في ذكرى انتهاء حصار القدسِ وفتحه واسترداد الأقصى السليب على يدِ القائد صلاح الدين الأيوبي بعدما دُنِّسَ من الأدناسِ الصليبيين لقرابة التسعين عاماً!
وبأيام شبيهة بذاك الماضي الأليم نحتاج إلى جيلٍ من الصامدين الثابتين المُزلزِلة أقدامهم الجبال الرواسي، غير العابئين بصنوف الآلام وتغيّر الأحوِال مِن حَولهِم، المُتحدية أعيُنُهم كُل الأشوَاك، يمشون عليها وَيتجاهلون دِماءهُم المُتنَاثِرة لِأجلّ غايتهم الثمينة، المُصرّين عَلى الوصول دُون المَوت، الحَانية قُلوبهم الرُحمَاء فيمَا بينهُم الأشِدّاءُ على العَادين!
أيها القارئ.. لا تقنط أن تكون صلاحاً جديداً فلو أبلغَ أحدٌ صلاح بأنه من المحتمل أن يقوم بما قام به لكان حاله كحالك الآن، ولو أبلغ أحدٌ ابنَ الوليد -رضي اللَّه عنه- قبل إسلامه أنه سيكون سيف اللِّه المسلول لسقط من الضحك!
ولكن الفارق -يا صديقي- اليقين والعزم والعمل، فالمستحيل يظل هكذا حتى يقوم أحدهم به.
فليس هناك مستحيل لطالما كنت موقناً مؤمناً بغايتك وهدفك وقضيتك، وتجد وتجتهد وتسعى، فإن فعلت ذلك ستفتح لك آفاق وآفاق.
فإليك بضع النصائح هذه لتعينك على وعورة الطريق وأشواكه وأعبائه.
الصفات التي لا بد من توافرها في ذاك البطل المنبثق من رحم تلك الأمة العظيمة هي الإخلاص والاستقامة واليقين والعزم والجد والسعي العمل.
وذكرت الإخلاص والاستقامة أولاً؛ لأنك إن كنت موفقاً الآن برغم معصيتك، فإن السننَ الكونيةَ لنْ تُحابي طَويلاً، وإن كانَ الله تَغَمدكَ بلُطفه وتَوفِيقِه وأنتَ غَير أهل لذلك، وتَعلمُ من نفسكَ ما تَعلم فلربما كانَ لُطفه بكَ تَودداً منه سبحانه وإمهَالاً لكَ حتَّى تُقيم المِعوجَ من حالِكَ، وتَجبُر النَقصَ عندكَ، وتُحسن الأخذَ بالأسبابِ، ولكن أن تَطمع أن تَجني ثماراً لم ترعها بالسقايةِ بل لم تَغرس بذرتِها، وأن يَشملكَ سبحانه بلطفهِ وكرمهِ "وهو أهلٌ لذلك"، وأنت غير ساعٍ، فَأنتَ فى غفلةٍ كُبرى فَأَفِقْ وأستَقِمْ.
ثانياً: اليقين والعزم
فلطالما يسير في هذا الطريق الوعر المليء بالأشواك والعثرات فلا بد أن تتعثر قدماه وتنزف دماً، فلا ييأس بل يزيده عزماً وإصراراً فيجعل هذا الرسوب عظةً ويدرك من خلاله حقيقته، ويعالج خلله ويستزيد ويتربص للاختبار القادم.
"وكامل الإيمان يتأدب بمقاومة الشدائد، ويتهذَّب بوقوع الكوارث" – الإمام المراغي.
والذي يرتضي لنفسه السير في الطريق إلى اللَّه لا يهُمه ما يحدثُ من جرَّاء سيره، ولا يعبأ، فتجده ثابتاً لا يهُزه شيء وتجد من حوله يصرخون لما يحول به بينما هو واقف كالجبل لا تهزه الريح شيئاً، فهو ماضٍ ويعرف ما طريقه وهم مساكين لم يدركوا جزاء السير فوقفوا ينتحبون، وهو إنّما يغزّ السير إلى خالقه ومولاه لما يعلمُ ما ينتظره هناك من الخير والإحسان، واضعاً هدفهُ نُصب عينيه، لا يرومُ عنه بدلاً، مستمداً قوته من يقينهِ بِربه، وأنه ما دامَ يسلكُ طريقَ الحق فلا بدَ من عثراتٍ تتأتّى تترى، فربما كانت تمحيصاً وتنقية أوَ كانت زيادة قوةٍ وثبات، فإذ به يسيرُ إلى الله مدركاً أنه صراطه في الدنيا الذي يُمهد عبوره إلى الجنة بسلام دونما خوفٍ من أهوال في الدنيا كانت أو هناك؛ حيثُ قيامة النفس بعملها، حتى ما إذا تمّ له مراده ولقي ربه فعندها ينسى كل بؤس مرَّ به فعلى قدر العناء والشقاء في الوصول إلى الغاية وتحقيقها تكون لذتها، ويبدأ هناك حياته الأبدية في نعيم لا يزول ولا يحول.
ثالثا: الجد والسعي والعمل
إن حلم النصر على أعدائنا وبسط أكُف الضراعة ليل نهار والاكتفاء بالخطب والدعوة فقط طمعاً في تحقيق النصر بذاك فحسب دون أخذٍ بالمستطاع من الأسباب فهو تغييب للعقل وإعماء للعين وطمس للبصيرة.
"إن منهج هذا الدين ليس محصوراً على الدعوة والتبليغ فقط، فلو نصر الدين بمثل هذا ما رفع النبي سلاحاً قط" – محمد الغزالي.
فلا بد من عملٍ وجدٍ واجتهادٍ وسعي فلا يستقيمُ الظلُ والعودُ أعوج!
يا عصبة المليار أين قلوبكم؟!
القدس في أيدي اليهود تأزه
آهات أيتام ودمع نساء
والمسلمون على مفاتن لهوهم
ما بين أسفار وطيب غناء
أين الرجال أليس خالد جدكم
وصلاح أين فطانة الفطناء؟
أين الكتاب؟ وأين هدي المصطفى؟
أين المشاعر لا تجيب ندائي؟!
ردوا إلى القدس السليب شموخه
وتجردوا من وطأة الأهواء
عودوا إلى الإسلام مصدر عزكم
فيه تنال مراتب العلياء!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.