بلاد العَيَّاشة

بينما تجلس في أحد مقاهي "كورنيش" أغادير، تصدمك أسعار انتفخت ضعفين مع أنها في الأصل حارقة: قهوة العشرين درهماً أضحت أربعين، ووجبة الخمسين درهماً صارت مائة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/30 الساعة 07:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/30 الساعة 07:42 بتوقيت غرينتش

بينما تجلس في أحد مقاهي "كورنيش" أغادير، تصدمك أسعار انتفخت ضعفين مع أنها في الأصل حارقة: قهوة العشرين درهماً أضحت أربعين، ووجبة الخمسين درهماً صارت مائة.

الغريب واللافت للنظر أن صاحب المقهى، أو المغني الذي "ينشط الجلسة" لا يتوانى بين الفينة والأخرى عن الهتاف: عاش الملك! ظناً منه أن عبارات الولاء ستعفيه من المراقبة والزجر. لقد أضحى الكثيرون مؤمنين أن عبارة "عاش" هي كلمة التوحيد التي تجب ما قبلها من تجاوزات في حق الوطن والمواطنين.

الحقيقة أن عبارة "عاش الملك" تعبر عن إرادة المغاربة في جعل المؤسسة الملكية جامعهم ورمز وحدتهم، بعد أن فشلوا في إرساء نموذج مواطنة عادلة منصفة تجمع الكل تحت لوائها، بمنطق المساواة وسيادة القانون بين الناس كأسنان المشط.

واقع الحال يقول إن الأمازيغي لا ينكح إلا أمازيغية، والصحراوي إلا صحراوية، و"العربي" لا يثق إلا في بني جلدته، وأكبر شركات البناء (دون ذكر الاسم) لا تشغل سوى أبناء زاكورة والنواحي.
غابة الولاء فيها للون الجلد وشكل القوائم!

هيبة ورمزية المؤسسة الملكية لا يجب أن تجعل الكثيرين يعتبرون التمسح على أعتابها بمثابة عبارة "التكبيرة" التي تحلل ذبح المواطن، وسرقة رزقه ومحاصرته في حله وترحاله حتى يظل قابعاً في أسفل هرم ماسلو، معتبراً الأكل والأمن أكبر الإنجازات وأعظم النعم!

أصل "التَّعيَاش" ليس عبارة عاش الملك، التي لطالما رددها كثيرون من وطنيي هذه الأمة، بسطاء ونخبة، مدركين أنها الملاذ الأخير لدولة تتشدق ليل نهار بشعارات دولة الحق والقانون، لكن واقعها يتجه صوب الإيغال في جو البداوة ودولة الوصاية ومنطق الرعية.

"التَّعيَاش" نعت يصف حال طائفة كبيرة من المغاربة تسترزق و"تَعتاش" من مكانة الملك، بالسلب أو بالإيجاب.

المواطن البسيط الذي يملك حكماً قضائياً لصالحه ظل يراوح مكانه سنوات دون أن يجد سبيله للنفاذ، يتسلق عموداً برفقة صورة لعاهل البلاد مهدداً بالانتحار ومردداً "عاش الملك"، فقد يئس من قدرة قضاء "مستقل" على إنصافه!

المرأة المسكينة التي حلت سلطات البلدية لتهدم بيتها بداعي "خرق القانون" تجد نفسها معتصمة حاملة لصورة ضامن وحدة البلاد واستقرارها، بعد يأسها من مؤسسات تصرف عليها المليارات لتزيين الصورة، وكسب نقاط في تصنيف الاتحاد الأوروبي لأكثر البلدان المتخلفة ديمقراطية!

المسؤول "الفاسد" تجده معلقاً صورة لملك البلاد خلف مكتبه، لا يفلت حفل وَلاء ولا افتتاح دورة تشريعية، ولا يضيع الفرصة إن أُتيحت له لتقبيل اليد من الجانبين وبإصرار.. ذات المسؤول له حسابات بنكية منتفخة وفيلات منتشرة والكل يهتف: ليس من أين لَكَ هذا! بل هنيئاً لك بهذا!

خلال السنوات الأولى لحرب الصحراء، كانت جيوش البوليساريو تداهم قرى ودواوير منطق محاميد الغزلان المحاذية لتندوف. تَسلبُ المنازل وتداهم الأعراس لتأخذ بالغصب ما توفر من مؤن وأطعمة وكل غال ونفيس، قبل أن تصطحب العَلم المغربي "رهينة".

إحدى السيدات "الوطنيات" رأت العلم ولم ترَ كتائب الانفصاليين، عند اقترابهم منها هتفت بحماس "عاش الملك!" ليصفعها أحد المتمردين آمراً إياها بلهجة حسانية: "قولي تحيا الجبهة!".

عبارة "تحيا" مساوية لكلمة "عاش"، وما كان يفعله انفصاليو الخارج يعيده "انفصاليو" الداخل، بشرعية وحس وطني عالٍ.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد