هل يمكن أن نحج قبل الموت؟ سؤال يطرحه مواطنون قطريون على أنفسهم بعد أن حُرموا من تأدية هذه الفريضة، والسبب هو الحصار الذي فُرض عليهم من قِبل السعودية.
حرمان القطريين من أداء هذه الشعيرة الدينية تضرر منه حتى أصحاب حملات الحج القطرية، الذين تكبدوا خسائر كبيرة تقدَّر بملايين الدولارات نتيجة حرمانهم من تسيير حجيج من قطر هذا العام، وفسخ العقود المبرمة بينهم وبين عدد من الشركات السعودية المختصة بأمور الحجاج، فكيف لهم تنظيم وتسيير حملاتهم وقطر محاصرة براً وجواً وبحراً.
خسائر بالملايين
شركات حملات الحج القطرية تكبدت خسائر بالملايين، خاصة الشركات التي تسيِّر رحلات الحج جواً، والتي خسرت قيمة التذاكر وتكلفة حجز السكن بفنادق مكة المكرمة، إضافة إلى قيمة التعاقدات مع شركات المواصلات والمطاعم وغيرها من الخدمات التي تقدم للحجيج كل موسم.
محمد فرج باجيدة، مقاول حج، منذ 28 عاماً يعمل في مجال تسيير حملات الحج، يعبر عن أسفه لما حصل هذه السنة قائلاً: "بين عشية وضحاها، أصبح المواطن القطري والمقيم على أرض قطر محروماً من أداء فريضة الحج!".
المقاول يضيف في تصريحه لـ"عربي بوست" حول المسألة: "بعض الآباء والأمهات من كبار السن كانت لديهم نية الحج هذه السنة ودفعوا المبالغ والرسوم المطلوبة، ولكن بعد الأزمة وجدوا أنه من الصعب زيارة بيت الله الحرام، الذي يعتبر حقاً لكل مسلم على وجه الأرض أن يزوره".
باجيدة يحكي عن تجربة مؤثرة عاشها مع بعض الحجاج القطريين ممن "ذرفوا الدموع شوقاً لبيت الله الحرام وحزناً؛ لكونهم حُرموا من فريضة الحج، وهم لا يعلمون هل سيكونون من ضمن حجاج السنوات القادمة أم سيرحلون عن هذه الدنيا، لتبقى نية الحج أمنية عالقة في نفوسهم ولم تتحقق لهم بسبب القرارات السعودية التعسفية".
إبراهيم سالم العلي، مقاول حج آخر، يؤكد أنه لا وجود لتطورات في موسم الحج هذا العام سوى أن وزارة الحج السعودية ما زالت حتى الآن لم تقدم أي إيضاحات حول ما سيحدث، لتبقى الحملات القطرية غير قادرة على تسيير رحلات الحج؛ بسبب صعوبة الموقف وإغلاق الحدود وحصار قطر. وبذلك، فإن الشعب القطري لن يحتفل هذا العام بعودة حجاجه؛ لأن موسم الحج بات "مسألة مزاجية لدى السعودية، مرتبطة بالمصالح السياسية".
تصريحات عكس الأفعال
محمد أحمد، مواطن قطري ممن كانوا يأملون تأدية فريضة الحج هذا العام، كغيره من المواطنين القطريين، مصاب بالصدمة من وصول الإمعان في تسييس الحج لدرجة حرمانهم من زيارة البيت الحرام.
محمد يعبر عن حسرته لـ"هاف بوست"، قائلاً: "أيام تفصلنا عن بدء مناسك الحج، وما زالت السعودية حتى الآن تفعل عكس ما تصرح به عبر إعلامها، فليس هناك أي نوايا لدى الرياض بأن يكون أهل قطر من ضمن حجاج هذا العام".
ويتساءل: "كيف لنا أن نذهب إلى الحج وليس هناك تعامل مع شركة الطيران القطرية، والحدود مغلقة، ولا وجود لبعثة الحج القطرية على الأراضي السعودية؛ ومن ثم فإن السعودية وضعت معوقات وعراقيل واضحة أمام القطريين".
وأضاف: "لم يحدث من قبل أن أهل قطر مُنعوا وحُرموا من زيارة بيت الله الحرام وأداء مناسك الحج، ولكن مع تقلبات الأيام والمصالح السياسية في القرن الـ21، مُنع القطريون من أداء فريضة الحج، وسوف يدوِّن التاريخ ويسجل هذا العام الذي حُرم فيه الشعب القطري من زيارة مكة وأداء فريضة الحج؛ بسبب أغراض وأهداف سياسية".
أما حسين أحمد فبدوره يحس بالحسرة نفسها، فشعب قطر في نظره لم يقترف أي ذنب ليتم الزج به في المشاكل السياسية ويتم حرمانه من أداء فريضة الحج وزيارة المشاعر المقدسة، وما يحز في نفس حسين أكثر هو أنه يتساءل: "لا نعلم هل سنكون من ضمن الأحياء في السنوات القادمة لتسمح لنا السعودية بأداء مناسك الحج أم لا؟!".
واعتبر في حديثه لـ"هاف بوست" أن من حق كل مسلم زيارة بيت الله الحرام وأداء الفرائض، وليس من حق السعودية حرمان أهل قطر من هذا الأمر بطريقة أو بأخرى.
من يضمن سلامة القطريين؟
قضية أخرى تؤرق بال الحجاج القطريين في حال تمكنوا من الوصول إلى بيت الله الحرام؛ وهي مسألة أمنهم وعلاجهم وتأمين خدمات الحج الخاصة بهم، وهذا ما يتساءل عنه محمد سالم، في تصريحه لـ"هاف بوست": "كيف للحاج القطري أن يسافر إلى الحج وليست لديه تمثيلية دبلوماسية على الأراضي السعودية ولا يتم التعامل مع الريال القطري بسبب قرارات السعودية، ولا نؤمن على أنفسنا بعد أن قامت السعودية ودول أخرى بشحن عقول شعوبها ضد القطريين عبر الإعلام الكاذب".
محمد سالم، كذلك متخوف من رفض المستشفيات السعودية استقبال الحجاج القطريين في حال تعرضهم لوعكة صحية أو مرض طارئ، "ربما يتعرض حجاج قطر لأي طارئ وليس لديهم من يلجأون إليه، أو ربما يتعرضون لوعكة صحية وقد ترفض المستشفيات السعودية علاجهم كما حدث بداية الأزمة عندما رفضت المستشفيات السعودية معالجة مرضى قطريين".
هواجس الحجاج القطريين تذكيها، حسب تصريحات محمد سالم، دائماً، تصرفات المملكة، التي تقول إنها سمحت للقطريين بالحج هذا العام، لكن دون أي موافقة من قِبل بعثة الحج القطرية أو وزارة الحج السعودية، حيث جرت العادة أن يتقدم كل من يرغب في الحج كل عام عبر بعثة الحج القطرية للحصول على موافقة من قِبل وزارة الحج السعودية، وهو الإجراء غير الحاصل هذه السنة وهو ما يؤكد، في نظره، نوايا السعودية غير السليمة تجاه حجاج قطر.