في يوم مولدي.. بين الحزن والسعادة!

سعادة النفس في العطاء.. وكلما وهبنا عطاءاتنا الصادقة لمن حولنا كلما نقشت السعادة في قلوبنا ابتساماتها.. وتلك القدرة الهائلة على الحب للغير ستبقى هالة تزيّن فضاءات الحياة الرحبة وإن ضاقت! ولنكن على يقين دائماً أنه لا شيء يبقى، ولا حتى الحياة ستبقى، وأننا سننتهي وسينتهي كل شيء يربطنا بها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/14 الساعة 06:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/14 الساعة 06:38 بتوقيت غرينتش

لم تنتابني مشاعر الفرح والسرور كما كنت قديماً في يوم مولدي، بقدر ما انتابني مزيج من المشاعر المخلوطة بالقلق والخوف والحزن، فتلك الطفلة الصغيرة لم تعد تنتظر ذكرى ميلادها لتفرح وتشعر أنها كبرت ونضجت وأصبحت أكثر وعياً.. فكانت تلك الذكرى تُثير في نفسي شغفاً للحياة وللانطلاق على جناحيها لأثبت نفسي فيها، وأحقق طموحي وأحلامي التي تبلغ عنان السماء!

وكلما تقدّمت في العُمُر شعرت بنقصان رصيدى -الزمني- في هذه الحياة.. وبدأت أشعر أنني أتجه إلى الموت بسرعة أكبر.. كانت تتجاذبني مشاعر شتّى حين يزورني يوم مولدي كل عام.. وكانت الغصّة تكبر في داخلي كلما رأيت أكواماً من الغفلات وأستصغر الأعمال الطيبة التي أنجزتها، وقلة الأحلام والطموح التي حققتها؛ حيث إن فكرة الوقت يمضي بسرعة البرق وفي لمح البصر دون تحقيق أدنى رغباتي باتت مرعبة ومخيفة إلى حد كبير ، حتى شعرت أنني بحاجة لألف عمر بدل العمر الواحد لمحاسبة نفسي وتحقيق أمنياتي! حيث أصبحت ذكرى مولدي محطة سنوية لجردة حسابية كبرى أقوم بها حتى إذا ما انتهيت عاتبت نفسي -بإشفاق- على إساءاتها وأثنيت عليها -بحب- على ما قدّمته حتى وإن كان نقطة في بحر عميق، رغم أنني أدرك تماماً أن هذا ليس كافياً.. فأنا لم أصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي.

عند وقفتي مع نفسي أرى أمامي شريط حياتي، وتفاصيلها وشؤونها، أرى أناساً قد غادروا ورحلوا، وأصبحوا ذكرى.. وأرى تجارب ومواقف غيَّرت في حياتي بعض المفاهيم والمفردات! فأدركت أن التجارب تعلمني مَن أحب، والمواقف تعلمني مَن يحبني، كما أيقنت أن خلف بعض الوجوه أقنعة، وأن لكل ابتسامة ألف معنى، كما علمتني أن أجعل مسافة مع مَن حولي، فإن لم نتفق على الأقل لا نصطدم، وأن التغافل رحمة، كما أن النسيان نعمة، الحياة لا تؤلمني عبثاً، ولكنها تؤلمنا لأتعلم أبجدياتها، علمتني حجم كل شخص في حياتي! وأن الوضوح الشديد سيئ، وأن الغموض مطلوب أحياناً، وأن خلف كل سكوت عذراً، ولكل حنان قسوة، وأن لا أصدق كثيراً ولا أثق كثيراً؛ لأنني قد أتعب خلف تلك الحقائق!

فكم هي كثيرةٌ الدروس التي نكتسبها من مصاعب تحرقنا.. أو علاقات تمزقنا.. أو تجارب تشلّنا! ولكن الأساس في كل هذا أن نخرج من كل تلك وقد زدنا وعياً في الحياة ورغبة باستثمار كل ما هزّنا يوماً لنحوّله لحِكَمٍ نخطّها على جبين الحياة ونهديها لذواتنا وللآخرين.. نستفيد منها ونرى الحياة من خلالها بشكل أفضل وأسمى! فلا يخدعنا بعدها بريق زائف أو حبل الهوى السريّ الجارف!

واليوم.. وأنا على أعتاب سنة من عمري جديدة.. أقلّب صفحاتٍ طويتها وأفتح باب ذاكرة ختمتها بالشمع الأحمر.. هي مرة كل عام أدخل كهفها.. أنظّف الأوحال.. أرتّب الخزائن وأعود لأغلقها.. وأنشر الحِكَم على جدران الذاكرة الخارجي لأستقي منها ما يليق بالحياة..

فلنستغل كل مرحلة من الحياة لِما هي له، ولا نحرق الأوقات لنصل إلى ما نحن قادمون عليه أصلاً فتفوتنا فرصة الاستمتاع بدرر كل مرحلة.

فلندَع البكاء على ما فات فقد رحل وانقضى.. ولا نقل "لو" فلو عدنا لما أمكننا أن نفعل إلا ما فعلناه.. فيومها لم نكن بالفهم الذي اكتسبناه بعد ذلك، وإن عدنا عدنا لنفس الفِعل!
الأوقات هي الحياة.. فلا نضيّعها بما لا طائل منه.. حتى في الهوايات التي تسعدنا.. فإن كثرتها تقتل الوقت والجهد وتغذي الروح! فلنمارس كل ما نحب فعله.. ولنختلق السعادة في مكنونات النفس.

لماذا نتحامل على من أساء إلينا؟.. فلنترك الزمن يقتص ممّن طعن.. ولا نجعل من قلوبنا مكاناً للحقد والكراهية؛ حيث إن النجاة من هذا الشعور أصعب من الشفاء من ورمٍ سرطانيّ يقتات العمر، وأجمل من الشعور ببلوغ السماء!

الرضا بالقضاء سلوى للنفس، وما منعه الله جل وعلا عنا هو عين الخير.. وكم تمنينا أشياء عرفنا بعدها كم كانت حياتنا ستكون كئيبة لو استجاب الرحمن -جل وعلا- دعاءنا بتحقيقه!
الحياة لم تكن يوماً سهلة.. فلنتسلّح فيها بالإيمان والثبات.. فهي لا تتعدّى كونها دار لعب وغرور.. والكيّس مَن تركها وغرورها للعمل لِما يستحق بعدها!

لا علينا بالانشغال بسفاسف الأمور وصغائرها وعلينا الارتقاء الإيماني مِداد الروح والقلب وبدونه ستكثر السقطات على الطريق.. ولربما فَقَد القلب الوعي وضلّ..

وفي المسير سنجد خيانة وكذباً وادّعاء وطعنات.. من بعيدٍ أو قريب.. فلنعِش بينهم طالما أنه قدرنا.. ولندعُ الله أن يُبعدنا عن القلوب الظالم أهلها.. ويغفر لهم ما اقترفوه في حقنا..
أما السهم المسموم الذي يخترق القلب ممّن أسلمنا له القلب يوماً رغبة وتقرّبا.. فذاك الجرح لا يعالجه حتى الزمن.. ويفور كل وقتٍ وحين.. وحسبنا أننا كنا صادقين وإن خانوا.. وأننا انتهينا من حثالات مفترقات الطرق!

سعادة النفس في العطاء.. وكلما وهبنا عطاءاتنا الصادقة لمن حولنا كلما نقشت السعادة في قلوبنا ابتساماتها.. وتلك القدرة الهائلة على الحب للغير ستبقى هالة تزيّن فضاءات الحياة الرحبة وإن ضاقت! ولنكن على يقين دائماً أنه لا شيء يبقى، ولا حتى الحياة ستبقى، وأننا سننتهي وسينتهي كل شيء يربطنا بها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد