انتهى زمنُ التعليم

أيُّ جيلٍ هذا سنجدهُ مستقبلاً؟ وكيف لهذا الأستاذ حتى أصبح أستاذاً؟ كلها أسئلة تجعلُك في حسرةٍ من أمرك.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/04 الساعة 03:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/04 الساعة 03:09 بتوقيت غرينتش

أصبح لفظ "التعليم" شبحاً يتربَّص بكلِّ طفل عانقَ ست سنوات، تتملَّكُكَ دهشة ليسَ لها مثيل حينما تطأُ قدماك المدرسة لأولِّ مرة، فهناك مَن يدخلُ وصوتُ البكاءِ يحيطُ به من كلِّ جانب، وآخر يبتسم بدخوله المدرسة.

كلُّ هذا كان في زمنٍ عرف فيه التعليمُ أوجَّ عطائه، ولكن الآن التعليم صارَ الحديثُ عنه من المستحيلات.

كان التعليمُ حلواً ومرَّاً في نفس الوقت، أمَّا في الوقت الراهن فإنَّه صار يُعاني أشدَّ المعاناةِ، إذْ لا صوتَ يعلو فوق صوتِ الاكتظاظ، ناهيك عن سوءِ التدبير داخل المؤسسات التعليمية بالمغرب، واستمرارية التهميش، دون نسيانِ تدهور البنية التحتية، ولم يعُد البعضُ من الأساتذة رسولاً بل تحول إلى رجلٍ يجلس في المكتب والقسم يعجُّ بالعناكب والنوافذ مكسَّرة والسبورةُ أكل عليها الدهر وشَرِب، يأتي متى يشاء ويذهب متى يشاء ولا أحد يحرِّكُ ساكناً.

التعليم تاهَ في سراديب النِّسيان، ولأنَّ المؤسسات العمومية انهار رصيدها المعرفي، اتجه الجميعُ إلى المؤسسات الخصوصية التي تنهب أموال الناس ظلماً وبُهتاناً، والفقيرُ ابن الطبقة الكادحة ما زال يتربَّعُ على عرش التعليمِ العمومي الذي لم يعد يقدِّمُ شيئاً للتلاميذ، إلاَّ مَن صنعوا الاستثناء بقدرتهم الخارقة.

وهل أقول إنِّ النظام التعليمي في عصر التقنية والعلم الحديث عصرٌ يميزهُ الانفجار الإعلامي والإنترنت أصبح مجرَّد إشاعة، التعليم في المغرب ينبني على الاستهزاءِ بالتلاميذ والبَاقي تفاصيل.

وإنَّ الحديث عن مشاكل التعليم ما هو إلاَّ فسحة لأقول ما نشاهدهُ الآن من تَفَشّ لنقصِ الأساتذة معرفياً وتكوينياً وكيف يمكننا الحديثُ عن جيلٍ سيصنعُ التاريخ والأستاذ لا يفقهُ شيئاً في أشياءَ كثيرة؟ مما أدى إلى تزايد نسبة الجهل في صفوفِ التلاميذ وانحطاط أخلاقهم بشكلٍ غير مسبوق.

الأب يعملُ صباحَ مساء من أجل ابنه أو ابنته؛ لكي يصنعَ لهم مستقبلاً جميلاً ويأتي أستاذ ما زال يرتكب أخطاء يندى لها الجبين ولا تستحقُّ أيَّ اهتمام.

أيُّ جيلٍ هذا سنجدهُ مستقبلاً؟ وكيف لهذا الأستاذ حتى أصبح أستاذاً؟ كلها أسئلة تجعلُك في حسرةٍ من أمرك.

ما زالت ثقافةُ العنف سائدة في الثانويات والإعداديات، سواءٌ أكانَ عنفاً لفظياً أو عنفاً جسدياً، يمكن أن يأتي من الأستاذ أو من التلميذ.

العنف أصبح متجاوزاً منذ عقود، وعادت بي الذكريات إلى فترة الابتدائية حينَ لقنني الأستاذ درساً بواسطةٍ خيطٍ كهربائي تتخلَّله أسلاكٌ مشوكة.

ارحموا تلامذتكم، اقرأوا واعتنوا بثقافتكم العامة وقوموا من سباتكم العميق، وقدموا للتلاميذ جزءاً مما تعلمتموهُ سابقاً.

لا تعلقوا آمَالكُم على ما سيجود به التعليم في المستقبل، بل اكتفوا بترتيل بعض الترهاتِ ترحماً عليه؛ لأنَّه مات ولن يعودَ أبداً، ومن أرادَ أنْ يتعلَّم فعليه بالقراءة ثم القراءة وثالثهما الانفتاح عن ثقافاتٍ أخرى، وقُم بنسيانِ التعليم في المغرب.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد