في الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني، وفي الذكرى السنوية الخامسة للثورة المصرية في عام 2011، غادر طالب إيطالي يدعى جوليو ريجيني ويبلغ من العمر 28 عاماً شقته في القاهرة للقاء بعض الأصدقاء، ولم يعد إلى منزله قط.
استغرق الأمر حتى الثالث من فبراير/ شباط لتعلن مصر أنها وجدت جثته ملقاة في حفرة على مشارف العاصمة المصرية وعليها آثار تعذيب.
وعلى مدى الشهرين والنصف التاليين، تجادل المسؤولون المصريون والإيطاليون حول سبب وفاته ومصداقية التحقيق الذي أجرته القاهرة، بحسب تقرير نشرته صحيفة "فورين بوليسي" الأميركية.
فشل المحادثات
في البداية، قال مسؤولون مصريون، إنه تعرض لحادث سيارة، ثم بدلوا الرواية وقالوا إنه تعرض لهجوم من عصابة بهدف السرقة، لكن السلطات الإيطالية أصرت على أن وفاته جاءت على أيدي أجهزة الأمن المصرية.
وفي فبراير/ شباط، صرح وزير الخارجية المصري سامح شكري لمجلة فورين بوليسي بالقول إنه من "المزعج حقاً" أن تقترح إيطاليا أن تكون أجهزة الأمن المصرية هي من يقف وراء قتل ريجيني.
وفي هذا الأسبوع، أرسلت إيطاليا وفداً إلى مصر لمحاولة التوصل إلى نتيجة بشأن كيفية المضي قدماً في التحقيق الذي تعطل بسبب عدم رغبة القاهرة تسليم سجلات الهاتف الخاصة بريجيني أو الكشف عن اسم أحد المشتبه بهم في القضية.
المحادثات لم تنتهِ بشكل جيد. فبعد ظهر يوم الجمعة، استدعت روما "ماوريتسيو مساري"، السفير الإيطالي في مصر.
وقالت وزارة الخارجية الإيطالية في بيان صحفي، إن "مساري" سيعود إلى روما لمناقشة كيفية "التأكد من الحقيقة حول القتل الوحشي لجوليو ريجيني".
استدعاء "مساري" هو مجرد أحدث حلقة في سلسلة الأشهر الكارثية القليلة الماضية للعلاقات الخارجية المصرية، ففي سبتمبر/ أيلول، قامت قوات الأمن المصرية عن طريق الخطأ بقصف مجموعة من السياح المكسيكيين، مما أسفر عن مقتل 12 منهم. وبعد أقل من شهرين، تبن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) عملية إسقاط طائرة روسية على شبه جزيرة سيناء، وهو الحادث الذي قتل فيه 224 شخصاً كانوا على متنها.
نزل كالصاعقة على القاهرة
وقال إريك تراغر، الخبير في الشأن المصري والزميل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى لمجلة فورين بوليسي، إن استدعاء "مساري" إلى روما نزل كالصاعقة على القاهرة، لأن الدبلوماسي الإيطالي كان "مروجاً حقيقيًّا للاستثمار في مصر". كما توجد أيضاً شركة إيني الإيطالية، التي تقود اكتشافات الغاز الطبيعي الضخمة بالقرب من الحدود البحرية للقاهرة، وهو أمر حاسم لثروات مصر الاقتصادية.
وأضاف تراغر "بالسماح للأزمة بالخروج عن نطاق السيطرة بهذه الطريقة، فقدت القاهرة أكثر من مجرد سفير لإيطاليا. لقد فقدت صديقاً".
إن استعداد مصر للتضحية بعلاقتها مع حليف دبلوماسي واقتصادي رئيسي مثل إيطاليا، يؤكد مدى انعدام الشعور بالأمن لدى الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر.
فلجوء وزير الدفاع السابق إلى المواجهة علناً أو اتهام الشرطة بتنفيذ عملية القتل الوحشي، حيث قال تراغر "إن الأجهزة الأمنية هي على الأرجح من يقف وراءها"، يعني المخاطرة برد فعل عنيف من جانب رجال الشرطة، الذين سيحتاج إليهم الرئيس للدفاع عنه في حال اندلاع انتفاضة جماهيرية أخرى، فقد وصل السيسي إلى قمة السلطة بعد انقلاب على الرئيس محمد مرسي المنتخب ديمقراطيًّا في عام 2013.
وقد نفى وزير الخارجية المصري مسؤولية الأجهزة الأمنية عن حادثة القتل المروعة في مقابلته مع الفورين بوليسي في وقت سابق من هذا العام. ولم تستجب السفارة المصرية لطلب الحصول على تعليق يوم الجمعة.
حملة قمع في مصر
يتزامن اختفاء ريجيني ونفي السيسي مسؤولية أجهزته الأمنية عن موت الطالب الإيطالي، مع حملة قمع واسعة النطاق داخل مصر على الصحفيين والناشطين الذين يوثقون حوادث الاختفاء والتعذيب، كان ريجيني نفسه كاتباً، قبل مقتله، واستخدم اسماً مستعاراً لنشر قصص عن حقوق العمال المصريين في إحدى الصحف الإيطالية.
وقال تراغر إن مصر حاولت وقتئذٍ إظهار موته على أنه جزءٌ من الانتقادات المتكررة لمصر التي تتعرض لانتقادات من قبل المجتمع الدولي، كما "تتعرض لضغوط من مستوى أعلى"، من البلدان الأخرى، لا سيما في ما يخص حربها ضد الإرهاب.
وقد بدا الزعيم المصري واضحاً عندما اقترح المصريون أنه ليس من الصدفة أن جثة ريجيني ظهرت في نفس الأسبوع الذي يزور فيه وفد من رجال الأعمال الإيطاليين القاهرة.
وأنهى تراغر حديثه بالقول "أحد أطراف الحكومة يقدم إحدى نظريات المؤامرة، والآخر يقدم نظرية أخرى".. قال تراغر "إن مصر دولة استبدادية غير فعالة بالمطلق، لدرجة أنه لا يمكنها أن تسوق نظريات مؤامرة منطقية".
– هذه المادة مترجمة عن مجلة Foreign Policy الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، يرجى الضغط هنا.