مر عام ونصف العام على اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي والذي حصلت مصر بمقتضاه على 12 مليار دولار، بالإضافة إلى شهادة ثقة تدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي الطموح المبنيّ على تنفيذ سياسات غير شعبية، تم الإعلان عنها خلال العام الماضي (2017) على موجات مع كل شريحة جديدة يصرفها الصندوق لمصر.
وبعد عدة موجات من الإصلاحات الاقتصادية، يمكن القول إن هناك تحسناً على مستوى الاقتصاد الكلي، حيث عاودت معدلات النمو في الزيادة، وحدث استقرار بسعر الصرف، وازداد اهتمام صناديق الاستثمار الأجنبية بالسندات المصرية، مما زاد احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي. تلك المؤشرات الإيجابية لا يمكن إنكارها، وبالتأكيد هي تمثل الجانب المشرق.
لكن من ناحية أخرى، كان لهذا البرنامج أثر سلبي على زيادة التضخم بشكل غير مسبوق وزيادة معدلات الفقر. كما أن رفع سعر الفائدة من قِبل البنك المركزي أثَّر سلباً على استثمار القطاع الخاص، الذي يعاني الركود في مجمله باستثناء بعض القطاعات التي استفادت من الإصلاحات مثل التصدير أو التصنيع المحلي البديل عن التصدير. ذلك التباين بين التحسُّن على المستوى الكلي والتردي على المستوى الجزئي الذي يمس حياة الناس سيظل أكبر تحديات برامج الإصلاح الاقتصادي.
هناك زاوية أساسية يجب النظر من خلالها إلى البرنامج؛ وهي زاوية المالية العامة، حيث عمدت الحكومة إلى خفض النفقات المختلفة من دعم ورواتب؛ حتى تُحقِّق فائضاً أولياً قبل احتساب فوائد القروض، التي تضخمت بشدة حتى أصبحت تلتهم جزءاً كبيراً من الموازنة؛ أملاً في خفض سعر الفائدة تدريجياً، سواء على الدَّين المحلي أو الدين الخارجي؛ مما يؤدي إلى تخفيض بند خدمة الدين بشكل عام؛ ومن ثم خفض العجز الكلي. وبالفعل، شرع البنك المركزي في خفض سعر الفائدة، كما أن طرح السندات الدولارية مؤخراً تمت تغطيته بشكل جيد وعلى سعر فائدة منخفض نسبياً. تبدو الأمور جيدة والقطار يسير بثبات نحو وِجهته.
لكنَّ العالم مِن حولنا أبى أن يقف صامتاً، فرفع "الفيدرالي الأميركي" سعر الفائدة مع توقعات بمزيد من الارتفاعات هو ما أثَّر سلباً على تدفُّق استثمارات المَحافظ للدول النامية بشكل عام، ودفع البنوك المركزية لرفع أسعار الفائدة؛ خوفاً من هروب رؤوس الأموال، ولا سيما الأموال الساخنة، التي سريعاً ما تتجول بين الأسواق العالمية بحثاً عن العائد السريع.
ولعل ذلك سيحدُّ من قدرة البنك المركزي على خفض سعر الفائدة مجدداً؛ خوفاً من هروب الأموال الساخنة المستثمرة في السندات الحكومية، كما أن ذلك التطور العالمي سيضع المزيد من الضغط على الجنيه المصري، الذي قد يشهد انخفاضاً في الفترة المقبلة أمام الدولار أسوةً بأغلب العملات العالمية.
تلك التطورات الاقتصادية العالمية حتماً ستُلقي بظلالها على الاقتصاد المصري، الذي سيكون عليه أن يواجه تغيُّرات كبيرة، مثل صعود الدولار عالمياً، وارتفاع أسعار الفائدة، وارتفاع أسعار البترول، وهو ما سيتطلب إصلاحات اقتصادية أكثر قسوةً مما سبق ومما كان مخططاً له.
لكن، لعله من المفيد إدراك أن استثمارات المَحافظ هي أموال ساخنة لا يمكن الاعتماد عليها، وعلينا أن نسعى لجذب استثمارات أجنبية مستدامة، وكذلك تنشيط القطاع الخاص المحلي بشكل فعال ومستدام؛ لتقليل تأثُّرنا بالتغيرات الاقتصادية العالمية، التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.