“اطردوا اللاجئين، يريدون الحفاظ على ثقافتهم”.. هذه أبرز مخاوف الدنماركيين من المهاجرين

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/06 الساعة 14:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/06 الساعة 14:35 بتوقيت غرينتش

جوني كريستنسن، موظف بنكي متقاعد ممتلئ، دائماً ما رأى نفسه متعاطفاً مع الأشخاص الهاربين من الحرب، ومرحّباً بالمهاجرين. لكن بعد تدفق أكثر من 36 ألف طالبٍ للجوء أغلبهم مسلمون إلى الدنمارك على مدار العامين الماضيين، قال كريستنسن، البالغ من العمر 65 عاماً، "لقد أصبحت عنصرياً".

يؤمن بأن المهاجرين الجدد يستنفذون نظام الشؤون الاجتماعية الدنماركي لكنهم يفشلون في التكيف مع عاداتها. "فقط اطردوهم"، قالها وهو يوجه ركلة جبارة إلى هدف وهمي على رصيف الضاحية، وفق ما جاء في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

"هؤلاء المسلمون يريدون أن يحتفظوا بثقافتهم الخاصة، لكننا لدينا قواعدنا الخاصة هنا الكل يجب أن يتبعها".

الدنمارك، البلد الصغير المنظّم الذي يحمل صورة ذاتية تقدّمية، مبني على اتفاق اجتماعي: في مقابل بعض من أعلى الأجور والإعانات في العالم، المتوقع من الناس أن يعملوا بكد ويقدّموا ما لديهم للنظام.

بينما على الوافدين الجدد تعلم اللغة الدنماركية سريعاً – والتكيف مع أعراف مثل المحافظة على أناقة الحدائق، وركوب العجل.

خبرة قليلة

كان للبلد خبرة قليلة بالمهاجرين حتى عام 1967، عندما دُعي أول "العاملين الضيوف" من تركيا، باكستان وما كان حينها يوغوسلافيا.

يظل شعب الدانمرك البالغ تعداده 5.7 ملايين نسمة أغلبه محلي الولادة، رغم أن النسبة انخفضت إلى 88% اليوم من 97% في 1980.

بو ليدجو، مؤرخ بارز، قال إن العديد من الدنماركيين يشعرون بقوة "أننا مجتمع متعدد الأعراق اليوم، وعلينا أن ندرك ذلك – لكننا لسنا ولا ينبغي أن نصبح مجتمعاً متعدد الثقافات."

التدفق الراهن يتضاءل إلى جانب المليون مهاجر الذين استقبلتهم ألمانيا، أو الـ163 ألفاً إلى السويد عام 2015، لكن المعدل الذي أتى به المهاجرون سبب صدمة للبلد المستقر المتجانس.

وقد دعمت الحكومية اليمينية الوسطية إجراءات قاسية تستهدف المهاجرين، وارتفع خطاب الكراهية، وأصبح الحزب المعادي للمهاجرين، حزب الشعب الدنماركي، هو ثاني أكبر حزب في البرلمان.

بعض هذه العداءات انعكست في ألمانيا، عندما أيّد الناخبون في مسقط رأس أنجيلا ميركل مرشحين معادين للمهاجرين – في رفضٍ ملفت للنظر لسياستها تجاه اللاجئين.

هناك توتر جديد بين الدنماركيين الذين ما زالوا يفتحون أذرعهم، وبين جناح يميني متمرد يسعى لحظر دخول كل المسلمين وعزل الدنمارك عن أوروبا.

الخروج من الاتحاد الأوروبي

السيد كريستنسن، المصرفي المتقاعد، يدعم المقترحات الصاعدة في بلاده بالسير على خطى بريطانيا في الخروج من الاتحاد الأوروبي.

هناك توتر أيضاً، حول ما إذا كان رد الفعل العنيف يرجع حقاً إلى الضغط الواقع على نظام الإعانات العامة الدنماركي السخي، أم تهديد الإرهاب المتصاعد – أم أنها عداوة أزلية يُكشف عنها النقاب في وقت متأخر.

يقول المحللون إن أصواتاً قليلة عارضت هجرة 5 آلاف بولندي و3300 أميركي، ضمن غربيين آخرين، إلى الدنمارك في 2014، لكن انتقادات واسعة قد نشأت جراء استقبال قرابة 16 ألف طالبٍ سوري للجوء وصلوا في ذلك العام والعام التالي.

إنهم ومهاجرين آخرين لم تتم دعوتهم، والعديد منهم انتهى به الحال هنا بالمصادفة، إذ تم اعتراضهم خلال رحلتهم إلى السويد.

يشتكي المنتقدون من بطء تعلّم الوافدين الجدد للغة الدنماركية – رغم أن وزارة الهجرة أفادت أن 72% منهم اجتازوا اختباراً مطلوباً في اللغة.

بعض الدنماركيين يتخذون موقفاً معادياً مما يرونه مقاطعات عرقية: إذ يعيش 30% من المهاجرين الجدد في أكبر مدينتين دنماركيتين، آرهوس وكوبنهاجن، حيث تبرز النساء المسلمات بالعبايات، ويظهر الرجال بطواقي الصلاة بين حشود الأشخاص شُقر الشعور، زرق العيون في الشوارع الضيقة.

ربّما أكبر المخاوف – وأكثرها حقيقية – هو أن المهاجرين يمثلون استنفاذاً اقتصادياً.

في 2014، 48% من المهاجرين من البلاد غير الغربية، والذين تتراوح أعمارهم بين 16 و64 عاماً تم توظيفهم، مقارنة بـ74% من الدنماركيين المحليين.

وقد سعت وزارة الهجرة إلى تفادي ما تسميه "المجتمعات الموازية" من المهاجرين الذين يعيشون في "دوائر قاسية من الصورة السيئة، والمشاكل الاجتماعية ومعدل عالٍ من البطالة.

تشديد متطلبات الهجرة، كما قالت الوزارة في تقريرها السنوي الأخير، يستبعد "هؤلاء الأقل قابلية للاندماج في المجتمع الدنماركي".

لحم الخنزير

عمر محمود، مهندس عراقي دخل إلى الدنمارك قبل عام ويعيش في مركز للاجئين بمدينة راندرس، والتي يبلغ تعداد سكانها 60 ألف نسمة.

يبذل عمر قصارى جهده ليندمج. هو وزوجته يأخذون دروساً في اللغة النماركية، وأبناؤهم الثلاثة يتعلمون اللغة ويتعرفون على أصدقاء دنماركيين في المدرسة.

هم مسلمون، لكنهم يحضرون إلى الكنيسة ليتعلموا عن المسيحية، وقال عمر أنه ليس معارضاً لأكل ابنه لحم الخنزير، أحد الأطباق الرئيسية على المائدة الدنماركية، رغم أن هذا محرم في الإسلام.

يقول محمود إن عائلته لم تجابه إهانات أو تهديدات مباشرة، لكنه مرتعب من قبل النبرة المعادية للمهاجرين والمسلمين في الحديث العام.

أبدى محمود حزنه قائلاً: "إن الأمر أشبه بأن الأجانب يحشرون في زمرة خاصة، منفصلين عن الشعب الدنماركي. لكنه قال إن "بعض الدنماركيين ملائكة" وأنه شعر بالارتياح كونه بعيد عن العنف في العراق. "إنني في جنتي الآن."

أنديرس بوهل كريستنسن، اليميني الوسطي وأحد أعضاء المجلس المحلي بمدينة راندرس، قال إن التدفق قد دفع إلى محادثات أكثر صراحة بشأن الهوية الوطنية.

قال إن "مشكلتنا في الدنمارك هي أننا كنا مهذبين أكثر من اللازم. لم يجرؤ أحد على الحديث عن" الهجرة، مضيفاً، "لأنهم كانوا خائفين من أن يصمهم أحد بالعنصرية."

"ليست عنصرية أن تكون واعياً بالفوارق"

الدنمارك هي مجرد واحدة من دول أوروبية عديدة تصارع تيار اللاجئين في خضم وفرة من الهجمات الإرهابية في أنحاء القارة ينفذها المتطرفون الإسلاميون.

استطلاع رأي أجراه مركز أبحاث بيو مؤخراً وجد أن نصف المواطنين على الأقل في 8 من الدول العشرة التي أجري فيها الاستطلاع يرون أن قدوم اللاجئين زاد من احتمالية الهجمات الإرهابية.

احتشاد هذه العوامل وعوامل أخرى قد شجّع على مراجعات لوعود ما بعد الحرب بإنشاء أوروبا موحدة منزوعة الحدود. مقدونيا، المجر وسلوفينيا قد بنوا بالفعل أسواراً حدودية. الدنمارك فرضت قيوداً جديدة للتحقق من الهوية على حدودها مع ألمانيا في يناير/كانون الثاني، وللمرة الأولى منذ 1958، تطالب السويد الدنماركيين الداخلين إلى أراضيها بإظهار أوراق هويتهم.

الكثير من المحللين يرى تصويت بريطانيا المفاجئ بترك الاتحاد الأوروبي كتعبير غاضبٍ عن القلق من "تخفيف" الهوية البريطانية – أو بالأخص الإنكليزية – بسبب التنوع الوطني المتزايد. يشتغل الجدال مجدداً حول ما إذا كانت الطرق الإسلامية في اللبس – بزات السباحة التي تغطي كامل الجسد، المعروفة بالبوركيني في فرنسا، والنقاب في ألمانيا – تتعارض مع صُلب قيم البلاد.

مصادرة ممتلكات النازحين

موضوعات مشابهة يراها البعض تمهد لإجراءات جديدة في الدنمارك. فقد جعلت الحكومة اختبار الحصول على الجنسية أكثر صعوبة، خفضت إعانات الاندماج بمقدار النصف تقريباً. إجراء تم تمريره في يناير/كانون الثاني 2016، مع أنه نادراً ما يُطبق، يعطي السلطات حق مصادرة الممتلكات عالية القيمة من الواصلين الجدد لتعويض تكلفة توطينهم في البلاد.

عام 2015، وضعت الدنمارك إعلاناتٍ في صحفٍ ناطقة بالعربية، تشدد على سياساتها الجديدة الصارمة، تلمح بشكل أساسي إلى قول: لا تأتوا هنا.

لا يستوعب المسلمون بالسهولة ذاتها التي يفعل بها الأوروبيون أو بعض الآسيويين، كما يقول وزير الثقافة الدنماركي، برتل هاردر، يرجع الأمر جزئياً، كما يقول، لثقافتهم البطريركية التي تغضب على النساء العاملات خارج المنزل، والتي غالباً ما تقيّد حرية الخطاب.

قال هاردر: "ليست عنصرية أن تكون واعياً بالفوارق – من الغباء ألا تكون. إننا نقدم لهم معروفاً بأن نكون واضحين وصريحين للغاية بشأن ماهية البلاد التي أتوا إليها، وما هي قيمها الأساسية".

لكن كثيراً من الفوارق يظل غير معلن. هذا بلد ينتظر فيه المارة الإشارة الخضراء ليعبروا الشارع حتى وإن لم تكن هناك سيارات في مرمى البصر، على العكس من شوارع عواصم الشرق الأوسط الهائجة.

بيرجيت روم لارسن، عالمة الأنثروبولوجيا الدنماركية والتي قد درست اللاجئين وطالبي اللجوء في المناطق الريفية، ذكرت لاجئاً أفريقياً لم يدرك أن إغلاق الستائر في النهار يُفسر بأنك متكتم بشكلٍ مبالغ فيه. وافدون جدد آخرون لم يعوا أن التجمّع والحديث بصوتٍ عالٍ في متجر خضروات ربما يثير تحسسات الدنماركيين. تقول بيرجيت إن هذه التوقّعات الضمنية لا يُمكن أن تُكتب في ملف اندماج يتسلمه المهاجرون.

"دنماركية بلون مختلف"

شريف سليمان، عالم أغذية طبيعية انتقل من مصر إلى الدنمارك قبل 8 أعوام، قال إن المسلمين لابد ألا يعزلوا أنفسهم في خنادق، وإنما عليهم أن يفتحوا الأبواب أمام التفاعل.

هو مدير المركز الإسلامي الذي تم افتتاحه في 2014، والذي يدعو الدنماركيين إلى تناول وجبات، وإلى "أسبوع تناغم" سنوي. ضغط سليمان ليجعل مجمّع المسجد يستخدم الطراز المعماري والأثاث الإسكندنافي، ويُعير غرفة المؤتمرات لكنيسة لتستخدمها في اجتماعاتها.

قال سليمان مشيراً إلى نافذة، "يجب أن نكون مثل هذا الزجاج – شفافين. طالما أننا نتبع قواعد البلد، فنحن جزء من المجتمع الدنماركي."

لكن بعض المهاجرين داكني البشرة الذين قد عاشوا في الدنمارك لعقود قالوا إن استيعابهم في المجتمع يبدو هدفاً مراوغاً ومتغيراً باستمرار.

باتريشيا بانداك، وشقيقها سيلفستر بيبالي أتيا إلى الدنمارك من أوغندا أطفالاً في 1989. مثل جيرانهم المحليين، هم مهذبون وملتزمون بالمواعيد ويركبون الدراجات.

الأخوان ليسا مسلمين لكنهما قالا إنهما واجها العنصرية مراراً: في المدرسة، كان يتم نعتهما بكلمة بذيئة مرتبطة بلونهما، وأخبرا بأنهما يجب أن يتوقفا عن التهام الطعام الأوغندي مثل الماتوك، نوع من الفواكه النشوية. بيبالي، 27 عاماً، والذي يدير شاحنة طعام، قال إن 3 رجال ضربوه في الشارع عام 2015، وسبوه وأخبروه بأن يعود إلى أفريقيا.

قالت باتريشيا، 28 عاماً: "بالنسبة للعديد من الناس، أن تكون دنماركياً هو أمر يسري في دمك، لذا فأنا لن أصبح أبداً دنماركية". باتريشيا أصبحت مواطنة دنماركية في 2010، وتدرس صناعة الأفلام الوثائقية. "إنني أدعو نفسي دنماركية بلون مختلف."

وهناك أوزليم زيكيش، المسلمة المولودة في تركيا والتي كانت عضوة يسارية بالبرلمان من 2007 وحتى 2015. أبناؤها الثلاثة ولدوا في الدنمارك، وقد كتبت مذكرة في 2009 بالدنماركية، وتقول: "إنني حتى أحلم بالدنماركية."

فأوزليم، 40 عاماً، قالت إنها تلقت كثيراً تهديداً بالقتل، وسمعت صيحات بأن "ارجعي إلى بلدك!" في الشارع. في كل مرة يضرب فيها الإرهابيون أوروبا، ينهمر عليها سيل من مئات رسائل الكراهية. وقد أفاض عليها الناس مؤخراً اتهامات بأن المسلمين يحلبون نظام الشئون الاجتماعية، ويتآمرون ضد الدنماركيين.

عندما كانت في البرلمان، عقدت أوزليم "مقاهٍ حوارية"، شرحت فيها – بلسان دنماركي طليق – لماذا هي دنماركية كأي شخص آخر. تسترجع أوزليم:

"يلتقون بي من أجل كوب من القهوة ثم يقولون فجأة أن مشكلتهم ليس معي وإنما مع هؤلاء الآخرين. أخبرهم، أنا هؤلاء الآخرين."

الدنمارك تنغلق على نفسها

كارين أندرسن هي واحدة من مئات الدنماركيين الساعين إلى مساعدة اللاجئين على الاستقرار، من خلال مجموعات على موقع فيسبوك تُدعى "فينليجبويرن"، أو "مواطنين لطفا"، تمضي كارين عدة أيام كل شهر مع حسام محمد شامدين، 38 عاماً، وزوجته وابنتيه الاثنتين، والذين هربوا من سوريا في 2014 ويعيشون الآن في راندرس، يلصقون أعلام دنماركية صغيرة على الباب الأمامي لشقتهم، ويضعونها في المزهريات.

تقول كارين، 62 عاماً، المعلمة المتقاعدة، "الدنماركيون قلقون للغاية بشأن فقدان ثقافتهم، لكن كم منهم يساعد هؤلاء الذين يرغبون في أن يصبحوا جزءاً منها؟"

على كثرتهم، فإنهم يغرقون تحت إفاداتٍ بأن المسلمين يُبصق عليهم، ويتعرضون لسيل من الإهانات العنصرية.

في مايو/أيار، نزع دنماركيان حجابي فتاتين مسلمتين. وقبلها بشهر، نشأ جدل وطني بعدما أنشأ حمام سباحة عام في كوبنهاجين دروساً للفتيات فقط استجابة لطلبات المسلمين.

جولي جيج، طالبة القانون المتطوعة مع جماعة مناهضة للعنصرية، تقول:

"حرية الخطاب يتم تفسيرها الآن على أنها حرية قول أي شيء مفعم بالكره. الدنمارك تنغلق الآن على نفسها. الناس يتراجعون."

شاهد "حرب كرات اللحم"، المتعلقة بلحم الخنزير.

في يناير/كانون الثاني 2016، بعد إفشاء أن حضانة بمدينة راندرس قد توقفت عن تقديم كرات لحم الخنزير لأن طلابها المسلمين لا يلتهمونها، مرر مجلس المدينة بهامش ضيق إجراء يُلزم بتقديم لحم الخنزير بكمية متساوية مع أنواع الطعام الأخرى.

عضو المجلس المحلي الذي دفع بهذا الإجراء، فرانك نويرجارد من حزب الشعب الدنماركي، قال إنه شعر بالسخط لأن "لحم الخنزير يمكن التخلي عنه في الدنمارك"، مضيفاً، "إن كان يمكن التخلي عن لحم الخنزير، فماذا بعد؟"

هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

تحميل المزيد