هيا بنا نلعب يا عرب

جفاف علمي وعزوف ثقافي وتراجع تربوي، والأدهى من كل ذلك هو غفلة ولاة أمور بلادنا عما يجري، وسط انعدام لرغبة جادة في السعي نحو التغيير وانتشال مجتمعات من واقع بات يطلق عليه "المريض"؛ بسبب التسرب وهجرة الكفاءات وتراجع البحوث الأكاديمية والانشغال بالفنون الاستعراضية الهابطة

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/26 الساعة 01:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/26 الساعة 01:22 بتوقيت غرينتش

بين أغلبية اختارت الصمت، وأقلية امتهنت الرقص، وأفراد تلاشت صرخاتهم بسبب الكبت، ضاعت أي بارقة أمل في إنقاذ ما تبقى من أمجاد أمة.

شعوبنا العربية انشطرت بين قسمين: تلك التي تعيش لتأكل وأخرى تأكل لتعيش، حتى تعطلت الأدمغة عن العمل، فأصبح جل همّ بعضهم أين يصطاف وكيف يقضي وقتاً من المرح، وآخرين يسعون للنحت في الصخر بحثاً عن قطعة خبز تسد رمقهم وتكتم أنين بطون أطفالهم الخاوية.

أمة اقرأ، ما عادت بقارئة، حتى ذابت وانصهرت واختفت معالمها بعد أن أدمنت اللعب وسط أنغام من الهرج والمرج، ولأننا قومٌ أبينا إلا أن نتبوَّأ المراكز الأولى دوماً، فقد حظينا باحتضان أكبر نسبة أمية في العالم بعد إفريقيا، حيث أكدت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألسكو) أن عدد الأميين في المنطقة العربية، حتى عام 2013 بلغ 97.2 مليون شخص، أي نسبة 27.9 في المائة من مجموع سكان الوطن العربي، وهي إحصائية سبقت الأحداث التي عصفت بمصر والعراق وسوريا وليبيا واليمن والتي لربما تضاعفت بسببها النسبة الأممية، حيث نشأت جيوش من النازحين واللاجئين الذين بات معظمهم منقطعاً عن العالم.

الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والصراعات المسلحة، ليلى زروقي، بدورها أعلنت أن نصيب الدول العربية من عمالة الأطفال هو نحو 12 مليون طفل، 6 ملايين منهم غير ملتحقين بالتعليم الابتدائي و4 ملايين مراهق تقريباً غير ملتحقين بالتعليم الثانوي، فيما أشارت إلى أن عدد الأطفال اللاجئين أو المشردين داخل سوريا وصل إلى 5 ملايين طفل، بينما يوجد 3.5 مليون طفل عراقي لم يعودوا قادرين على الدراسة، مؤكدة أن نسبة 25 في المائة من الأطفال الذين يلتحقون بالمدارس يتخلفون عنها خلال المرحلة الأولى! أي نحن أمام كارثة مستقبلية متمثلة بأجيال لا تقرأ ولا تكتب.

بلادنا العربية التي كانت عامرة بالمكتبات والمطابع والمنتديات الثقافية، استبدلت بالمقاهي ومطاعم الكنتاكي، ففي القاهرة بمصر وحدها يوجد نحو 150 ألف مقهى، وفي مدينة الدار البيضاء بالمغرب يوجد أكثر من 15 ألف أيضاً، يتكدس فيها الشباب العاطل عن العمل. أما في بلدان عربية أخرى، فبات ينطبق عليها القول: "بين مقهى ومقهى يوجد مقهى"!

البطالة، ذاك الوباء الذي بات ينافس الحروب في حصد أرواح العرب، ففي دراسة أعدها باحثون سويسريون نُشرت في صحيفة Lancet Psychiatry، أظهرت أن البطالة تتسبب في نحو 45 ألف حالة انتحار سنوياً بـ63 بلداً من أصل 800 ألف حالة انتحار كلّ عام، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

وبحسب منظمة العمل الدولية، فإن معدلات البطالة بين الشباب في العالم هي 201 مليون شخص، ثلثاهم من العرب، كما ورد ذلك في بحث لرجال المال والأعمال العرب الذين توافدوا إلى مؤتمر Davos الاقتصادي في يناير/كانون الثاني الماضي والذي أكدوا فيه أن عدد العاطلين عن العمل يبلغ نحو 149.5 مليون، أي بنسبة تبلغ 25.1 في المائة من سكان الوطن العربي، ومن ثم فلا غرابة حين تقارب معدلات الانتحار في السودان نسبة قارّة آسيا كاملة.

التشرّد وعدم الاستقرار والمشاكل المالية، والتمييز الطبقي والعنصري في بلداننا العربية، كلها أسباب تؤدي إلى الاكتئاب، الذي بات يسوق الشباب نحو الشعور بعدم الجدوى ومن ثم اللجوء لوضع حدّ لحياتهم بأنفسهم، وهي نتيجة لحالة من اليأس تملكت أجيالاً عدة فقدوا الثقة بكل ما له صلة بإمكانية التغيير، فكان الكتاب أول ضحايا الهجران كنوع من أساليب التمرد، ويكفي أن نطلع على الإحصاءات الخاصة بمعدلات القراءة في الوطن العربي لنشعر بالغثيان، حيث تعطي مؤشراً مأساوياً على حجم التدهور بالواقع الثقافي الذي تمر به دولنا.

ففي استبانة لمؤشر القراءة العربي الذي أجرته "مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم" والذي شمل 148 ألف شخص على مستوى المنطقة العربية، كشف أن متوسط الوقت الذي يقضيه المواطن العربي في القراءة يصل إلى 35 ساعة سنوياً فقط، أي بمعدل لا يتعدى الربع صفحة للفرد كل عام! وبحسب تقرير التنمية البشرية الصادر عن "اليونسكو"، فقد كان كل 80 عربياً يقرأون كتاباً واحداً، بينما كان المواطن الأوروبي يقرأ 35 كتاباً في السنة!

وبحسب "تقرير التنمية الثقافية" الذي أصدرته منظمة "اليونسكو"، فإن عدد كتب الثقافة العامة التي تنشر سنوياً بالعالم العربي لا يتجاوز الـ5000 عنوان، أما في أميركا على سبيل المثال، فيصدر سنوياً نحو 300 ألف كتاب.

جفاف علمي وعزوف ثقافي وتراجع تربوي، والأدهى من كل ذلك هو غفلة ولاة أمور بلادنا عما يجري، وسط انعدام لرغبة جادة في السعي نحو التغيير وانتشال مجتمعات من واقع بات يطلق عليه "المريض"؛ بسبب التسرب وهجرة الكفاءات وتراجع البحوث الأكاديمية والانشغال بالفنون الاستعراضية الهابطة، وهذا ما يدفعنا لاستذكار واقعة تاريخية حول أسباب انهيار الحضارات والتي أوردها "ابن كثير" في كتابه "البداية والنهاية"، حيث قال: "بينما كان الخليفة المستعصم بالله يُمعن النظر في جاريته المفضلة (عُرفة) في خلوة بغرفته، حيث كانت تلاعبه وتُضاحكه، عَبَر سهمٌ (مغولي) الشبكة الحديدية للنافذة، وأصاب الخادمة في غير مقتل فأفسد عليه مجلسه، وارتعب وهو يقول لنفسه: (لم أعتقد أنهم بلغوا هذا الحد!)، ثم أمر بإسدال الستائر، وأكمل ما كان فيه"! وعلى ما يبدو، فإن قادتنا الكرام على خطى المستعصم هم سائرون.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد