مقاصل الكتب *

دع القراءة على سجيّتها، دعها تمارس دورها الحقيقي معك، بالتحليق معك إلى السحاب، بالسفر معك إلى الشمس، بالتنزه معك على سطح القمر، بالجلوس معك على ضلع نجمة، بالإسراء معك من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، بالصلاة معك في مصلى قبّة الصخرة، بالتربيت معك على ظهر البراق، بالمعراج معك إلى السماوات العلى.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/06 الساعة 07:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/06 الساعة 07:33 بتوقيت غرينتش

* المقصلة: هي آلة استخدمت في الأصل للإعدام وذلك في فرنسا، إلا أنها طورت بعد ذلك وتستعمل لأغراض مختلفة، منها الصناعية والمكتبية.

وتتكون من شفرة حديدية حادة تسقط من أعلى فتهوي على رقبة الذي يراد إعدامه وتقطع رقبته.

بدايةً أكتب هذا المقال مع الاعتذار الصادق لـ"حنانٍ أطلال" الملهمة الأولى لهذا المقال.

ما أخبار قائمة قراءة الكتب التي وضعتها مع بداية عام 2017؟
هل وصلت إلى ثلاثة أرباعها باعتبار أننا شارفنا على الربع الأخير من السنة؟
أم ما زلت تحاول تقليص قوائم الأعوام الفائتة المتراكمة؟
ماذا عنّي أنا؟

أما أنا فأؤمن بأن القراءة عملية حرة يجب أن لا تُكبّل بقوائم شحيحة سنويًا، ولا أن تُخنق بعدد ضئيل من مشتريات الكتب في كل معرض كتاب أو مكتبة، ولا أن تُسجن في أقفاص المسابقات والتحديات.

عفواً.. هل قلت "قوائم كتب"؟ لا.. لا.. لقد أخطأت.. أنا أقصد "مقاصل كتب"؛ حيث يوضع الكتاب بصورة أفقية على قاعدة المقصلة، ثم تهوي عليه شفرة حديدية حادّة من أعلى، تهوي على طرف الكتاب الذي يربط أوراقه معاً حتى يفك هذا الرباط، بحيث لا يمكن أن تطلق عليه اسم كتاب مجدداً، هذا تماماً ما تفعله قوائم الكتب بالكتب، تعدمها.

جميعنا نعاني من التقييد والمحاسبة والروتين والتدقيق والتوثيق في جميع نواحي حياتنا، علاقاتنا الاجتماعية والأسرية، والوظيفة، والجامعة، وقوانين المرور، وإصدار وثائق السفر، والتسجيل في موقع إلكتروني، وتعيين كلمات المرور، ودفع الفواتير، وسحب مبالغ من الصراف الآلي… لا أعتقد بوجود من يستمتع بهذه القيود، وإن كانت مهمة إلى حد ما وإلا تحولنا دونها إلى عالم الغاب.

ولو أني وضعت القراءة من ضمن القائمة في الأعلى، سأقضي على روح القراءة، سأسلب منها البريق والألق والرونق، هذا السلب أسوأ بمراحل من القضاء على القراءة ككائن كامل، هذا السلب سيدفعك إلى فتح الكتاب ثم إغلاقه مرة أخرى.

هذا السلب سيقضي على شغفك باقتناء الكتب، ستتوقف القراءة عن ممارسة دورها كملجأ وملاذ نهرع إليه كلما اشتدت الخطوب في الواقع، ستمسي القراءة التزاماً من الالتزامات التي تتسبب لنا بالتوتر والقلق والتفكير الدائم عن كيفية ممارستها بأمثل الطرق.

ستفقد القراءة عفويتها وتلقائيتها، والأهم من ذلك كله سيبدأ منسوب الحرية بالانخفاض في نفسك.

القراءة عملية حرة، يجب أن تُمارس متى ما شعرت بالحاجة إلى ذلك.
وأنت تمارس الانتظار، انتظار الإشارة الخضراء، انتظار أن يُفتح النظام في محل عملك لأن "السيستم عطلان/Down"… انتظار الطاولة في مطعم، انتظار موعدك في العيادة، انتظار موعد إقلاع الطائرة، انتظار اللاشيء، متى ما شعرت بالحاجة.. مارس القراءة.

وأنت في غمرة انشغالك بأمرٍ ما، في غمرة انشغالك بتجمع عائلي، في غمرة انشغالك بمهام العمل الروتينية، في غمرة انشغالك بأي شيء، إذا شعرت بالحاجة.. مارس القراءة.

تذكر تلك الأيام التي خصصت فيها ساعة واحدة من اليوم للقراءة، ستهجم عليك لحظات الفراغ في ساعات اليوم المتبقية من حيث لا تحتسب، ستتحسر على ترك كتابتك يقبع في المنزل بانتظار حلول الساعة اليتيمة التي ستقابله فيها.

القراءة عملية حرة، يجب أن تُمارس متى ما شعرت بالحاجة إلى ذلك.
أما فيما يتعلق بالامتناع عن الذهاب إلى معارض الكتاب خوفاً من اقتنائك لكتب إضافية ستنضم بطبيعة الحال إلى "مجموعة الكتب المهجورة" التي لم تشرع في قراءتها بعد، فذاك من وساوس الشيطان، "مجموعة الكتب المهجورة" هذه تكونت لأنك خصصت وقتاً محدداً للقراءة في اليوم؛ لأنك خنقت نفسك بكلتا يديك بقائمة الكتب المحددة هذه التي سببت لك من التوتر كالذي تتسبب به جداول الدراسة في أيام الامتحانات فتؤدي بك إلى التوقف عن الدراسة في نهاية المطاف، وبالقياس على ذلك فإنك قد توقفت عن متابعة هذه القائمة بالمثل.

القراءة عملية حرة، يجب أن تُمارس متى ما شعرت بالحاجة إلى ذلك.
ربما سأُتهم بأني غير منصفة في هذا الأمر؛ لأنني قد قطعت شوطاً طويلاً في عالم القراءة تضاءلت أو انعدمت فيه حاجتي إلى هذه القوائم أو المقاصل التي لم أجربها قطّ .. نعم، ربما كانت هذه القوائم مفيدة للمبتدئين، لكن يجب أن تكون مؤقتة بموعد محدد للتقليل منها بالتدريج ثم الامتناع عنها نهائياً.

الاعتماد الكلي على هذه القوائم سينتج "قرّاء آليين"، أكبر أهدافهم تتمحور حول إنهاء القائمة والبدء في قائمة أخرى، ولو سألتهم عن محتوى ما قرأوه لأجابوك كفافاً، تخيّل أن تنهي هذه القائمة مثلاً في شهر أغسطس/آب خلال فترة إجازتك السنوية أو الصيفية، ثم تمتنع عن القراءة نهائياً لمدة أربعة أشهر حتى حلول السنة القادمة.. حسناً ربما أكون قد بالغت قليلاً، لكن هذه هي الصورة الخارجية لمن يستمتعون باعتقال الكتب في سجون القوائم.

بقي أمر واحد، إذا عزمت الأمر على إطلاق سراح هذه الكتب المظلومة، قبل تنفيذ قرار الإفراج عليك بتسديد ديونك وفرز "مجموعة الكتب المهجورة" لديك حتى تتحرر من وزرها الذي أنقض ظهرك، تيقن من أن هناك بعض الكتب التي لو قبعت في مكتبك لمدة 100 عام قادم لن تُقرأ؛ لذا عليك تحديد ما ستفعله بها، إما أن تظل قابعة هكذا كقطعة "ديكور" وعليك أن تقبل بذلك أو أن تتخلص منها بتغليفها بشكل جميل وإهدائها لمن شئت.

أخيراً حانت لحظة الإفراج..
مزّق هذه القوائم.. اقرأ ما شئت، قم بإلغاء الساعة المحددة في اليوم للقراءة، اقرأ متى شئت، اذهب إلى أي معرض كتاب دون قائمة، اشتر الذي شئت.

مرحباً بك، ها قد خطت أقدامك داخل رياض الحرية، ومبارك أيضاً على ارتفاع منسوب الحرية في نفسك.

دعني أسألك الآن مرة أخرى: كيف حال معصميك من غير قيود؟ كيف حال ظهرك دون أوزار؟ كيف حال رجليك دون سلاسل؟ هل شعرت الآن بأنك أكبر من تلك القوائم المحددة والساعات الشحيحة؟

دع القراءة على سجيّتها، دعها تمارس دورها الحقيقي معك، بالتحليق معك إلى السحاب، بالسفر معك إلى الشمس، بالتنزه معك على سطح القمر، بالجلوس معك على ضلع نجمة، بالإسراء معك من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، بالصلاة معك في مصلى قبّة الصخرة، بالتربيت معك على ظهر البراق، بالمعراج معك إلى السماوات العلى.

حرّر نفسك بالقراءة ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد