مساء الأنوثة المظلومة، المقهورة؛ في بلدتي، في مجتمعي، في أمتي وفي العالم كلها.
لقد خلقتِ لتكوني أنثى، الأنثى التي كرمها الخالق ونعمها وخصها بكثير من الميزات، الأنثى التي جعلها سبحانه: الأم، الأخت، الصديقة، الحبيبة، الزوجة، والكثير من الصفات التي كانت لا بد أن تُأخذ بعين الاعتبار .
لكن في مجتمع كالذي نعيشه، مجتمع ذكوري متحجر يقوده رجال سلطويون يُحرمون ويُحللون بما تشتهيه أنفسهم بل وبما يشتهيه مجتمعهم، ونساء منهزمات خضعن خضوعاً تاماً جعلهن ينصبن الذكر على كل كبيرة وصغيرة، وتفكيرهن المجتمعي جعلهن يحّللن للرجل ما يحرمنه على أنفسهن.
سيقول لي أحدهم إنه لا ظلم مجتمعي للنساء، وقد يقول آخر: أخذتن حقوقكن وأكثر، وسيقول آخر: لمَ هذه النظرة العدائية والتحريضية للنساء ضد الرجال، سأقول: لست هنا لأنادي بالحقوق ولا لأفصل بين جنسين خلقا ليتكاملا، إنما جئت لأتكلم قليلاً عن الأنوثة المُجبرة! فهي وحدها من تمثلني! من قال هذا فقد قررت في عديد من المواقف العيش بأنوثة محبوسة في ثوب رجالي!
في مجتمعاتهم المريضة مهما اختلفت أفكارهم ومعتقداتهم وكذا قناعاتهم الدينية والاجتماعية، فستبقى الأنوثة تحت خطر سيطرة الذكورة، وبطريقة أو بأخرى ستَظلم الأنثى بل وتجعلها شيطاناً في حلة إنسانة، تجعلها نزوة في حياة من حولها، تجعلها سبباً للهلاك، للمعاناة والشقاء، للإهانة والرخص، بل وحتى سبباً للعنف والاضطهاد.
فقط في هذا المجتمع تولدين لتنزل عليك لعنة الأنوثة، تولدين لكي يقال لماذا وُلدت أنثى؟ لما لم نرزق ذكراً؟.. تولدين لكي يبدأ العزاء بينما هو سيستقبل بالفرحة والغناء والزغاريد.
تولدين ليبدأ تمييز ضدك وبينك وبين الجنس الذي من الأَولى أن يُخلق بينكم الإخاء والحب منذ اللحظات الأولى، وهذه التفرقة التي كانت وما زالت المسبب الرئيسي للسلطة الذكورية الظالمة.
منذ الصغر تعاملين على أنك الضعيفة وهو سيد الرجال كلهم، تعاملين على أنك أقل منه شأناً ومرتبة وليس درجة وإنما درجات… فشلت هذه المجتمعات في كل شيء وفشلت حتى في أعظم وسيلة للنهوض بها، نعم فشلوا في "التربية".
تولدين على الطاعة؛ طبّقي أوامر أخيك، عندما يتكلم هو فلتصمتي أنت ، حتى وإن كنتِ أكبر منه سناً فيكفيه أنه الذكر وأنك الأنثى، عندما يغضب هو فلتسمعي ما لا يليق بك وفلتسايريه ولتغفري ولا تدققي فيما قاله، وعندما تتحملين حتى يفيض كأس صبرك وتخرجين قليلاً من غيضك فلن ينسى وسيتأثر وبإمكانه ألا يسامح… نعم لقد خُلقتن لتتحملن، خُلقتن للشقاء هذا الشقاء الذي كتبه الدهر عليكن.
حتى عندما تتكلمين وتدافعين عن أفكارك وعن نفسك، فبالإمكان أن تسمعي ما لا يليق بأنوثتك أو حتى بإمكانك أن تُضربين، وحتى من سيسمع نقاشكما أو عراككما من الإناث سيعطيه الحق نعم؛ لأنه الرجل ولا يليق بك أن ترفعي صوتك عليه، ولا أن تناقشيه فهو يعرف أكثر منك وأنت لست سوى نقصان العقل والدين.
أنت أنثى ففتح حساب إلكتروني أو صفحة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي لا يليق بك، فهذه الوسائل التواصلية مليئة بالذئاب البشرية، وإن فعلتِ فهذا قد يدخلك حيز الفتيات غير الصالحات، المتمردات، المتحررات، العاهرات، أو من لا يصلحن لتكوين أسر، وإن تحدثت مع أحدهم فبالإمكان أن تتضح له الأفكار السابقة.
مجرد كونك أنثى يجعلك فريسة سهلة الالتهام ووجبة حلالاً لكل جائع..
مجرد كونك أنثى هو سبب للتحرش بك، سواء أسترتِ نفسك أم صممتِ على العري.
كونك أنثى فهذا سبيل لتتعرضي لكل أشكال العنف وأنواعه.
أنت أنثى إذاً فهذا يعطي الحق للجميع للتدخل في تصرفاتك؛ كبيرها وصغيرها، بل وفي إسماعك ما لا ترضينه.
أنت أنثى إذاً فلن تخرجي من البيت ولن تتحركي منه إلا بأخذ الإذن، بينما إخوتك من الذكور هم رجال يخرجون متى شاءوا وبلا إذن.
أنت أنثى إذاً هناك شعب وتخصصات لا تستطيعين دراستها فهي تقتل أنوثتك، وتجعلك خصيمة الرجل؛ لأنك تخطيت مجالات خلقت له وحده.
أنت أنثى إذاً لا يجوز لك لا السفر ولا التنقل للدراسة أو العمل وإن فعلتِ ذلك فقد تصنفين في خانات العاهرات.
أنت أنثى فمجرد إقامتك بعيداً عن بيت أهلك، سواء في إقامة أو مبيت جامعي أو في مكان آخر قررتِ كراءه بالقرب من مكان تعملين فيه لتحقيق ذاتك وطموحاتك، فهذا هو العهر والعار بعينه.
أنت أنثى وحقك المشروع في الحب حرام ولا يليق بك، بل قد تتعرضين للضرب وحتى القتل إذا وجدوا أنك على علاقة مع أحدهم.
بينما هو رجل يحب، يعيش حياته، حتى إن أراد لعب دور اللعوب وزير النساء فله ذلك وبكل الأبعاد، وفي الأخير هو غربال لن ينقص منه شيء، هو رجل وأنت أنثى.
إن أحببتِ وخدعتِ باسم الحب، إن مارست أياً من طقوس الحب كانت ظاهرة أو باطنة فهذا منفاك عزيزتي، أحببتِ مرة ولن تنجحي قررتِ إكمال مسيرتك حبيبتي ماضيك هو منفاك الحقيقي.
خلقتِ أنثى لتستمعي لمغامرات حبيبك أو شريكك، تستمعين لها مهما كانت مرارتها ويحس هو بالنصر فقط لأنه ذكر ولأنك أنثى.. فليسامر هو المومسات وبنات الليل، وليدخل مجالات الحرام كلها فهذا أحله له المجتمع، أما أنت فموتي بغيضك وابكي على ماضيك فأنت الحرام بعينه.
وما فات من حياتك أو أخطائك حتى الدقيقة منها لم ولن تغتفر؛ لأنك أنثى بل وهناك أخطاء لا تغتفر أبداً ما حييتِ فقط لأنك أنثى.
خُلقتِ لتقبلي عيوب الرجل وليرفض هو عيوبك وكأنك وُضعتِ في جنة واخترتِ أنت قدر الشيطانة.
أنت أنثى، فإن خُطبتِ وفُسخَت خطبتك من رجل لا يليق بك ولا بمستوى تطلعاتك فهذه كبيرة سيحاسبك عليها أخوك وأبوك وأمك وحتى المجتمع من حولك.
خُلقتِ ليُطلق عليك لقب العانس إذا تأخر زواجك أو إن لم تجدي الرجل المناسب الذي يليق بأحلامك، وأهدافك وطموحاتك.
خُلقتِ لتقعي في ذكورية من بنات جنسك من النساء كبيرات السن وقد تكون حتى من أمك ومن قريباتك: متى سنفرح بك؟ الصغيرات يتزوجن وأنت بلا عريس؟.. وحتى من صغيراته اللائي يُخطبن ويُتزوجن ويُربين أبناءهن بينما تتجرعين أنت مرارة الوحدة وعدم وجود الزوج المناسب.
أنت أنثى إذاً فتخليْ عن أحلامك وطموحاتك بمجرد أن يجد لك والدك من يسترك؛ لأنك عورة خُلقت لتقر في البيت ولتربّي الأولاد ولتطيع الزوج ولتتحمله هو وأهله ومشاكلهم.
أنت أنثى خُلقت لتخرج من بيت أبيها إلى بيت بعلها ثم إلى قبرها، أي من قبر الحياة إلى قبر الممات.
أنت أنثى فاختاري بين الحب أو الأهداف، اختاري بين حبك لرجل حياتك أو بين حبك لدراستك وعملك وطموحاتك؛ لأن من أحببته في الوقت الذي كان لا بد أن يشجعك سيخيرك ويهددك بالرحيل.
أنت أنثى وكل فعل تفعلينه ببساطة قد يدخلك حيز النقد، في مجتمع مريض من رأسه حتى أخمص قدميه.
أنت أنثى فتقبلي نقدهم وموتي بغيضك، موتي وأنت حية، اقتلي أحلامك، آمالك، طموحاتك، أهدافك، اقتلي أنوثتك وأحيي الذكورة داخلك وعيشي بشراسة.
كل ما قُلته هي حقائق مجتمعية مرضية، لكن أنت من تقررين الرضوخ والاستسلام أو العيش بالطريقة التي تمليها عليك قناعاتك ومبادئك لتكوني أنت ولا أحد غيرك، ولتغامري وتحبي وتختاري وتعيشي وتصلي إلى مرادك.
وفي الأخير أقول: رغم المجتمع الذكوري الذي نعيشه أيتها الأنوثة أنت مُخيرة لا مُجبرة!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.