تعليم القيم بين المساجد والمدارس

ما أن فتحتُ باب المسجد للدخول حتى ارتعش جسدي إجلالاً لما رأيت من نورٍ وسكينة تحفّ أرجاء المسجد، يصطف الطلبة متحلقين حول مشايخهم بثيابهم البيضاء، وكأنهم ملائكة.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/10 الساعة 04:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/10 الساعة 04:16 بتوقيت غرينتش

ما أن فتحتُ باب المسجد للدخول حتى ارتعش جسدي إجلالاً لما رأيت من نورٍ وسكينة تحفّ أرجاء المسجد، يصطف الطلبة متحلقين حول مشايخهم بثيابهم البيضاء، وكأنهم ملائكة.

ما أجمله من منظر! تمنيت لو أن المدارس الآن تدار بنفس الطريقة. تبقى تربية المسجد هي الأصل وغيرها الفرع. ما أحوجنا لغرس الإيمان وأخلاق نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام بين أبنائنا.

كبَّر الإمام فكبَّر بجانبي أحد التلاميذ، وما إن شرع الإمام بالفاتحة حتى بدأ هذا الولد بالبكاء، كان يتفاعل مع آيات الله مع قراءة الإمام. هذه هي تربية المساجد التي تزرع في داخل هذا الجيل خشوعاً وإنصاتاً لكلام الله عز وجل.

ما أحوجنا إلى تقدير العلم والقائمين عليه، في زمن أصبح الدين فيه للتجارة، فيه ربح وخسارة.

بلا شك فقد حثّنا الله على العلم وتقدير العلماء في كتابه الكريم؛ حيث قال جل وعلا: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (سورة الزمر: 9).

شتان بين بيوت الله ومدارس عصرنا، فالانفتاح والتطور مع نقيضهما الرجعية والتخلف. للأسف هكذا تُفهَمُ الأمور أو بالأحرى هكذا أُريد لها أن تكون. أول شيء تتم محاربته القدوة في المجتمعات حتى إن فقد الناس أهل العلم اتخذوا رؤوساً جهالاً يفتون الناس بغير علم، وما أكثرهم!

بدأوا بمحاربة المساجد على أساس أنها مصدر للإرهاب، ولكن للأسف تنتهج بعض الدول منهجاً… في تغذية الإرهاب والتطرف، بغرض تشويه صورة الإسلام وبيوت الله. إن زرع فكرة الإسلاموفوبيا حول العالم يأتي بتعميم الفكرة السيئة على الجميع وهذا ظلم للغالبية العظمى من المسلمين.

من الصعب عليّ أن أسمع بمدارس ترفع أسماء دينية وشعارات إسلامية أو تربوية أو وطنية، هي في وادٍ وشعاراتها في وادٍ آخر. محزن أن تُستغَل القيمُ الدينية لأغراض إعلانية ترويجية، الهدف منها جمع أكبر قدر من الأرباح.

تبقى المدارس التي ترفع شعارات قيمية أفضل من غيرها. فالقيم الدينية والإنسانية والوطنية والشعارات التربوية من المفترض أن تخدم الفرد في سبيل تنمية المجتمع. لكن يبقى التحدي أن تحافظ على تطبيق هذه الشعارات والقيم بالشكل الصحيح والعادل من غير أن تتأثر بالأغراض الربحية التي تقوم عليها المؤسسات التربوية.

من الجميل أن تبقى مدارسنا تعكس هوية مجتمعاتنا وتعكس ثقافتها وتقاليدها وتحافظ على القيم الإنسانية الإسلامية بعيداً كل البعد عن التشدق بالغرب أو الشرق. نملك الكثير من القيم الموروثة لكي تُزرعَ في قلوب الأجيال القادمة.

فالصدق والإحسان والتعاون والتكافل والنظافة والطهارة وحب الوطن والتضحية في سبيله والاحترام والتقدير والرحمة والإصلاح والتطوير وحب العلم والمعرفة والانفتاح والحرية والديمقراطية والشورى والوسطية، كلها قيم إسلامية تنسجم بتناغم مع تاريخ أمتنا وحضارتنا العربية العريقة، وخلاف ذلك ليس سوى دسيسة علينا ودخيلة لا نقبلها أبداً.

لا يمكن أن نَقبل أن تكون مؤسساتنا التعليمية مكاناً للانحلال الأخلاقي، ومصدراً يعشش فيه الفساد وتنهدم فيه القيم وتتفكك فيه الوحدة الوطنية والإسلامية، أو أن تكون مكاناً للاستغلال وضياع الحقوق لحساب كبار رؤوس الأموال على حساب جيوب الفقراء والمساكين والكادحين.

لقد كان للمساجد دور كبير في توعية المجتمع وتنميته، فما أحوجنا اليوم لعمل متناغم بين البيت والمدرسة والمسجد لبناء نهضة فكرية تنموية وقيمية.

تعليم القيم ليس حكراً على المدارس والمؤسسات التربوية، بل هي عملية تبادلية تنشأ من نواة المجتمع وهي الأسرة.

التعلم بالقيم ليس شعاراً لاستقطاب الأموال وجذب التلاميذ، بل هو عملية تعاونية بين الأسرة والمدرسة.

هلّا نسأل أنفسنا كيف نعلم أبناءنا القيم والأخلاق الحميدة التي من شأنها أن تنشئ جيلاً واعياً قادراً على بناءِ حياة أفضل لنفسه ولمجتمعه؟!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد