بينما يتبارى المتشددون الأميركيون سعياً لمعرفة من الذي يمكنه سحق إيران أكثر، يعيش الإيرانيون قلق أن يقوّض صراع القوى المُختلفة للوصول إلى البيت الأبيض، الاتفاق النووي الذي بموجبه تم رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران في مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.
ووفقاً لمحمد ماراندي، الأستاذ في الدراسات الدولية بجامعة طهران، لاتزال الحكومة الإيرانية ملتزمة بتنفيذ الاتفاق الذي تم توقيعه في يوليو/تموز الماضي، حسب ما نقلت صحيفة الغارديان البريطانية.
وأضاف ماراندي "البرلمان يدعم الاتفاقية، المجلس الأعلى للأمن القومي يدعمها، القائد الأعلى للثورة الإسلامية يدعمها، وبالتأكيد البرلمان الجديد سيدعمها".
لكن ماراندي ومعه الكثيرون يشعرون بالقلق من أن الولايات المتحدة قد تتراجع عن الاتفاقية – والمعروفة باسم خطة العمل المشتركة الشاملة – أو تسعى لاستعداء إيران.
ويستشهد ماراندي بقرار الكونغرس وإدارة أوباما بوجوب تقدم أي شخص زار إيران (أو العراق وسوريا والسودان) بطلب للحصول على تأشيرة لدخول الولايات المتحدة، بمن في ذلك الإيرانيون مزدوجو الجنسية الذين يعيشون في أوروبا، الذين قد يكونون قد ذهبوا لزيارة عائلاتهم. ولا يتم تطبيق لوائح مماثلة على الأشخاص الذين زاروا السعودية أو الدول الأخرى من حلفاء الولايات المتحدة.
يقول ماراندي إن الإجراءات الجديدة تنتهك روح الاتفاقية المُبرمة، هذا إن لم تكن تنتهكها فعلياً "هذا تمييز". وأضاف: "المفارقة أن الهجمات الإرهابية التي وقعت في الولايات المتحدة قد نُفذت من قِبَل أناس من دول معينة. ولكن القيود فُرضت على الإيرانيين".
قلق في إيران
كما يخشى المسؤولون الإيرانيون أيضاً ممن سيأتي للسلطة في الولايات المتحدة. فقد تعهد كلٌّ من ماركو روبيو وتيد كروز مرشحي الرئاسة الجمهوريين بإلغاء الاتفاق النووي. وقال كروز إنه "سيُمزق – الاتفاقية – الى أشلاء" في "يومه الأول كرئيس".
وعندما عقدت إدارة أوباما اتفاقية مع إيران بخصوص الإفراج عن 4 أميركيين محتجزين بإيران، في مقابل الإفراج عن 7 إيرانيين محبوسين بأميركا، ندّد بها ترامب -المُرشح الجمهوري الأوفر حظاً- قائلاً إنها "صفقة سيئة" أسست "سابقة سيئة".
وقال حميد دهقاني، مدير قسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإيرانية: "بلا شك سيكون للانتخابات الأميركية تأثير كبير"، لكنه أشار إلى أنه لإعادة فرض العقوبات التي رُفعت بموجب اتفاقية خطة العمل المشتركة الشاملة فسيتعين على الولايات المتحدة السعي للحصول على دعم الأوروبيين والروس والصينيين، "الولايات المتحدة لا تملك القدرة على الوقوف ضد العالم بأكمله".
وأشار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال تواجده في لندن قبل الانتخابات إلى أن المرشحين للرئاسة الأميركية يقولون أموراً في الحملات الانتخابية لكن يفعلون عكسها إذا وصلوا للسلطة، "أنا متأكد من أن الرئيس المقبل للولايات المتحدة لن يكون قادراً على تمزيق الاتفاق؛ لأننا إذا نفذناه فسيكون جيداً جداً للجميع، ولن يجد أحد أن من مصلحته تمزيقه".
رغم أن أداء المعارضين للاتفاق النووي في إيران كان سيئاً في الانتخابات الماضية يوم 26 فبراير/شباط الماضي، في كل من البرلمان ومجلس الخبراء، وهي الهيئة الدينية التي تختار المرشد الأعلى، إلا أنهم مازالوا بعيدين جداً عن إسكاتهم.
"خُدعنا"
قابلنا أحد المعارضين للاتفاق النووي بعد صلاة الجمعة بطهران ويُدعى أحمد ناصرينصاب، وهو رجل أعمال صغير يبلغ من العمر 54 عاماً. قال أحمد: "أعتقد أننا خُدعنا". وأضاف: "رغم إيقافنا لأنشطتنا النووية إلا أن العقوبات لم تُرفع". وكان يُشير الى استمرار العقوبات الأحادية الجانب التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، واختبار الصواريخ الباليستية.
كما أن توقيع الاتفاقية لا يعني التعاون مع الولايات المتحدة حول القضايا الإقليمية، سوريا على سبيل المثال. بل إن الحرس الثوري، والمخابرات، والمرشد الأعلى قد عرضوا تقديم دعم أكثر للرئيس بشار الأسد في الأشهر الأخيرة.
يبدو أن الرأي العام في إيران قد انتقل أكثر تجاه دعم مشاركة إيران في سوريا منذ سبتمبر/أيلول الماضي، وهذا عندما شن الجيش الروسي غارات جوية وأرسل قوات برية لمحاربة المعارضة المسلحة بسوريا، ما سمح للجيش السوري باستعادة السيطرة على بعض المناطق.
قال محمد بيرالي – مدير تحرير جريدة "سياسات رووز" المحافظة، عن التدخل الروسي: "أدى ذلك للشعور بأننا لسنا وحدنا". وأضاف: "هناك دول قوية أخرى لديها نفس اهتماماتنا".
وفقاً لماراندي، فلدى إيران أقل من 2000 فرد من الحرس الثوري متمركزين في سوريا. ولكنها تُمول الآلاف من المقاتلين من حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية من العراق وأفغانستان. وأدى قتل المئات في المعارك إلى تشكيك بعض الإيرانيين في المجهود الحربي.
وقال بيرالي: "هذه المخاوف لا تزال موجودة، بل وربما أقوى. لكن الناس قد قبلت مبرر أنه إذا لم نواصل ما نفعله في سوريا، فقد نُضطر إلى خوض المعركة على حدودنا".
وأشار استطلاع للرأي صدر مؤخراً عن جامعة ميريلاند إلى أن 63% من الإيرانيين يؤيدون حكومتهم في إرسال قوات إلى سوريا.
ويعترف بيرالي بأنه رغم ذلك فمن غير المُرجح أن تنتهي الحرب قريباً. فهل من الممكن أن يتغير الرأي العام الإيراني ضد المشاركة في الحرب، إذا استمرت الخسائر الإيرانية؟، "نعم، من المحتمل جداً"، كما قال: "إيران ليست مستعدة لذلك على الإطلاق. سنحاول أن نقوم بإنهاء الأمر في أقرب وقت ممكن".
قد لا يكون هذا سهلاً. فقد اعترف دهقاني، المسؤول في وزارة الخارجية، بأن الأسد فقد السيطرة على 60% من الأراضي السورية، "سوريا الآن مُقسّمة بشكل غير رسمي بين الجماعات المتمردة. الوضع مائع".
هذا الموضوع مترجم بتصرف نقلاً عن صحيفة "الغارديان" البريطانية.