“الكمبيوترز الغربيون” أول من ساهم في سباق ناسا الفضائي.. كيف نسي التاريخ النساء السود؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/06 الساعة 05:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/06 الساعة 05:42 بتوقيت غرينتش

في أربعينيات القرن الماضي كانت مجموعة من العالمات هن أنفسهن الكمبيوتر البشري خلف أكبر تقدم في تاريخ الطيران. "أرقام مخفية".. كتاب وفيلم سيصدران قريباً ويحكيان قصتهن المميزة غير المعروفة.

كانت مارجو لي شيتيرلي التي نشأت في هامبتون بفيرجينيا مُحاطة بعالمات ورياضيات رائعات، وقد عملن – مثل والدها – لدى ناسا.

تقول-بحسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية: "كنت أراهن في كل مكان بمنظمات المجتمع أو بالكنيسة، أو كنت أمر بهن في محل البقالة – كن صديقات والديّ". لذا لم يبد لها أي شيء غير عادي أن يكون داخل مجتمعها الكثير من النساء اللاتي عملن فترة طويلة في لانغلي – لدى "سي آي إيه" – أو في مركز أبحاث ناسا، وأن الكثير منهن كن نساء سوداً. كان زوجها هو من أشار لهذه النقطة عندما كانوا في رحلة لزيارة والديّ شيترلي.

في عام 1940 – كما تُشير في كتابها "أرقام مخفية" – حصلت 2% فقط من النساء السود على شهادات جامعية وأكثر من نصفهن أصبحن معلمات. ولكن عدداً قليلاً منهن تحدى كل التوقعات والعقبات وانضممن لناسا (Naca) (اللجنة الوطنية الاستشارية لللملاحة الجوية، التي ستصبح ناسا (Nasa) فيما بعد). ارتكزت أكبر التطورات في الطيران على عملهن هناك، وكان هذا خلال بعض أكثر اللحظات الحاسمة في القرن 20 – الحرب العالمية الثانية، الحرب الباردة، سباق الفضاء، حركة الحقوق المدنية، والاعتماد على الحوسبة الإلكترونية.

تم الإقرار بفضل بعض هذا الجيل من العالمات السود – ومُنحت كاثرين جونسون في عام 2015 أعلى تكريم مدني في الولايات المتحدة، الميدالية الرئاسية للحرية، جراء عملها الذي شمل إجراء عمليات حسابية ساعدت في الهبوط على سطح القمر. حقيقة أنه كان هناك فريق متخصص مكوّن من النساء فقط، وكلهن سود البشرة من عالمات الرياضيات هو أمر غير معلوم بشكل كبير.

تقول شيتيرلي: "لفترة طويلة، لم يكن مسموحاً للأميركيين من أصل إفريقي بالقراءة والكتابة". وتتابع: "لقد نسينا لكن هذا لم يكن منذ زمن بعيد. مُنعت النساء من الدراسة في العديد من الكليات. إذا لم تكن قادراً على القراءة والكتابة فلن تكون قادراً على قص قصتك الخاصة. لم تكن هناك كتلة مهمة من النساء، من الأقليات – أياً كانت – وأعتقد أن هذا شيء يتغير الآن".

يروي كتاب شيتيرلي قصة كيفية قيام مجموعة من النساء الأميركيات من أصول إفريقية بتجاوز العنصرية والتمييز على أساس الجنس والشروع في بعض الأعمال العلمية الأكثر أهمية في العالم في ذلك الوقت.

حُولت القصة إلى فيلم من بطولة أوكتافيا سبنسر، وترجي بي هنسون، وجانيل موناي. يقوم هنسون بلعب دور عالم الرياضيات الرائع جونسون. وكان جونسون الحقيقي – في التسعين من العمر الآن – هو من أخبر شيتيرلي لأول مرة عن دوروثي فوغان (تقوم بدورها سبنسر).

وفي عام 1943، لحقت فوغانن التي جلست في قسم "الملونين" بحافلتها لتذهب لأول يوم عمل لها في لانغلي كـ"كمبيوتر" – وهو الشخص الذي يقوم بالحسابات ويراجع الأرقام من أجل المهندسين الذين يُطورون تقنيات الطيران. كانت طالبة موهوبة بالرياضيات، وأصبحت مُعلمة. وبحلول وقت تقديمها في "لانغلي" كانت متزوجة ولديها 4 أطفال.

انضمت فوغان لمجموعة صغيرة من النساء السود المتخصصات في الرياضيات أيضاً، وهي المجموعة التي ستُعرف فيما بعد باسم "الكمبيوترز الغربية"، لفصلهن عن نظرائهن البيض. كان الأمر نفسه كما في أي مكان آخر: منعوا الموظفين السود عن دورات المياه الخاصة بالموظفين البيض، وكانت هناك لافتة في المطعم الخاص بالمكان موضوعة على إحدى الطاولات ومكتوب عليها "الكمبيوترز الملوّنون".

تقول لي شيتيرلي: "يبدو هذا الأمر اليوم غير وارد على الإطلاق، لكن قديماً في ذلك الوقت كان هذا طبيعياً جداً". وتتابع: "في كل جانب من جوانب حياتهن، كان على هؤلاء النسوة مواجهة التفرقة التي ملأت حيواتهن. وعليه فقد كان من المنطقي تماماً في هذا السياق أن تتحكم أيضاً في حياتهن في العمل، وعلى الرغم من ذلك فمن الواضح أن الناس لم تتوقف عن محاولة إيجاد وسيلة لكسر تلك القيود". استمرت النسوة في إزالة اللافتة من على الطاولة، ولكن كان يتم إعادتها دائماً. حتى يوم ما؛ لم تعد هناك.

كان من الصعب على الكمبيوترز الغربيين تجاوز دورهن والحصول على ترقيات إلى مناصب أخرى في المؤسسة، مثل العمل مباشرة لصالح فريق هندسي، خلافاً لمتخصصي الرياضيات البيض. أما بالنسبة لدور الإدارة فأعلى ما يمكن أن تصل إليه امرأة سوداء في ذلك الوقت كان رئاسة مكتب "الكمبيوترز الغربيين". في عام 1951 أصبحت فوغان رئيسة الوحدة، لتُصبح أول مُديرة سوداء في "لانغلي".

ومثل فوغان، عملت ماري جاكسون في التدريس أولاً، إذ كان معها شهادة في الرياضيات والفيزياء، لكنها عملت سكرتيرة بعد عودتها لهامبتون مسقط رأسها. وغادرت حين أصبحت أماً. وبعد عدة سنوات أصبحت سكرتيرة عسكرية، لكن في عام 1951، تلقت عرضاً من "لانغلي" للعمل كحاسوب. وبعد عامين، كانت ماري تعمل مع فريق هندسي لتطوير أنفاق الضغط فوق الصوتي، حيث تُختبر النماذج. وبعد ذلك بقليل، كانت تتدرب لتصبح مهندسة، بعدما اضطرت لطلب إذن خاص، حين بدأت في حضور الدروس في مدرسة للبيض فقط.

وفي الوقت نفسه الذي بدأت فيه جونسون في "لانغلي"، انضمت مدرسة سابقة أخرى، بدأت كحاسوب قبل أن تنضم إلى قسم أبحاث دفع الطيران. كانت ذكية وواثقة، رفضت استخدام الحمامات "الملونة"، وباستخدام قوة الإرادة، شاركت في الاجتماعات التي مُنعت منها، وتقدمت في العمل.

تقريرها البحثي الأول، عن الطيران المداري، كان التقرير الأول في قسم أبحاث الطيران الذي تكتبه امرأة. حسبت مسارات أولى رحلات ناسا الفضائية البشرية، وكان عملها حاسماً في هبوط أبوللو على القمر. أما جونسون (98 عاماً الآن) فأمضت عقوداً من إلقاء المحاضرات وزيارة المدارس بعد تقاعدها.

وقالت لي شيترلي: "لم يتوقفن عن البحث عن طرق، صغيرة أو كبيرة، لزيادة مساحتهن ومساحة من يأتين بعدهن. أظن أن كل هؤلاء النساء امتلكن إحساساً عظيماً بأن نجاحهن في هذه الوظائف سيزيد من فرص توظيف امرأة سوداء أخرى، والنظر إليها باعتبارها قادرة على إتمام هذا العمل. تلك هي المسؤولية التي شعرن بها".

وقعت كريستين داردن في حب الهندسة في المرحلة الثانوية، لكن والدها أصر على أن تتدرب كمعلمة بعدما حصلت على درجة الماجستير في الرياضيات التطبيقية. "لم تكن الوظائف متوافرة للنساء السود في ذلك الوقت، تخرجت في المدرسة الثانوية عام 1958، وكانت الوظائف المتاحة حينها هي التدريس والتمريض والسكرتارية". لكنها حصلت على المزيد من دورات التفاضل والتكامل المتقدم ونظرية الأعداد، وانضمت إلى لانغلي كحاسوب.

عملت في هذه الوظيفة لعدد من السنوات، على الرغم من عدم رضاها عنها. ورغبت في أن تصبح مهندسة، ورأت الرجال يرتقون في المناصب من حولها. واجهت داردن رئيس القسم، وسألته لِمَ تجري ترقية الرجال المساوين لها تعليماً وخبرة، أو الأقل أحياناً، بينما لا تتم ترقيتها. تتذكر داردن إجابته "قال إن النساء لم يشتكين من هذا من قبل". كان هناك اعتقاد سائد بأن النساء سيتخلين عن العمل حين يكون لهن أطفال. "ستجد أن هذا لم يكن حقيقياً في معظم الأحوال، استمر الكثير من النساء السود في العمل".

وتابعت داردن قضيتها وتمت ترقيتها بالفعل للفريق الهندسي، حيث بدأت مسارها الوظيفي في مجال أبحاث الدويّ الصوتي. كما حصلت لاحقاً على درجة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية، لكن عملها المبكر وضع بعضاً من أساسيات تقنية خفض الدويّ الصوتي. كما أصبحت داردن إحدى رائدات هذا المجال خلال مسيرتها المهنية التي امتدت لأربعين عاماً في "ناسا".

بدأت وظيفتها في "ناسا" في تجميع الحواسيب عام 1967 (كانت قد دُمجت حينها)، وعرفت العديد من النساء اللائي كن جزءاً من أجهزة الحاسوب في الغرب. "عرفت أنني أقف على أكتافهن، وأن بإمكاني القيام ببعض الأمور بسبب ما قمن به"، وتابعت داردن قائلة: "وأحب أن أفكر أن بعض الشابات ربما وقفن على أكتافي أيضاً".

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.

علامات:
تحميل المزيد