في خضم رحلات استكشاف الفضاء والبحث الحثيث عن حياة في كواكب أخرى، يطرح الإنسان فرضية انتقال مخلفات أرضية سواء معدنية أو حتى بكتيرية إلى تلك الكواكب التي تم استكشافها، وتحطيم المسبارات (السفينة الفضائية الآلية) على أراضيها. فهل يحق لنا تلويثها؟
في 15 سبتمبر/أيلول المقبل، تنهي المركبة الفضائية كاسيني مهمتها الفضائية، بعد 20 عاماً من الغوص في الغلاف الجوي لكوكب زحل. وبالإضافة إلى نجاحها في جمع معلومات هامة، إلا أنها كانت مبرمجة لتقدم على "انتحار مبرمج" تنفيذاً لـ"بروتوكولات حماية الكوكب".
إذ يقضي البروتوكول بتقليل خطر إيداع ميكروبات أرضية على أكوان غريبة، لاحتمالية وجود ظروف مناسبة للحياة (على سبيل المثال القمر الصناعي إنسيلادوس، المتواجد على زحل).
وينتظر نفس المصير المسبار الفضائي جونو-Juno، الذي سيرسل لاستكشاف كوكب المشتري، في شهر فبراير/شباط عام 2018. أما المكوك "غاليليو"، فأنهى مهمته العام 2003 بـ"الانتحار المبرمج" في الغلاف الجوي لكوكب المشتري، بعد رحلة استمرت 14 عاماً.
فهل يمكن عدم تلويث بقية الكواكب بالبكتيريا المسافرة على متن الرحلات الاستكشافية على بعد ملايين الأميال؟ تشير مجلة Focus الإيطالية في تقرير لها إلى صعوبة تحقيق هذا الهدف لعدة أسباب، ومنها:
1- الحذر
لا بد من التعامل بحذر مع هذا الأمر على الأقل لسببين: السبب الأول وهو الأكثر عملية، أننا لا نريد يوماً ما، إذا وجدنا آثاراً للحياة خارج الأرض، أن نجلبها معنا إلى كوكب الأرض.
والسبب الثاني أخلاقي، لأنه لا يحق لنا أن نلوث نظماً بيئية أخرى بالميكروبات الأرضية.
2- المدينة الفاضلة
لا يمكن تصور إرسال أي مسبار خالٍ من المخلوقات الميكروسكوبية، حتى لو استخدمنا وسائل تعقيم بالحرارة والإشعاع أو البلازما، تبقى بعض أشكال البكتيريا المقاومة عالقة.
3- صعوبة الموت
كشفت دراسات المحطة الفضائية الدولية، أن بعض البكتيريا الأرضية يمكن أن تعيش خارج المسبار الفضائي في الرحلة إلى كوكب المريخ مثلاً. وبمجرد وصول هذه البكتيريا إلى مناخ المريخ الحار، قد يتطور الأمر، ويصبح أكثر تعقيداً.
4- ظروف محتمة
يعني وصول البشر إلى الكواكب الأخرى اصطحاب مليارات البكتيريا التي تستعمر بشرتنا، وتلك الموجودة في فضلاتنا، كما سنحاول أن ندخل بعض المحاصيل الزراعية لنتمكن من البقاء على قيد الحياة.
ورغم كل الاحتياطات، سنترك أيضاً النفايات الصلبة، لأن إعادتها إلى الأرض أمر مستحيل لوجستياً، وقد يموت شخص ما هناك، كل هذه العوامل تعني تلويث أكوانٍ أخرى بمخلوقات أرضية.
كسر القواعد
بدورها تقرُّ لجنة أبحاث الفضاء (COSPAR)، أنه في حال إرسال بعثة مأهولة إلى المريخ، فلا بد من كسر بعض القواعد.
ولكن إذا أردنا تغيير وجهة الاستكشاف، فلا بد أولاً من أن نحسب المخاطرة، وذلك لأن المريخ والأرض أصلاً يقتربان بما فيه الكفاية، حتى يلوثا بعضهما البعض دون تدخل بشري، عن طريق النيازك.
أما الكواكب الأخرى فاحتمالات مجهولة، قد تؤدي لنتائج لا تُحمد عقباها.