هناك فرضية في أدبيات السياسة تقول بأن كل صراع عسكري مرتبط بشكل أو بآخر بوجود استراتيجي مما يفضي إلى مصلحة اقتصادية، فالتدخل الروسي في أوكرانيا وتحديدا في جزيرة القرم انعكاس لهذه الفرضية، بل ما هو أبعد من ذلك فإن الحرب العالمية الأولى والثانية وحادثة بيرل هاربر ١٩٤١ التي دعت الولايات المتحدة لاستخدام القوة النووية حينها للمحافظة على مصالحها، ماهي إلا محاولة لتأمين طرق التجارة الدولية وفرض وجود تحتمه هذه الضرورة.
وتطبيقا لهذه الفرضية فإن مؤشرات الصراع في منطقة الشرق الأوسط -مع تحفظي على هذا المصطلح- تشير بشكل واضح إلى علاقة الاقتصاد بالسياسة وحتمية المواجهة إن دعت الضرورة.
روسيا: دخول روسيا على خط المواجهة في الأزمة السورية يهدف إلى حماية مينائها الوحيد المطل على البحر المتوسط الذي يعتبر الواجهة الوحيدة لموسكو في تلك البقعة من العالم ولتأمين طرق التجارة الدولية خصوصا بعدما شعرت موسكو بأن الاتفاق النووي الإيراني أعطى لطهران مكاسب سياسية ولوجستية في سوريا وكأنما شعر بوتين بأن البساط بدأ يسحب من تحته في سوريا، ولذلك كان لتدخل موسكو ضرورة قصوى في هذا الوقت لتقليص النفوذ الإيراني ولتحجيم الدور الأمريكي في الأزمة السورية، وبالتالي ضمان عدم خسارتها لورقة مهمة في منطقة الشرق الأوسط.
إيران والسعودية: صراع الكبار في المنطقة ومرحلة تكسير العظام. فالسعودية تواجه إيران من خلال النفط وحرب الأسعار الطاحنة، فلا تريد المملكة أن تخسر اقتصادها على المدى المتوسط ولا تريد أن تتأثر التجارة الدولية على حدودها الغربية، ولذلك فهي تخوض حربا على حدودها الجنوبية للسيطرة على باب المندب الذي
ظلت أهميته محدودة حتى افتتاح قناة السويس 1869 وربط البحر الأحمر وما يليه بالبحر المتوسط ومختلف دول العالم .
مصر وباب المندب: ازدادت أهمية ممر باب المندب، مع ازدياد أهمية نفط الخليج العربي، ويسمح مضيق باب المندب لشتى السفن وناقلات النفط بعبور الممر بيسر على محورين متعاكسين ومتباعدين، ويقدر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر من خلاله في الاتجاهين، بأكثر من 21000 قطعة بحرية سنوياً.
وتبقى أهمية باب المندب مرتبطة ببقاء قناة السويس أولا وممر هرمز ثانيا، مفتوحين للملاحة، أمام ناقلات النفط خاصة، وتهديد هذين الممرين أو قناة السويس وحدها يحول السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح، فمشاركة مصر مع التحالف العربي لإعادة الشرعية باليمن لم يأت لولا أنّ لها مصالح اقتصادية مباشرة .
الجزائر وموقفها من السعودية: أبدت الجزائر، خلافا لمعظم الدول العربية، رفضها الشديد للعملية العسكرية "عاصفة الحزم" في اليمن منذ انطلاقها، حيث قال وزير شؤونها الخارجية، رمطان لعمامرة، في أول يوم للحملة الجوية، إن الجزائر لن تشارك في عملية "عاصفة الحزم العسكرية ضد معاقل الحوثيين، مبررا موقف بلاده بأن "الجزائر لديها موقف سياسي وهو أن جيشها يحارب داخل أراضيها فقط" وفقا للدستور، ولكن الحقيقة ليست كذلك. فالجزائر تضررت بشكل كبير اقتصاديا بسبب حرب الأسعار التي تقودها المملكة ضد أعدائها الإقليميين، وهو ما أفضى لهذا الموقف الرافض للحرب، فتضرر الاقتصاد القومي خط أحمر لا يقبل المساس به .
تركيا والثورة السورية: يأتي موقف تركيا من الصراع السوري اقتصاديا أيضا وليس تعاطفا، فلم يستطع حزب العدالة والتنمية الاستمرار في "هيمنته" السياسية المطلقة على السلطة في البلاد، حتى خسرت الليرة التركية ما يقارب 13 في المئة من قيمتها، فالدولار كان يساوي ما قيمته 2.66 ليرة تركية عشية إجراء الانتخابات، وما أن ظهرت النتائج وبدا واضحاً القلق السياسي الذي ستحياه البلاد في الشهور التالية، قفز الدولار مباشرة ليساوي 2.81 ليرة بعد الانتخابات بساعات قليلة.
وبعد أقل من شهر، تصاعد الملفان الكردي والانخراط في مواجهة داعش داخل سورية، حتى ازداد قلق الليرة التركية، لتنخفض مجدداً أمام الدولار، الذي بات يساوي 3 ليرات تقريبا، وهو مستوى لا تزال الليرة تراوح حوله منذئذ.
اسألني أين يوجد توتر سياسي وصراع عسكري أخبرك عن مكمن المصالح الاقتصادية .
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.