مرة أخرى أجدني مضطراً للكتابة عن مأساة شعب الروهينغا الذي انشغل عنه العالم، وتركه نهباً لأغلبية موتورة لا تؤمن بالتعدد أو العيش المشترك.
فكثير هو الدعاء لإخواننا الروهينغا في الآونة الأخيرة، وكثير هو كذلك الدعاء على مضطهديهم. نقر بأن الذخم الدعائي لنصرة هؤلاء البؤساء آخذ فـي الازدياد، إلا أن الوقائع على الأرض لا تشي بأن تحسن، أي تحسن، قد طرأ على أحوال هؤلاء المساكين. فوتيرة الاضطهاد بدلاً من أن تقل نزولاً على هذا الضغط الدعائي، تزداد بل ويتفنن الظالمون في أشكال وأساليب ظلمهم في تحدٍّ سافر ليس فقط للعالم بل لبوذيتهم ذاتها.
أدبيات الديانة البوذية، التي يدين بها الأغلبية في ميانمار (بورما)، تدعو للسلم وعدم العنف، إلا أن ما نراه على الأرض يدعونا لمراجعة قناعاتنا عن هذه الديانة وهذا المعتقد. فلا سلم ولا سلام في إحراق المنازل بساكنيها والقتل على الهوية والتهجير القسري لقري بأكملها.
يذكرني هذا الصراع الطائفي غير المتكافئ بين الأغلبية البوذية والأقلية المسلمة بسلوك نفسي شائع يُطلق عليه "الإحالة"، حيث يحول المضطهد والمغلوب على أمره ناظريه عن عدو حقيقي قوي لا يقدر عليه الى عدو مفترض ضعيف. فبدلاً من أن تتوجه جهود الأغلبية البوذية لانتزاع حقوقهم المسلوبة من الطغمة العسكرية الحاكمة، التي تسهم كل يوم في إفقارهم، يستأسدون على أقلية مظلومة مثلهم. فمتى يدرك هؤلاء أن عدوهم والروهينغا واحد؟ عدوهما هو الفقر والإفقار وانسداد الأفق السياسي في ظل نخبة حاكمة تقتات على هكذا صراعات.
أما المضحك الباكي في مسألة الروهينغا تلك فهو هذا الربط الغريب بين ما يحدث من تطهير عرقي وانفتاح وإصلاح وتوسع في هامش حرية الرأي تدعي بعض الدوائر الغربية أن ميانمار تشهده.
فالابادة التي يتعرض لها الروهينغا، وهذا ليس من قبيل الهزل، هي تعبير عن الرأي. في تقرير لها عن الأزمة صادر في عدد 13 يونيو/حزيران تؤكد بل وتروج مجلة "الإيكونوميست" لهذه المقاربة وتدعو دزمن توتو وغيره من المتعاطفين مع الروهينغا إلى عدم المبالغة في وصف ما يحدث على أنه إبادة جماعية رغم انطباق شروط توصيف ما يحدث على انه إبادة جماعية بحسب تقرير المجلة ذاته.
في الواقع إن تصوير "الايكونوميست" لما يحدث على أنه ضريبة على الجميع في ميانمار أن يدفعها إذا ما أرادوا حرية التعبير هو اِفتئات على حرية التعبير نفسها وإعفاء للحكومة من المسؤولية في بلد لا يجرؤ مواطن فيه على الابتسام دون تصريح.
موقف "الايكونوميست" الملتبس وحرصها على الإيعاز لأصحاب القرار في أوروبا والولايات المتحدة بعدم فرض عقوبات على حكومة ميانمار تحت دعاوى عدم وأد الإصلاحات السياسية الوليدة في هذا البلد، هو موقف غربي شبه موحّد لا يرغب في التورط في الأزمة وإعطاء ميانمار والروهينغا أكثر مما يستحقان من الاهتمام.
فلا وزن دولياً ولا ثقل استراتيجياً لأي من طرفي الصراع. فميانمار الدولة بأغلبيتها البوذية ليست الشرق الأوسط الغني، والروهينغا ليسوا كالأوكرانيين أو الجورجيين الاستراتيجيين.
فى ظل إحجام الغرب عن تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية وعدم توصيف ما يحدث للروهينغا على أنه تطهير عرقي، وفي ظل تواطؤ شخصيات بوذية، كان يعول عليها لحلحلة الأزمة كالدلاي لاما والناشطة السياسية البورمية آنغ سان سوكي، سيتواصل التطهير في ميانمار، وسيظل شعب الروهينغا المسلم يدفع الثمن من قتل وتشريد وتهجير قسري.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.