم، لا تفقدوا تركيزكم، لا تضيّعوا الوقت. شعارات نظن أنها ستأخذنا إلى منبع السعادة، وإذا بنا نجد أنفسنا في صراع يومي مع الوقت والمكان والأشخاص. صراع مع روتين يوميّ نتيجته المزيد من الضغوط والإحساس بالواجب والذنب. أين نحن من سعادتنا وهل هي فعلاً في الأهداف البعيدة أم أنها هنا، إلى جانبنا، في أوقات نعيشها وأمور نختبرها لكننا نتجاهلها؟

هل من تعريف محدّد للسعادة؟

يعرّف معجم أوكسفورد السعادة: الوضع الذي تكون فيه سعيداً.

أما معظم الدراسات العلمية فقد خلصت إلى أنه ليس من تعريف موحّد للسعادة لأن جوهرها يختلف مع اختلاف طباع الأشخاص وأهدافهم، في حين ربطت السعادة بمفاهيم كونية عظيمة، كالنجاح وتحقيق الذات ومساعدة الآخرين وراحة البال وغيرها من الأهداف التي لا يمكن أن تتحقق الآن.

أهداف يسعى إليها الفرد كل حياته على أمل تحقيقها ليصبح المستقبل هو ما يطمح إليه. وقد ركّز علم النفس قديماً على مساعدة الإنسان تجنب الكآبة والأمراض النفسية الناتجة عن ضغوط الحياة معتبراً أن السعادة هي الانتصار على كل ما يمكن أن يحبطنا.

إلا أن دكتور مارتن سيليغمين عالم النفس الأميريكي جاء مطلع التسعينات وأسّس مدرسة حديثة في علم النفس أسماها: علم النفس الإيجابي. وقد اعتبر أن الأبحاث النفسية التي تركز على حماية الشخص من الأمراض النفسية وتحصينه من الضغط النفسي تبقى مبتورة لأنها لا تركّز على الجانب الآخر من حاجاته، وهو: البحث عن سعادته.

وقد عرّف سيليغمن السعادة بأنها "المتعة". المتعة الآنية، تلك التي نشعر بها في الحاضر من خلال الاستمتاع بأمور آنيّة نعيشها عوضاً عن رهن مزاجنا بأهداف قد تتحقق وقد نفشل في تحقيقها في المستقبل.

لكن أين العيب في الطموح والعمل الدؤوب بغية تحقيق أحلامنا؟ لا عيب في ذلك إطلاقاً. لكننا حين نتوهم أن التعب والاجتهاد المستمر أفضل من الراحة، وأن التحدّي المستمر للذات أفضل من تقدير الذات لفرادتها، وأن تجاهل مصادر المتعة في حياتنا يمنحنا فرصة أكبر للتقدم، نكون ببساطة غير عادلين مع أنفسنا.

من قال إن السعادة يجب أن تكون مشواراً شاقاً يقطع الأنفاس؟ من قال إن الحياة تحدّ مستمر يتطلب سرعة قياسيّة؟ ماذا لو كان ثمن سعادتكم أقل مما تعتقدون بكثير؟ وأكثر، ماذا لو كنتم أنتم من تمنعون أنفسكم عنها؟

هل السعادة رهن بالإنجازات؟

" أشعر بالسعادة حين أحقق ذاتي وأحصل على المركز الذي أطمح إليه"، يقول طارق، شاب ثلاثيني يترك منزله يومياً ويهرول باكراً ليكون أول الواصلين إلى عمله، فيلحظ مديره نشاطه وتفانيه لعلّه يميّزه. لطارق طفلة صغيرة لا يعرف الكثير عن طباعها ولا ضحكاتها. هو يعود في وقت متأخر وقد أنهكه التعب ومنعه من تمضية وقت معها وفي الصباح يغادر منزله قبل أن تستيقظ.

يشعر طارق بالحزن والذنب لأن طفلته البالغة من العمر ثلاث سنوات قالت كلماتها الأولى في غيابه. وهي تنمو كل يوم وتكبر وتتغيّر ملامحها بعيداً عن نظره. لكنه يقول إنه يريدها أن تفخر به عندما تكبر وتقول "أبي رجل ناجح ".

لم يسأل طارق، ومثله الكثيرون، أنفسهم حول المعنى الحقيقي للحياة السعيدة. بالنسبة لهم السعادة لا يمكن أن تكون مرادفاً للراحة أو الأمور البسيطة. كضحكة طفل صباحية. أو أوقات مرحة لا نكسب منها مالاً أو خبرة. الأمور تلك تفتقد المعنى. مرادف وهمي آخر للسعادة: "البحث عن معنى حياتنا".

أين هو ذلك المعنى؟ أين تبحثون عنه؟ أتبحثون عنه في زحمة السيارات وأنتم عائدون ليلاً من عملكم تحاولون التسابق ربما تصلون أبكر من المعتاد فتكسبون بضع دقائق راحة قبل أن ينهككم النعاس أم تراكم ستجيدونه في رزمة راتبكم الشهري المحدد اتجاهه سلفاً؟ أين المتعة في كل ذلك؟ حتى في إنجازاتكم. هل من متعة حقيقة؟

أم أنها مفاتيح مسؤوليات جديدة وضغط أكبر وانتظارات أبعد؟ ما فائدة أن تحققوا أهدافاً عمليّة تضحّون في سبيلها بكل شيء. بوقتكم مع أحبّائكم. ومع ذاتكم. وبصحتكم. وتتجاهلون الكثير من الأمور الممتعة التي تصادفكم لكونها لا تتماشى مع طموحكم الكبير، إن انتهى بكم الأمر وحيدين مهملين غير راضين عن ذاتكم.

في كتابه "السعادة: اكتشاف أسرار الثروة النفسية " خلص الباحث النفسي إد داينر الملقّب بطبيب السعادة إلى أربعة مكونات للحياة السعيدة:

1 – الثروة النفسية أهم بكثير من المال وهي تقاس بالأهداف التي تطمحون إليها وفي مدى شغفكم بالعمل الذي تقومون به. ونستحضر هنا عبارة ستيف جوبز مؤسس شركة Apple: " السبيل الوحيد للنجاح في عملكم هو شغفكم به. إن لم تجدوه بعد، واصلوا البحث، لا تستسلموا."

شغفكم بعملكم سوف يجعل من كل يوم جديد فرصة للاستمتاع بدلاً من أن تستيقظوا وكأنكم تتوجّهون إلى سجنكم بأنفسكم.

2 – السعادة ليست مجردة ولا يمكن أن نشعر بها إلا إذا اختبرناها في علاقاتنا مع الآخرين ومع أنفسنا. لذلك من المهم التأنّي في اختيار الأشخاص المحيطين بكم ليكونوا ممن يشعرونكم بالفرح المستمر وبالإيجابية. ومثل تلك السعادة تنعكس أيضاً على علاقتكم بذاتكم أي بكيفية تعاملكم مع صحتكم النفسية والجسدية.

3 – لا أحد يمكن أن يكون سعيداً طوال الوقت. من الضروري وضع أهداف واقعية وقصيرة الأمد. أهداف يكون تحقيقها سهلاً أو منطقياً نسعد لتحقيقها ومن ثم ننتقل إلى هدف أكبر. بذلك نكون قد أعطينا أنفسنا فرصة لتهنئة أنفسكم باستمرار وعدم الإصابة بالكآبة جرّاء أي شعور بالفشل. فكما نعلم، توقعاتنا الوهمية تكون أحياناً هي سبب خيبتنا.

4 – التفكير أهم مكوّن للسعادة. لكن ليس ذلك التفكير المرتبط بالمستقبل وهمومه. بل الذي يجنّد تركيزنا وتحليلنا وذاكرتنا في الحاضر. في الآن. فعوضاً من أن تكونوا جالسين في مكان ما وتفكيركم في مكان آخر، تطمحون لشيء أو تخافون من حدوثه، ركّزوا على الآن. على ما يحيط بكم. من أمور قد تكون بسيطة لا تتطلب جهداً. أمر سوف يشعركم بسعادة أكبر.

كيف تشعرنا الأمور البسيطة بالسعادة؟

هل حاولتم النظر إلى لون السماء الزهري في لحظة المغيب الأولى وأنتم في زحمة السير اليومية المعتادة أم أنكم تفكرون بهموم البيت والغد والعائلة؟ مشهد ممتع جداً. مثله مثل مذاق الأكل الذي تأكلونه بسرعة قبل الخلود إلى النوم أو الخروج مع أصدقائكم.

هل جربتم أن تتذوقوا كل مكوّن في طبقكم أم أن همكم سدّ الجوع أو أن تحاولوا التركيز على مقطع موسيقي تستحضرون من خلاله ذكريات قديمة جميلة بقيت مدفونة في ذاكرتكم تنتظر من يحفّزها؟

ماذا لو كانت كل لحظة في حياتكم تحمل متعة خاصة وخالصة يكفي التركيز عليها فقط؟ وكم من لحظات تمر في حاضركم تهدي إليكم لذّات تضمّد جراح وهموم الماضي وتريح دماغكم من التفكير في المستقبل المجهول؟

ضحكات أطفالكم. أطباق والدتكم وجهدها اليومي لنيل إعجابكم من خلالها. إحساسكم بالدفء والأمان حين تجلسون على أريكتكم بعد نهار شاق. ضحكة محتاج منحتموه القليل مما تملكون. لقاؤكم بأصدقائكم. أوقاتكم مع الحبيب… فتضيعون دون أن تدروا اللحظة الحلوة وهي كل ما تملكون، ولحظات أخرى كثيرة تمرّ بجانبكم مرور الكرام من دون أن تعيروها اهتماماً.

الحياة ليست مشروعاً مؤجلاً. ليست " غداً حين أنجح. حين أحصل على راتبي. حين أشفى. حين أتزوج." بل هي مجموعة لحظات نعيشها الآن. ونحن وحدنا قادرون على أن نجعل منها مصدر ضغط وهموم لا تنتهي. ونحن أيضاً قادرون على رؤية الإيجابي فيها. لأن اللحظات تلك هي التي ستنعش ذاكرتكم في ما بعد. هي التي ستحميكم من الأمراض الجسدية والنفسية، والتي سوف تزرع الابتسامة وتجعلكم متأهبين للحظات أجمل ولمستقبل أكثر إيجابية.

هذه التدوينة منشورة على موقع رصيف22

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد