هل الرقةُ محتلةٌ كي تُحرر؟!

إن تحرير الرقة سياسياً هو صراع أطرافٍ عسكريةٍ، ولكن إنسانياً هو قيمة الضمير. فلو فكرنا بأهلها الذين يعيشون في ظل داعش، أو من هربوا وتشردوا نرى أنهم الأولى بحياة كريمة بعيدة عن سواد داعش، وجدل المنظّرين، ونفاق الكثيرين.

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/13 الساعة 05:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/13 الساعة 05:27 بتوقيت غرينتش

ترتفع الأصوات وتتناقل وسائل الإعلام الأخبار المتداولة عن بدء معركة تحرير الرقة من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، عبر دعم جوي من التحالف الدولي، وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً. القوات المثيرة لشكوك الأتراك والعرب السوريين، بأن عمودها الفقري؛ وحدات حماية الشعب YPG الطرف العسكري الكُردي الأقوى بين الجماعات المسلحة المقاتلة على الأراضي السورية.

القوات التي تتلقى تدريباً وسلاحاً ودعماً لوجستياً وسياسياً من الولايات المتحدة الأميركية، حتى أنه انتشرت صورٌ لجنود من البحرية الأميركية يرتدون بزات المارينز، وعلى أكتافهم رمز هذه القوات، ورمز وحدات حماية الشعب YPG، ووحدات حماية المرأة YPJ الأمر الذي أثار حفيظة تركيا -العدو اللدود لهذه الوحدات- مما دفع بوزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو، إلى التنديد بهذه الخطوة، واتهام أميركا بأنها تكيل بمكيالين لعدم اعتبار هذه الوحدات منظمة إرهابية، في إشارة إلى اتهامات لها بتبعيتها لحزب العمال الكُردستاني المصنف إرهابياً أميركياً وتركياً. لكن الرد جاء سريعاً من الخارجية الأميركية بأنه "لا ارتباط لوحدات حماية الشعب بحزب العمال الكُردستاني، وسنواصل دعمها".

الحديث السوري الطاغي هذه الأيام بأنه هناك عملية "احتلال" من قبل قوات سوريا الديمقراطية، للرقة المغتصبة منذ قرابة العامين من قبل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، والتي أصبحت المقر الرئيس للتنظيم وعاصمة الخلافة.

الأمر الذي يدفع إلى التساؤل: هل يرى السوريون حقاً أن الرقة محتلة؟ وأن داعش قوة احتلال؟ وليس فصيلاً سورياً معارضاً "مجاهدين" أو "ثواراً" ولكنهم متشددون بعض الشيء، والخلافات معهم ليست إلا خلافات إخوة يمكن حلها؟

منذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على الرقة بشكل كامل في آب/أغسطس 2014 وذلك بعد سيطرتهم على مطار الطبقة العسكري (آخر معاقل الجيش العربي السوري). لم تقم المعارضة السورية بأية محاولة لتحرير الرقة من سيطرة التنظيم، كما أنه حتى سياسياً كانت الرقة دائماً خارج أية تسويات أو نقاشات سياسية بين المعارضين أنفسهم، وفي مفاوضاتهم مع النظام أو مع الدول الفاعلة في الحرب السورية.

الرقة بنسختها الداعشية عانت وتعاني الأمرين تحت ظل حكم تنظيم الدولة الإسلامية، فالمدينة الوادعة الجميلة، عروس الفرات، التي كانت يوماً ما مصيفاً للخليفة العباسي هارون الرشيد؛ أصبحت مدينة خاوية من أية معالم إنسانية وبشرية.

الذبح في الطرقات، قطع الرؤوس في الساحات، ذقون طويلة، نساء ملففة بالعباءات السوداء، جلد الشباب بتهمة التدخين أو لبس الجينز، اتهامات باللواط وقتلهم بإلقائهم من شاهق. ناهيك عن أن الرقة كانت سوقاً لبيع النساء الأيزيديات اللائي تم أسرهن من قبل التنظيم بعد الهجوم على سنجار والموصل. وكانت مسرحاً لتنفيذ الإعدامات بحق عدد من الصحفيين، وناشطي المجتمع المدني. وتدمير آثارها وسرقتها، وبيعها.

في خضم كل تلك الأحداث والانتهاكات الصارخة بحق الإنسان التي يقوم بها تنظيم الدولة الإسلامية، والتي لا تمت للدين الإسلامي بأية صلة، لم تقم المعارضة السورية بأية حملات لحماية الرقة وأهلها، أو حتى التفكير في تحريرها من تنظيم الدولة الإسلامية.

وعندما تعالت الأصوات بأن هناك خطة أو فكرة أمريكية (التي قد تكون خاتمة أوباما) لتحرير الرقة عبر قوات سوريا الديمقراطية، تحولت ساحة المعارضة السورية إلى ميدان نحيب وصراخ لمنع تحرير المدينة أو "احتلالها" كما وصفها العشرات من المعارضين. الاحتلال الجديد الذي سيكون تحريراً وفق فكرة أو خطة أميركية بات مرفوضاً من قبل السوريين، حيث يرون بأنه ذريعة لتدمير المدينة، والتسبب في تهجير وقتل من تبقى من أهلها.

حتى اللحظة لا توجد خطة أميركية واضحة لتحرير الرقة من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، لكنها بدأت فعلياً في الهجوم على مناطق الريف الشمالي للرقة، حيث سيطرت قوات سوريا الديمقراطية على عشرات القرى، بعد دعم وغطاء جوي من التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. لكن العسكريين يرون أنها بداية لتحرير الرقة، عبر تشديد الخناق على عناصر هذا التنظيم، من خلال الهجوم من شمال المحافظة باتجاه مركزها، الأمر الذي قد يؤكد الروايات، والأخبار المتداولة بأن معركة "التحرير" أو "الاحتلال" قد بدأت فعلياً.

إن تعريف الإرهاب وتصنيف الجماعات المسلحة إرهابياً، أمر يزيد عمق الفجوة بين السوريين، وخاصة بين العرب والكُرد. فحقاً هناك اختلاف في وجهات النظر ورؤية المسلحين كإرهابيين كلٌ بحسب فكرته وقناعاته أو إيديولوجيته. فكان حتى الأمس حزب الله حركة مقاومة وممانعة عربياً وسورياً ضد إسرائيل، وبمجرد تورط هذا الحزب في الحرب الأهلية السورية، أعاد السوريون النظر فيه، وأصبح حزباً إرهابياً، والذي كان إرهابياً منذ بدايته من وجهة نظر إسرائيل.

الأمر ذاته ينطبق على حزب العمال الكُردستاني، الحزب الكُردي ذي الميول الماركسية المناضل من أجل حقوق الشعب الكُردي في تركيا وفي كُردستان، هو منظمة إرهابية في نظر تركيا، وأميركا التي تدعم اليوم جنوداً كُرداً كانوا حتى الأمس أعضاءً في هذا الحزب ومقاتلين في جبال قنديل. وكذلك ينطبق الأمر على جبهة النصرة الجناح السوري من تنظيم القاعدة المصنف إرهابياً، حيث يرى الكثير من السوريين، وكبار المعارضين أنها جزءاً لا يتجزأ من الثورة السورية.

السوريون أنفسهم منقسمون لحد كبير، بين مفهومي الاحتلال والتحرير، فهم وصفوا المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد بالمناطق المحررة، حتى تلك التي يحتلها "داعش" أو "جبهة النصرة" الإرهابيين. ويذهب الكثير من السوريين إلى ضرورة بقاء الحال كما هو في الرقة، وعدم تحريرها أو احتلالها، والإبقاء على "خلافة البغدادي" فيها لحماية أهلها من القتل بطائرات التحالف، أو قوات سوريا الديمقراطية. وهم أنفسهم يرون في المناطق التي تخشى انتقام الأسد في حال انتفاضها بأنهم عملاء النظام، وواجبٌ على أهلها تحريرها.

إن تحرير الرقة سياسياً هو صراع أطرافٍ عسكريةٍ، ولكن إنسانياً هو قيمة الضمير. فلو فكرنا بأهلها الذين يعيشون في ظل داعش، أو من هربوا وتشردوا نرى أنهم الأولى بحياة كريمة بعيدة عن سواد داعش، وجدل المنظّرين، ونفاق الكثيرين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد