في الوقت الذي تقود فيه السعودية 3 دول عربية أخرى لحصار قطر مطالبة إياها بإغلاق قنوات الجزيرة وترك علاقتها بإيران، يتَّضح على نحوٍ متزايد شيءٌ واحد فقط في سوق النفط: لم تصل التوتُّرات بعد إلى نقطة تُعطل عندها أكبر مصدر للنفط الخام في العالم شحنات جارتها الصغيرة.
وفق وكالة Bloomberg زاد عدد الناقلات التي تحمل الخام القطري، بالإضافة إلى عدد الناقلات الخاصة بالسعودية والإمارات منذ تصاعد التوترات في 5 يونيو/حزيران الماضي، وذلك وفقاً لبيانات شحن جمعتها وكالة بلومبيرغ الأميركية خلال 25 يوماً قبل وبعد ذلك التاريخ.
وتُظهِر القدرة على التعاون في سوق ناقلات النفط، رغم قطع العلاقات الدبلوماسية، كيف تنتظر البراغماتية غالباً على السياسة، حينما يتعلق الأمر بسوق الطاقة. وفي حال كانت السعودية قد أقدمت على إعاقة الحمولات المشتركة، لكانت خلقت تحدياً لوجستياً لعملائها، مجبرةً إياهم على إعادة تنظيم عشرات الشحنات. ومن شأن ذلك الاضطراب أن يؤدي أيضاً إلى تقليل إمدادات السفن وزيادة تكاليف الشحن.
اللايقين الأولي
في التقرير الذي نشرته وكالة Bloomberg قال ريتشارد مالينسون، المحلل الجيوسياسي بمؤسسة "إينرجي أسبكتس" لاستشارات الطاقة بلندن، عبر الهاتف لبلومبيرغ: "رأينا تساهلاً تراجعاً في حالة اللايقين الأولية المتعلقة بنطاق الاضطراب الذي يمكن أن يُشعر به في عمليات التحميل المشتركة"، مضيفاً أنَّ السعودية والإمارات ربما تكونان مترددتين بشأن اتخاذ أي خطواتٍ من شأنها الإضرار بسمعتهما في نظر المشترين الدوليين.
وما زالت حمولات الدول الثلاث المشتركة غير متأثرةٍ بشكل كبير منذ النزاع الذي اندلع في 5 يونيو/حزيران الماضي. ومنذ ذلك الحين، حملت 17 ناقلة نفط الخام في قطر بشكلٍ مشترك مع السعودية، أو الإمارات، أو كلتيهما. وخلال فترةٍ زمنية مساوية في مرحلة ما قبل الخامس من يونيو/حزيران، كان هناك 16 ناقلة على هذه الشاكِلة.
وتحركت السعودية، والإمارات، والبحرين ومصر لعزل قطر على خلفية دعمها المزعوم لجماعاتٍ إرهابية وعلاقاتها مع إيران. وبدا أنَّ سلطات الموانئ السعودية والإماراتية في بداية الأمر ستُقيد حركة السفن من وإلى قطر، وبثَّت بذلك الارتباك لدى عشرات الناقلات التي كانت بالفعل تحمل النفط، والطعام، وحمولات أخرى على متنها في البحر أو قادمةً في طريقها.
لا تأثير
لكن بدا رغم ذلك أنَّه لم يكن هناك تأثير لأي قيودٍ على تحميل النفط الخام من السعودية والإمارات وقطر، وكل الدول الأعضاء بمنظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" وفق وكالة Bloomberg . وبالإضافة إلى ذلك، لم يؤثر النزاع على أسعار النفط. فانخفض سعر خام برنت، معيار التسعير العالمي، في وقتٍ سابق من هذا الشهر إلى سوق متراجعة (تتسم بانخفاض الأسعار)، ويجري تداوله الآن بالقرب من سعر 47.80 دولار للبرميل، أي أقل بنسبة 3.4% من سعر إغلاقه في 5 يونيو/حزيران.
ومنذ ذلك الحين، حُملت ناقلات نفط مثل "أبولو دريم – Apollo Dream"، و"دي إتش تي ريدوود – DHT Redwood" و"ماران كارينا – Maran Carina"، بحمولاتٍ مشتركة من قطر وكلٍ من السعودية والإمارات. فيما حُمِّلت ناقلاتٌ أخرى مثل "دي إتش تي فالكون – DHT Falcon" في السعودية وقطر فقط، بينما حمَّلت ناقلات نفط مثل "تاكامين – Takamine" النفط الخام من الإمارات وقطر.
وفي حين أنَّ العلاقات بين قطر وجيرانها الخليجيين الأقرب قد توتَّرت، تكثَّفت بالفعل تجارة النفط المشتركة مع الكويت، التي هي ليست جزءاً من الخلاف. وجرى تحميل أربع ناقلات نفطٍ بشكل مشترك في قطر والكويت في الأيام الخمسة والعشرين التي سبقت اندلاع الخلاف. ومنذ 5 يونيو/حزيران، ارتفع هذا العدد إلى أكثر من الضعف ليصل إلى 9 ناقلات نفط.
ضمن تقرير وكالة Bloomberg ذكر محللو شحنٍ وطاقةٍ أنَّ السفن التي تزور ميناء الفجيرة بالإمارات، وهو مركز رئيسي للتزود بالوقود للمئات من ناقلات النفط التي تدخل وتخرج من الخليج شهرياً، قد تضطر إلى تغيير مساراتها للتعامل مع القيود.
وقالت شركة " فاكتس غلوبال إنيرجي" العالمية المتخصصة في استشارات النفط، في مذكرةٍ بحثية في وقتٍ متأخر من أول أمس الخميس، 29 يونيو/حزيران، إنَّ مخزونات زيت الوقود بميناء الفجيرة نمت للأسبوع الخامس على التوالي. فبسبب القيود على الشحن، على السفن القطرية "الآن إيجاد موانئ بديلة للتزود بالوقود، وهذا يمكن أن يُسهم في زيادة المخزون".
افتحوا أبوابكم نفتح أبوابنا.. قطر مستعدة لاستقبال مراقبين
قال السفير القطري لدى أستراليا ناصر آل خليفة، إن بلاده ستقبل بمراقبين مستقلين لمراقبة تمويلها المزعوم للتنظيمات الإرهابية، إذا قامت السعودية وجيرانها الخليجيون بالأمر نفسه.
وأضاف آل خليفة، الذي أُرسِل إلى لندن لإدارة الأزمة، إنَّ قطر على استعدادٍ للنظر في "المخاوف الشرعية" لجيرانها بشأن التهديد المشترك الذي يفرضه الإرهاب، لكنَّها لن تستجيب للمطالب التي تمس سيادتها. وقال: "هذه أمور غير قابلة للتفاوض"، وفقاً لتصريحات أدلى بها لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، السبت 1 يوليو/تموز 2017.
ويأتي تصريح المسؤول القطري مع اقتراب المهلة التي حددتها دول الحصار (السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر) لقطر للرد على 13 مطلباً قدمتها يوم 22 يونيو/حزيران 2017، وفقاً لوكالة رويترز، ومن بين المطالب إغلاق قناة الجزيرة، وتقليص الدوحة لعلاقتها مع إيران، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية، ودفع تعويضات.
وفي 24 يونيو/حزيران الماضي، أعلنت قطر أن مطالب دول الحصار ليست واقعية ولا متوازنة، وغير منطقية وغير قابلة للتنفيذ.
ونقلت وكالة الأنباء القطرية الرسمية عن الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني مدير مكتب الاتصال الحكومي، أن طلبات دول الحصار التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام "تؤكد من جديد ما ذكرته دولة قطر منذ بدء الأزمة، بأن الحصار ليس لمحاربة الإرهاب، بل للحد من سيادة دولة قطر، والتدخل في سياستها الخارجية".
وفي ذات السياق، أكد آل خليفة أنَّ مثل تلك المطالب تُثبِت أنَّ الخلاف "ليس له علاقة بتمويل الإرهاب" كما يقول جيران قطر الخليجيون. وقال إنَّ "الإرهاب كلمة رائجة. وحينما تسمعها دولة غربية، فإنَّها تعير الأمر انتباهاً".
وبدأت الأزمة الخليجية، في 5 يونيو/حزيران الماضي، حين قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، وفرضت الثلاث الأولى عليها حصاراً برياً وجوياً، لاتهامها بـ"دعم الإرهاب"، وهو ما نفته الدوحة.