هل جاء دور المتطرفين؟!

وبالفعل استمرت جهود (حروب) القضاء على الإرهاب كل هذه السنوات الماضية، وفق تعريفات وأطر حدّدتها وفصّلتها القواميس الأميركية، واستخدمتها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً لتنفيذ أغراض ليست في حقيقتها استئصال الإرهاب بقدْر ما هي عبارة عن فرض سيطرة واحتلال واغتصاب ثروات ومقدرات دول إسلامية بعينها، على غرار ما فعلته الحملات الصليبية بالسابق.

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/25 الساعة 06:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/25 الساعة 06:40 بتوقيت غرينتش

الحرب على الإرهاب بدأت عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001؛ حيث أعلنها الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، وذكر بكل وضوح "هذه الحملة الصليبية..هذه الحرب على الإرهاب ستستغرق فترة من الوقت". وبالفعل تحت مسمى محاربة الإرهاب تم إسقاط أنظمة حكم، وتدمير دول، وقتل وتشريد مئات الآلاف تحت هذه (اليافطة) الفضفاضة التي قصرت الإرهاب على المسلمين، وتفنّنت في تمليص غير المسلمين من قائمة الإرهابيين؛ لتبقى حصرية عليهم دون سواهم.

وبالفعل استمرت جهود (حروب) القضاء على الإرهاب كل هذه السنوات الماضية، وفق تعريفات وأطر حدّدتها وفصّلتها القواميس الأميركية، واستخدمتها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً لتنفيذ أغراض ليست في حقيقتها استئصال الإرهاب بقدْر ما هي عبارة عن فرض سيطرة واحتلال واغتصاب ثروات ومقدرات دول إسلامية بعينها، على غرار ما فعلته الحملات الصليبية بالسابق.

الأهداف المعلنة لا تظهر بوضوح تام أن من أظهر مصطلح (الإرهاب) ونشره إنما هو يعني بديلاً وتمويهاً عن كلمة (الإسلام)، حتى ما أعلنه الرئيس بوش عام 2011 بأنها حرب صليبية، اعتذر لاحقاً مكتبه عنها، لكن اتضح الآن أنها كانت حرباً على الإسلام لا تحتاج إلى شرح أو كثير بيان.

غير أنه على ما يبدو، فإن هذا المصطلح (الإرهاب) قد أدّى دوره وخفَت نجمه، وحقق هدفه، وانتهى مشهده المسرحي، خاصة بعدما بدأت تتكشف للعالم بعض خيوط التآمر في صناعة تنظيمات إرهابية ودعمها وتمويلها، مثل (القاعدة) و(داعش)، وتسرّبت بعض الاعترافات والشهادات من ساسة وأجهزة مخابرات حول أدوار مشبوهة في تأسيس وتسيير مثل تلك التنظيمات، وذلك بصورة لم يعد مجدياً معها الإبقاء على استخدام ذات مصطلح (الإرهاب) في حربهم.

ولذلك حان الآن استخدام لفظ آخر، هو (التطرّف)؛ الإعلان عن المصطلح الجديد جاء هذه المرة في حفل تنصيب الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، الذي أقيم نهاية الأسبوع الماضي؛ حيث أعلن أنه سيقضي على (التطرّف الإسلامي)، هكذا باللفظ المحدد، دون أية مواربة؛ إذ حصر ماهية هذا التطرّف الذي سيحاربه، ونتمنى ألّا يخرج علينا أحد من مكتبه، يعتذر أو يعدّل و(يرقّع) مثلما فعل مكتب الرئيس بوش عام 2001م بعد إعلانه الحرب على الإرهاب بأنها حرب صليبية.

أي أن المرحلة الأميركية الجديدة ليست معنية بمواجهة التطرّف بمفهومه العام، أينما وُجد، وإنما ستقصره على الإسلام، بالضبط مثلما قصرت عليه الإرهاب، بمعنى آخر أن هذه المرحلة قد لا تحارب ممارسات العنف وحمل السلاح واستخدامه كما في السابق، لكنها ستحارب هذه المرّة الفكر والعقيدة، ستناهض القناعات والسلوكيات، ستضع تعريفات في قواميسها لما تعنيه من التطرف الإسلامي، سوف تتدخل في الحلال والحرام، قد تفصّل لنا ما هو تطرّف وما هو ليس من التطرّف، ومن يدري، ربما تُظهر لنا إسلاماً جديداً وفق مقاييسها يكون هو ما ينبغي اتباعه لمن يريد الخروج من دائرة الاتهام بـ"التطرف الإسلامي".

وستجد حملة المرحلة الجديدة -للأسف الشديد- أقواماً وأتباعاً من المنهزمين في بلداننا العربية والإسلامية يسوّقون للمصطلح الجديد ويروّجون لمحاربته ومناهضته، ويشغلون (ماكينتهم) دعماً ونصرة لحرب القضاء على التطرف الإسلامي!

ومن المتوقع أن تكون بلاد الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية، وجهة الأميركان ومحطتهم القادمة في حربهم بالمصطلح الجديد، وندعو المولى -عز وجل- أن يحفظها من كل سوء، وأن يحبط كيدهم ومكرهم.

سانحة:
يظن البعض أن إدارة الدولة في أميركا والبلدان الغربية تقوم على حكم الفرد، تتغير سياستهم مع تبدّله، والواقع أن هذه الدول تحكمها مؤسسات وبرلمانات، وتدعمها مراكز أبحاث ومعلومات وتساعدها أجهزة رصد واستخبارات وتعينها أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني، هي جميعها من يصنع القرار، ويرسم السياسة هناك، وبالتالي من الصفاقة التصديق بغير ذلك فيما يتعلّق برئاسة دونالد ترامب.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد