أمام السوريين عشراتٌ من السنين العجاف إن بقي بشار أو بعضٌ منه

وما يخص إيران وروسيا يحتاج مقالًا منفصلاً مركَّزاً، لأن فيه تفاصيل كثيرة وأطماعاً لا محدودة، وكل برقع مذهبي أو سياسي تضعه إيران وروسيا يكمن خلفه لعاب يسيل وشهوة طمع مادي كبيرة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/10 الساعة 05:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/10 الساعة 05:15 بتوقيت غرينتش

"حرامية.. حرامية".. هتاف صارخ يعتبره البعض أول هتاف حاشد مناهض لنظام بشار الأسد في شباط/فبراير من عام 2011 في حادثة سوق الحريقة بدمشق، عندما هتف المئات في وجه رجال الشرطة ووزير الداخلية الذي انطلق مسرعاً إلى مكان الحادثة وأطلق أول وعد لم يُنفذ للنظام لمحاسبة المتجاوزين على حرية المواطنين..
ولخّص هذا الهتاف نظرة الشعب للنظام الذي يحكمه منذ أكثر من أربعين سنة.. فكل ممارسات الاستبداد والفساد صبّت أو اقترنت بالمال الحرام في سوريا.. ونفس هذا الهتاف يصلح لتلخيص الرؤية النافذة لمستقبل سوريا، إن بقي بشار الأسد في السلطة أو بعضٌ منه..
وستؤدي كل التسويات الجزئية غير الجذرية إلى استمرار وازدياد الأطماع القديمة التي لا تشبع مع دخول مصالح طامحة طامعة جديدة لأطراف خارجية أخرى هيمنت وسادت في سوريا اليوم.
إذا أردنا أن نرى البداية الاقتصادية لسوريا المستقبل، معتمدين على أحدث دراسة محايدة صدرت منذ أسابيع أجراها مركز "فرونتيير إيكونوميكس" الأسترالي للاستشارات وذكر أن الخسائر الاقتصادية للحرب في سوريا تقدر بنحو 689 مليار دولار، إذا توقف القتال هذا العام، وأنها قد تصل إلى 1.3 تريليون دولار، إذا استمرت الحرب حتى عام 2020.
وذكرت الدراسة أن هذه الخسائر أكبر 140 مرة من تقديرات الأمم المتحدة والدول المانحة.
إن توقف القتال هذا العام ووصلت المفاوضات مع النظام إلى بقاء بشار الأسد أو بعض منه، فستكون الأمور في سوريا بعد هذا التقدير الرقمي الهائل في حجم الخسائر والخراب، في تدهور اقتصادي كارثي مستمر بلا حدود.
الدمار الهائل الذي طال كل شيء والفساد وصعوبة توفير المبالغ الهائلة لإعادة الإعمار، والأطماع الخارجية من إيران وروسيا وذئاب أخرى وأسباب أخرى كثيرة، ستؤدي إلى عشرات السنين العجاف أمام السوريين إن بقي بشار في السلطة أو بعض منه.. وستكون هناك أسباب محلية ومسببون محليون يشكلون فئة واسعة من الشبيحة بشهية جديدة أكثر شراهة وشراسة ونهماً سيقودهم النظام ليفعِّلوا تلك الأسباب.. أسباب التدهور الاقتصادي المستمر والتهاوي المعاشي والخدمي إلى نحو غير مسبوق وبلا نهاية وبلا حدود.
محليًّا سيكون هناك قرابة الثلاثة ملايين من السوريين تحت الرعاية الخاصة الفائقة من نظام الحكم الذي لا بد أن يكافئ ذوي القتلى الذين قُتلوا وهم يدافعون عن زواله من آباء وأبناء وأزواج، ولا بد أن يكافئ المعوّقين والجرحى، ولا بد أن يكافئ قبلهم الذين استمروا ويستمرون في الدفاع عنه من العسكريين والمدنيين والحزبيين هم وعائلاتهم وطوائفهم ومن لفّ لفّهم..
وبشار الأسد لا ينتظر انتهاء الحرب لإصدار مراسيم وقوانين تنص على مكافآتهم، وتعديل مراسيم قديمة لزيادة مخصصاتهم، بل يسارع كل حين ليُطمئن ويُغري وليدعم استمرار القتال والتطوع.
وقد توسع بشار في تعريف المستفيدين من القانون حتى وصل إلى الذين ماتوا بالسكتة القلبية لسماعهم نعيَ قريبٍ لهم قُتل في الحرب.. وجعلهم كلهم "شهداء" مشمولين..
وجعل بالقانون رواتبهم التقاعدية بالدرجة التي تعلو درجتهم الوظيفية، وإن لم يكن موظفاً فكمثيله من الموظفين، وفي المادة السابعة نص لهم القانون بدار سكن لذوي القتلى لمن لا يملك داراً.. وسيجتهد الجميع طبعاً أن يثبت أنه لا يملك داراً للسكن.
وكان بشار الأسد قد أصدر نهاية العام الماضي قانوناً بحجز 50% من الشواغر المراد ملؤها بموجب المسابقات والاختبارات لذوي الشهداء، حيث يشمل أيضاً قتلى المجموعات المقاتلة "بإمرة" الجيش النظامي "الشبيحة" بعد اعتبارهم شهداء.
وصدرت الأوامر لكل الجامعات بتخصيص مفاضلات خاصة بأبناء وأشقاء وأزواج القتلى والمصابين بالعجز؛ لتكون لهم مقاعد خاصة على رغباتهم في الجامعات، وليصلوا بعدها إلى الوظائف المحجوزة لهم أصلاً بنص القانون.
وأصدر بشار مرسوماً آخر يمنح بطاقات شرف لذوي القتلى، وتحت الدراسة أن يعممها لكل من سانده، وبطاقات الشرف هذه تتيح لحاملها وذويه العلاج المجاني في كل المشافي العامة والمختلطة، بما يتبع ذلك من عمليات وأدوية وأجهزة علاجية، وقد تصل الرعاية إلى سفرات علاجية للخارج على نفقة الدولة..
وبطاقات الشرف بنص القانون تعطي أصحابها حق استخدام كل وسائل النقل البري والبحري والجوي بنسبة تخفيض تبدأ من 50 بالمئة.. وامتيازات أخرى كثيرة قد تُضاف أو يضيفها أصحابها بسيف بطاقة الشرف هذه التي ستكون عنوان موالاة وهوية نفوذ هائل.
وستكون في المستقبل القريب لحاملي بطاقات الشرف أو هويات الانتساب، الأولوية في كل شيء مدر مربح من: العطاءات والمناقصات والمزايدات، وفي التسجيل على كل ما هو مدعوم من الدولة من سلع معمرة أو مركبات أو ماكينات وآلات زراعية وصناعية، وكذلك موافقات الاستيراد والتصدير، وموافقات البناء وإنشاء المصانع والمزارع.. وسيكون هناك توزيع حصري معدّ ومدروس لقطع الأراضي الزراعية والسكنية.
وقد أصدرت المصارف السورية تعليمات عديدة لمنح القروض وتسهيل تملُّك الأسهم والسندات بالدفع الآجل المريح.
وصدرت إعفاءات خاصة من رسوم الجمارك للموالين بذرائع شتى مرتبطة "بالأزمة" خلال السنوات الخمس الماضية، وستكون هناك مراسيم قادمة تجعل هذه الإعفاءات رسمية شاملة لكل من ساند النظام.

وخارج كل ذلك تتسابق الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة والمختلطة لتقديم التسهيلات والدعم والامتيازات بقرارات خاصة داخل إطار الوزارة أو المؤسسة، انسجاماً مع توجهات الدولة والقائد، ويُعلن كل حين عن مشاريع كبيرة ومتوسطة وصغيرة بميزانيات ضخمة؛ لتوفير وظائف وخدمات للموالين المضحين، ولم يخلُ أسبوع ولن يخلوَ يوم واحد من إعلان عن احتفال تكريمي سخي لذوي القتلى والجرحى في وزارة أو دائرة أو مؤسسة.
وإذا قسنا على مؤسسة "السيرياتل" التي أعلنت خلال سنة واحدة 2015 عن توظيف وتخصيص منح مادية وتدريبية وأسهم شراكة ونفقات زواج لأكثر من عشرة آلاف مستفيد كلهم من المضحين في سبيل بقاء النظام، وإذا جزمنا أن كل المؤسسات الأخرى ستحذو حذوها رغبةً أو رهبةً، فستبلغ الميزانيات في ذلك مليارات الليرات التي ستُستخلص بشكل أو بآخر من حصة المواطن السوري العادي.
وقد نشأت أكثر من عشر جمعيات مرخصة إلى الآن، وستتكاثر بلا شك في المستقبل القريب؛ لتقديم الدعم المادي والعيني والتسهيلات للذين ضحوا ويضحون في سبيل النظام.
وسيتبرع كل ذي مال يريد حماية ماله وحماية وجوده بمبالغ شهرية أو موسمية بما يشبه "الخوّة" المفروضة، وهذا يحدث الآن خاصة من فنانين ومشاهير يريدون إثبات صدق ولائهم، كما فعل الممثل باسم ياخور وغيره مؤخراً.
وكل تلك المغانم والمميزات تترافق مع مكاسب وامتيازات اعتبارية ومعنوية كثيرة عديدة مع تغطية إعلامية مكثفة تجعلها مكاسب شرف وبطولة.. بطولة الذين قَتلوا واغتصبوا وشرّدوا وسرقوا حرية شعب عظيم عريق.
وتتابع تنفيذ كل ذلك وتدرس اقتراح المزيد مكاتب مختصة، أهمها مكتب شؤون الشهداء في وزارة الدفاع، ومكاتب مشابهة تخصصت في كل الوزارات والمؤسسات الضخمة فيها أرشيف لكل الموالين المضحين في سبيل النظام، وأرشيف آخر هائل ضخم سري وعلني فيه أسماء لملايين وملايين من الثوار والناشطين والمعارضين مع أسماء أقربائهم حتى الدرجة الثالثة ليُبعَدوا ويُشطَبوا ويُستَثنوا من كل فائدة أو امتياز أو حقوق.
هذا هو الشأن المحلي الداخلي الذي سيجعل السنوات القادمة عجافاً إن بقي بشار أو جزء منه، ويُضاف إليه ما دخل إليه من إيران وأحزاب إيران وسيزيد عليه أيضاً ما يخص روسيا وأطماعها..
في سوريا تطوّر الفساد الإداري والاقتصادي بشكل متدرج عبر أكثر من أربعين سنة، ووصل إلى فساد منظم واضح، وله تنظيم هرمي واحد واضح وحُددت آليات الفساد بعرف غير مكتوب، ولكنه مشهور وشبه مقنن أمام جميع السوريين وقد ثبُتت أرقام الرشى بشكل تقريبي، وأصبح هناك تسعيرة معلومة في كل شأن، ولكل مجال في كل الوزارات والمؤسسات حتى في شراء المناصب والمقاعد والعطاءات.
الفساد كان ينخر جسد سوريا، وكان منظمًّا وله هيكل هرمي واحد.. فماذا سيحدث، وقد أصبح الفساد الجديد غير منظم وانفلتت التسعيرات والصلاحيات وتشكلت أهرامات كثيرة لهياكل عديدة للفساد الجديد، وإذا تقطعت الأواصر والروابط بين هذه الهياكل أو المافيات لتكون هناك مافيا إيرانية بوجوه سورية وأخرى روسية بوسطاء سوريين وعدة مافيات محلية للشبيحة ومافيات رسمية حكومية متعددة داخل الجيش والمخابرات وأجهزة الدولة.. ما الذي سيحدث؟
وما يخص إيران وروسيا يحتاج مقالًا منفصلاً مركَّزاً، لأن فيه تفاصيل كثيرة وأطماعاً لا محدودة، وكل برقع مذهبي أو سياسي تضعه إيران وروسيا يكمن خلفه لعاب يسيل وشهوة طمع مادي كبيرة.
وهذه دعوة عاجلة للمختصين والمحللين والمخططين في الاقتصاد والموارد أن يدرسوا كل تلك الوقائع والقرائن والدلالات التي تُبشر بسبعين سنة عجفاء مُرّة مريرة إن بقي الأسد أو بعض منه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد