"الدين ضروري للحكم، لا لخدمة الفضيلة ولكن لتمكين الحكم من السيطرة على الناس"
هذا ما كتبه نيكولو ميكيافيلي في كتابه الشهير "الأمير"، ولسان حاله يقول: لا تسلموا أسماعكم وعقولكم إلى من طالت لحاهم وقصرت ألسنتهم عن قول الحق إذا ما اشتدت وطأة الظلم وانتهك العرض والأرض.
أولئك الدعاة الذين يشهدون سفك الدماء واعتقال الأبرياء فيخطبون في الناس عن حكم نمص الحواجب على المذاهب الأربعة، وتباع أرضهم مقابل الرز فيذكرون شباب الأمة بسقوط الفرائض عن النساء في فترات معينة!
أما إذا ضاق العيش وضاقت معه فسحة الأمل، فلا ملجأ أحسن من الحديث عن نعيم الجنة وعن نهود الحور العين!
منهم من وظفه النظام، ومنهم من خانته جرأته وفصاحته عن قول الحق في وجه سلطان جائر فتصدر الصفوف الأولى في اجترار فقه المرأة؛ بل وبذل كل ما يملك من جهود مباركة في نصرة الدين تحذيراً من فتنة النساء، ذاك الشيطان الأكبر الذي يحتل أعلى نسبة من سكان جهنم.
فمنذ أيام، تناقل رواد وسائل التواصل الاجتماعي درساً لأحد الدعاة يحمل عنوان "'فالصو". مع أن المقطع قديم نسبياً، فإنه حاز نسبة مشاهدة مرتفعة ووُجّه إليه نقد لاذع؛ لما يحتوي من تحقير للمرأة وإهانة لها، خصوصاً أن هذا الكلام قد صدر عن شخص يعتبر مرجعاً لا يُشقُّ له غبار في أمور الدين والدنيا لدى الكثير من الشباب؛ بل إن كلامه يحظى بالقدسية بالنسبة لهم.
بدأ الشيخ درسه بالاستشهاد بحادثة تمكين امرأة لصائغ من نفسها بكل سهولة لقاء عقد ذهبي، ولم يكتفِ بهذا فقط؛ بل قام بتحريض الشباب على تطليق زوجاتهن إذا ذهبن إلى الصائغ وحدهن! كأنه يقول إن المرأة كائن ناقص عقل شهواني يفرط في شرفه ليحقق أطماعه ويجب ألا يُؤتمن، وعلى الرجل تأديبها وتطليقها ثأراً لشرفه إذا ما ذهبت إلى محلات الذهب!
ثم تتواصل الملحمة التي يقصُّها الداعية بقتل المرأة للصائغ بوحشية، تعقبها مقارنة بين نساء الدنيا "'الفالصو'" والحور العين؛ ترغيباً منه للشباب في الآخرة وحثّاً لهم على ترك شهوات الدنيا، ونصحهم بتذكُّر ما ينفّرهم من النساء من قضاء حاجات إنسانية ومن حيض ونفاس إذا وقعت في قلوبهم إحداهن.
لسان حاله يقول إن المرأة نجاسة، بينما الحوريات في الجنة طاهرات لا تشوبهن شائبة من أدران الدنيا، متناسياً أنه لولا تكبُّد النساء عناء العادة الشهرية لما وُجدت الإنسانية ولما رأى هو أو أبناؤه النور. ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام قد نصح من تعجبه امرأة بأن يأتي أهله؛ كي يعفَّ نفسه، ولم يذكر ما ذكره هذا الشيخ.
ولم تنته إهانات الداعية المتلاحقة للنساء عند هذا الحد؛ فقد نصح أحد الإخوة، الذي أسرَّ له بمسألة، طالباً رأيه فيها، ذاكراً اسمه على العلن، بعدم زواجه بفتاة تكمل دراساتها العليا في الجامعة؛ حيث إن اختلاطها بالرجال يحتم مرورها بعدة علاقات عاطفية تقودها إلى المقارنة بينه وبين من عرفت سابقاً! بينما الحورية "عينيها مغمضة، ما شافتش دنيا".
بهذا، تصبح الفتاة الطموحة الطالبة للعلم التي ترتقي بنفسها وبمجتمعها محل شبهة وغير حائزة صفات الزوجة الصالحة. فالمرأة المتعلمة تكون صالحة عندما يرغب الدعاة في تدريس بناتهم، ويتوجهون إليها عندما تمرض أو تحمل أو تلد زوجاتهم، لكنها لا تصلح للزواج وليست محل ثقة.
ومن مظاهر الانقياد الأعمى وراء كلام هذا الشيخ، قيام أحد الحضور بالمسجد بالتصفير، في مشهد يذكِّرنا بجمهور كرة القدم المتعصب لفريقه.
فالأمة اليوم في حاجة ماسّة إلى مراجعة موروثها الديني وإلى خطاب تنويري يرتقي بها، خاصة في ظل تنامي التيارات المتشددة، إضافة إلى الجماعات المقاتلة التي تريق باسم الله ورسوله دماء من يؤمنون بالله ورسوله.
– تم نشر هذه التدوينة في موقع ميم
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.