وجَّه الكاتبان جمال خاشقجي وروبرت ليسي نصائح لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الذي يستعد لزيارة بريطانيا، ودعواه للاستفادة من البيت الملكي البريطاني، الذي حصل على مكانة حقيقية، وحظي بالاحترام والنجاح، من خلال محاولة التواضع قليلاً.
وجاء في المقال الذي نشره الكاتبان؛ السعودي خاشقجي، وليسي مستشار مسلسل "العرش"، في صحيفة "واشنطن بوست"، إنه يجب على بن سلمان الاستماع إلى منتقديه، والاعتراف بأنهم، أيضاً، يحبون بلدهم ليعزز قوته.
نص المقال
يبدو أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، يحب أن يعلن إصلاحاته باستخدام طريقة "العلاج بالصدمة". وتعهد بـ"الطلاق" مع الراديكاليين الإسلاميين، معلناً بطريقة مسرحية: "سوف ندمرهم!". أُطلقت حربه على الفساد، والتي تميزت بسجن أفراد من العائلة المالكة في فندق "ريتز-كارلتون" بالرياض، عبر وسائل التواصل الاجتماعي. أصبح الوضع مثيراً للقلق للمواطنين السعوديين في جميع أنحاء المملكة، خاصة للآلاف من أفراد الأسرة المالكة، آل سعود، وعمالقة عالم الأعمال.
أضاف اعتقاله 11 فرداً من أفراد العائلة المالكة بُعداً جديداً للدراما التي تتكشف: إمكانية إعادة هيكلة الأسرة المالكة السعودية.
يقال إن محمد بن سلمان قد يسحب الألقاب الملكية من أولئك الذين ليس لهم صلة مباشرة مع الملك عبد العزيز، مثل فرع سعود الكبير من العائلة المالكة. هذه الحالة ستكون أول سابقة من نوعها لإعادة هيكلة رئيسية للأسرة الحاكمة. أبناء ذلك الفرع من العائلة هم في الواقع أقارب غير مباشرين ينحدرون من سعود الكبير، رئيس فرع الأسرة المعروف باسم "العرايف". وقد انضم أبناء هذا الفرع المشكوك في ولائهم إلى منافسي آل سعود، وهم آل رشيد، في القرن التاسع عشر؛ لإسقاط الدولة السعودية الثانية، في ملحمةٍ شكسبيريةٍ من الغدر والدم والخيانة، ولا تظهر عناصر هذا الصراع الأسري في المنهج الدراسي السعودي.
هدفُ ولي العهد واضح: يريد أن يقضي على التشابك الخانق دائم التوسع من أبناء العائلة المالكة وتابعيهم، ويمنع الصراع بينهم. فمنذ وفاة الملك عبد العزيز في عام 1953، ورثت المملكة العربية السعودية هياكل الحكم الوراثي التي سمحت لمراكز السلطة المستقلة بالتطور والتكاثر.
وأدى ذلك إلى شهيةٍ لا نهاية لها للثروة، وطمعٍ تشجعه سلطة لا حدود لها. احتكرت العائلة المالكة ملكية الأراضي والشركات في جميع أنحاء المملكة. وعلاوة على ذلك، تلقى أفرادها رواتب شهرية مضمونة ومنحاً سخية.
والواقع أن ثروة العائلة المالكة تعكر صفو المواطنين السعوديين. من الأساطير الأكثر انتشاراً عن المملكة، أن جميع السعوديين أغنياء، لكن معظمهم ليسوا كذلك. وفقاً لبيانات البنك الدولي لعام 2016، فإن نصيب الفرد من الدخل القومي في المملكة العربية السعودية أقل منه في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومعظم الدول الخليجية المجاورة. وقبل بضعة أيام من الاعتقالات أمر الملك سلمان جميع أفراد العائلة المالكة بدفع فواتير المياه والكهرباء والهواتف. بالنظر إلى نمط الحياة الفخم لأسرة آل سعود، الذين يمتلك العديد منهم أكثر من منزل فخم، قد تصل الفواتير إلى مبلغ مذهل.
لذلك، عندما اعترض أعضاء أسرة سعود الكبير على فرض هذه النفقات الروتينية عليهم، كما قيل، كانت هناك إشادة واسعة النطاق باعتقالهم. وعلى الرغم من أنهم ليسوا أحفاداً مباشرين لمؤسس البلاد، الملك عبد العزيز، فإنهم مُنحوا عشرات من المصالح التجارية الحكومية والخاصة. وقد عُزل أحدُ من اشتكوا، من منصبه في الاتحاد الرياضي السعودي، وقد يحاكَم آخر بتهمة الخيانة.
وللحصول على دروس مستفادة في مسألة إدارة صغار الأمراء والنزاعات الأسرية، ربما على ولي العهد الشاب الاقتداء بالملكة إليزابيث الثانية، التي سيزورها في طريقه إلى واشنطن الشهر المقبل (أبريل/نيسان 2018). تقتصر ألقاب "صاحب السمو الملكي" على الأقارب المقربين فقط من الملكة في عائلة وندسور. وعلى ذلك، لم يكن أمثال أسرة سعود الكبير وغيرها ليحصلوا على أي امتيازات ملكية (أو رواتب) منذ أجيال، وفقاً لقواعد الأسرة المالكة الأكثر نجاحاً في العالم.
كما تقدر عائلة وندسور فضائل العُمْر والخبرة. وتتنافس شخصيات مثل الملكة الأم الراحلة، والملكة إليزابيث الثانية الآن، مع شباب العائلة، مثل ويليام وكاثرين وهاري وميغان، في الشعبية. لذلك، في حين أن ولي العهد السعودي يتحرك بالاتجاه الصحيح، إذا كان يستعد لـ"تقليص" عدد آل سعود، وإنهاء التنافس المتشابك بين أفراد العائلة المالكة الذي يشبه "لعبة العروش"، فعليه ألا ينسى قيمة مثل هؤلاء الكبار الحكماء، مثل الأمير تركي الفيصل الذي يتمتع بالخبرة والدبلوماسية، والذي ربما تفيد مهاراته الناضجة في إيجاد حل للمواجهة المأساوية باليمن.
الدرس الأكبر الذي يمكن أن يتعلمه آل سعود من آل وندسور، هو الاستماع إلى الناس: "ما يمس الجميع يجب أن يوافق عليه الجميع". وقد عززت إليزابيث الثانية مكانتها في مناسبات عديدة من خلال الانحناء أمام عاصفة النقد العام، ولا سيما بعد وفاة الأميرة ديانا في عام 1997. احترم الشعب الملكة إليزابيث "الكبيرة" أكثر؛ لإظهارها التواضع، وهي فخورة برئاسة مجتمع تسود فيه حرية الفكر والكلام.
لكن الشيء نفسه لا يتوافر في المملكة العربية السعودية. قد يبدو اعتقال هؤلاء الأمراء الـ11 خبراً ساراً، فلأول مرة في التاريخ الحديث، يتم التعامل مع أفراد العائلة المالكة كمواطنين عاديين. ولكن، ماذا عن العشرات من المثقفين وعلماء الدين والصحفيين الذين ينتظرون المحاكمة في المملكة العربية السعودية منذ سبتمبر/أيلول 2017، وبعضهم في الحبس الانفرادي ويحظون باهتمام دولي أقل بكثير، في حين تحاول الدولة عبثاً العثور على أسباب لتوجيه الاتهام لهم؟ وخلافاً للأمراء الذين تم اعتقالهم، لم يتظاهروا احتجاجاً أمام قصر الحاكم، ولم يرفعوا أصواتهم مطالبين بالاجتماع مع الملك، ولم يقاوموا عندما حاولت الشرطة تفريقهم، لم يجتمعوا أو يتظاهروا قط. وكان أسلوبهم الوحيد للاحتجاج هو أفكارهم.
إن تقليص محمد بن سلمان النسبي سلطة عائلة سعود، خبر مرحَّب به. ولكن، ربما يجب أن يتعلم من البيت الملكي البريطاني، الذي حصل على مكانة حقيقية، وحظي بالاحترام والنجاح، من خلال محاولة التواضع قليلاً. إذا استطاع محمد بن سلمان الاستماع إلى منتقديه والاعتراف بأنهم، أيضاً، يحبون بلدهم، فسيستطيع في الواقع تعزيز قوته.
جمال خاشقجي كاتب وصحفي سعودي، وروبرت ليسي مؤلف كتاب "داخل المملكة" (Inside the Kingdom)، والمستشار التاريخي لمسلسل "العرش" The Crown.