منذ ميلاد البشرية لم يخلُ العالم من العنصرية، سواءً كانت اجتماعية بين عرق وآخر أو دينية أو غيرهم الكثير في أدقّ تفاصيل الحياة حتى وصلت إلى الرياضة، ثم بدأت تلك الأصوات التي تنادي بالمساواة بين المرأة وقرينها بالارتفاع مؤخرًا في عصرنا الحديث وسط عالم مليء بالممارسات العنصرية.
والواقع أن تلك المساواة لن تحدث مهما حاول البشر، فالمرأة تختلف عن الرجل في جوانب كثيرة، تتميز عليه تارةً وتفوقه في مجالات ويتميز هو تارةً أخرى، إذًا لا داع للتفريق بين الجنسين وتفضيل أحدهما على الآخر، ولا تحتاج الأنثى إلى التخلي عن أنوثتها لتتساوى بالرجل، بل هي في أمسّ الحاجة إلى أن تعتز بأنوثتها وقُدراتها وذاتها، لعلها تتخلص من هذه القيود المفروضة وتنعم بمعاملة عادلة.
بعضنا يتفق على أن تلك الأفكار العنصرية تجاه المرأة مُتأصلة في مجتمعاتنا العربية، ولكن هل نقوم بإعطائها قيمتها؟ هل ستندثر يومًا إن توقفنا عن الأخذ بها في اعتباراتنا وتغافلنا عنها، وأكملت كل منا يومها دون التفكير في نظرة هذا وكلمة ذاك، وقيل وقال؟
إن كانت تلك العنصرية وباءً تفشّى في جسد أمتنا فقد أَوجَدنا وباءً جديدًا وهو المساواة بين المرأة والرجل، ينتقل بمجرد الولادة مع أول صرخة للمولودة الجديدة، وأصبح حلم الفتاة العربية أن تصير "ولدًا" كي تنعم بما يتميز به أقرانها الذكور من حريات اكتسبوها من مجتمع عقيم، بدايةً من الفسح والرحلات وحتى العمل وتحمل المسؤوليات، فصارت بين هذا وذاك – عنصرية المجتمع وهاجس المساواة – مُقيدة تحلم بذاك اليوم الذي تتحرر فيه من قيود مجتمعها وأفكاره لتعيش بأنوثتها الحرية كما أُنزلت.
هي لا تحتاج إلى أن تصبح ولدًا لتجلس في المقهى على ناصية الشارع الذي تسكن فيه لتشاهد مبارة كرة قدم في الدوري، أو ربما لشرب الشيشة، ولا تحتاج لذلك لتمارس ما تعلمته في درس الكونغ فو في أحد شِجاراتها، أو لتتلفظ ببعض المصطلحات الشبابية التي تظهر بين اللحظة والأخرى، أو ربما لتَسُبّ أحدهم، هي فقط تحتاج إلى أن تفقد أنوثتها، أن تفقد ما يَمِيزُ المرأة عن الرجل، ونقف هنا لنقول إن الخطأ خطأ والصواب صواب، وما يُنَزَلُ من أحكام الله يسري على الجنسين إلا ما خصه الله – جل جلاله – بالمرأة أو الرجل.
ولا تحتاج المرأة إلى إثبات رجولتها فهي أنثى، ولكنها انخرطت في دوامة العنصرية والمساواة، تتحمل من الآلام ما لا يطيقه الرجل، ولديها من الإرادة والثبات ما يمكّنها من صعود الجبال دون مساعدة، ولديها من الحنان والحب ما يكفي رجالها بداية من أبيها وأخيها مرورًا بزوجها وصولًا إلى أصغر أبنائها، أحيانًا تقوم الفتاة بالجمع بين أنوثتها والرجولة في بعض المواقف، ولا يمكن للرجل أن يجمع بين رجولته والأنوثة، فالمرأة أنثى في بيتها مع إخوانها وأبيها وزوجها وأولادها، ويظهر الجانب الرجولي بها أمام أي مغتصب لحقوقها أو كيانها أعتقد أنها كائن ضعيف، فإن كانت الأنوثة عيبًا أو صفة ليست بالقيمة التي تستحق التمسك بها فلم وُجِدت؟ ولمَ لمْ نُخلق جميعنا رجالاً؟
الأنثى والرجل وُجدا جنبًا إلى جانب يكملان نواقص بعضهما، فكل منهما منقوص دون الآخر ولا يمكن أن تطيب الحياة لأحدهما بمفرده، فالصبي في حاجة إلى أمه حتى يشبَّ ويصبح في سن الزواج، فيكون في حاجة إلى زوجه سكنه وراحته وأمانه من كل العالمين، والفتاة في حاجة إلى أبيها حتى تتزوج فيكون زوجها سكنها وأمانها، ولا يمكن للكون أن يستقيم بالرجال فقط.
فاعتزي يا عزيزتي بأنوثتك وحافظي عليها ولا تجعليها عائقًا أمام تقدمك وطموحك، فلا يصنع الرجال إلا النساء الأسوياء اللواتي سهرن على تربيتهم، والكون مليء بعظيمات من جنسك حققوا إنجازاتهم بالتمسك بفطرتهم والبقاء على سجيتهم بل والاعتزاز بها، فهكذا يكون الأسوياء، وهنا تتجلى قوة المرأة وعزتها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.