الذكاء، هو موضع بحث العلماء وهاجس الإنسان في سعيه؛ ليصبح حذقاً ذا مستوى عالٍ من الذكاء.
تنقسم قصة تعامل الإنسان مع الذكاء إلى مرحلتين؛ الأولى ترجع إلى ما قبل عالم النفس الأميركي هوارد غاردنر، والثانية تُنسب لما بعده. إذ ساد التساؤل قبل نظريته عن الذكاء ونسبته، وكان الجواب يأتي في العادة بشكلٍ محدد يشبع الفضول.
أما اليوم، فإذا ما طُرِحَ هذا السؤال، يتبعه سؤال آخر يستفسر عن أي نوع من الذكاء نقصد؛ هذا لأن غاردنر، أستاذ علم الإدراك والتعلُّم، نظر إلى الذكاء من مستويات أخرى، وأقرّ بأنه ليس مطلقاً ولا يقتصر على نوعٍ واحد.
وضع غاردنر كذلك نظرية الذكاءات المتعددة Multiple Intelligences، التي أوضح فيها أن الأمر يتعلق بمجموعة متنوعة ومختلفة من أنواع الذكاء. يملك جميعنا نسباً مختلفة من هذه الأنواع، قد يتفوق البعض في نوع أو نوعين أكثر من غيره، لكن لا يعني هذا عدم امتلاكه بعض سمات الأنواع الأخرى.
يقول غاردنر في كتابه Frames of Mind: The theory of multiple intelligences: "تملك جميع أنواع الذكاء قوةً وقيوداً خاصة بها، أما العقل فهو غير مرهون بأي ارتباط عند الولادة"، لكن يختلف هذا القول قليلاً مع دراسة نشرتها مجلة Nature Neurosciences الإلكترونية عام 2015، تعتقد أن الذكاء يمكن أن يكون وراثياً، وأن مجموعتين من الجينات تُدعى M1 وM3 مسؤولتان عن الذكاء المعرفي لدينا.
ترى هذه الدراسة أيضاً أن الذكاء يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالذاكرة والانتباه والمنطق وسرعة البديهة والوظائف التنفيذية؛ ما يفتح المجال أمام دراسات واسعة ونظريات عديدة لتصنيف الذكاء وطرق التعامل معه.
وهنا، نخبرك معلومات أكثر عن أنواع الذكاء التسعة:
1- الذكاء الطبيعي – Naturalist Intelligence
نوع خاص بقدرة الإنسان على التمييز بين الكائنات الحية؛ كأن يفرّق بين الحيوانات والنباتات، ويتعرّف على الفرق بين السحاب والصخور مثلاً.
يبرز هذا النوع من الذكاء عند الصيادين؛ ليميزوا بين أنواع الحيوانات التي يصيدونها، والفلاحين ليميزوا أنواع الثمار التي يحصدونها، وكذلك عند الطهاة للتفريق بين مكونات الطبخ، إلى جانب علماء النبات والعاملين في مجال السيارات.
نستطيع القول إننا جميعاً نستخدم هذا النوع، عندما نحتاج لشراء حذاء معين، أو لعبة ما، أو حتى عندما نستعرض لائحة الطعام في أي مطعم.
2- الذكاء الموسيقي – Musical Intelligence
يُعبر عنه بالقدرة على تمييز الإيقاع والنغمة، يُمكّن هذا النوع من الذكاء من التعرف على الموسيقى ومعالجتها، والقدرة على خلق ألحان وإنتاج ألوان جديدة منها.
لعل الملحنين والموسيقيين والمؤلفين هم أفضل مثال على ذلك، لكن ينطبق هذا النوع من الذكاء كذلك على الشعراء والرياضيين؛ إذ يتمركز في كونه جزءاً أساسياً من عمليات التفكير المشتركة.
يمتاز أصحاب هذا النوع بملاحظة العديد من الأشياء في آن واحد، وعادةً ما يملكون إجابات مختلفة وفريدة من نوعها، عندما تسألهم على سبيل المثال عما رأوه في طريق العودة إلى المنزل.
3- الذكاء الرياضي المنطقي – Logical-Mathematical Intelligence
يُعبر عن هذا النوع بالقدرة على الحساب ونقاش الفرضيات وإثباتها، وحل العمليات الرياضية المعقدة، وتدعمه مهارات الإدراك والتواصل، وأنماط التفكير المتسلسل والاستقرائي.
عادةً ما يرافق هذا النوع من الذكاء جميع العلماء، خاصةً علماء الرياضيات، وعامة الأشخاص الذين يحبون تحليل كل شيء، وتحويل كل مشاكلهم إلى أرقام وعلاقات رياضة، والاستفادة من تجاربهم بشكل كبير.
4- الذكاء الوجودي – Existential Intelligence
يعني القدرة على فهم وتحليل المعاني العميقة المتصلة بمواضيع تخص الوجود الإنساني، مثل الحياة والموت وطريقة سير الأمور.
يتمتع أصحاب هذا الذكاء بحساسية عالية، تُتيح لهم معالجة النقاشات الجدلية، واستنباط الأسئلة من كل ما يحدث حولهم، واستخدامه في الوصول إلى نظريات تتصل بعلم الوجوديات.
5- الذكاء الشخصي – Interpersonal Intelligence
يُمثل هذا النوع القدرة على فهم الآخرين، والتعامل معهم عن طريق مهارات التواصل اللفظي وغير اللفظي، بالإضافة إلى امتلاك حساسية عالية تجاه التقلبات المزاجية وفهمها.
يختلف هذا النوع عند أصحابه بشكل يتراوح بين الإيجاب والسلب؛ ففي حين يستخدم البعض ذكاءهم الشخصي في استفزاز الآخرين ومعرفة مواطن انزعاجهم، يقوم البعض الآخر باستخدام قدراته الذكائية الشخصية في الاستماع إلى وجهات النظر المختلفة، واحتضان الآراء على اتساعها.
غالباً ما يكون هؤلاء الأشخاص قادة بين أقرانهم، وأصحاب كفاءات عالية في التواصل الاجتماعي، وتفهّم المشاعر والدوافع.
6- الذكاء الجسدي الحركي – Bodily-Kinesthetic Intelligence
يبدو من الاسم أنه القدرة على القيام بحركات جسدية مذهلة، تستند إلى تدريبات متواصلة، لكنه يتسع ليشمل مفهوم القدرة على تطويع المهارات البدنية؛ بهدف تطوير الكفاءة الشخصية أو المهنية.
يتميز بهذا النوع من الذكاء الراقصون والجرّاحون والحرفيون؛ إذ يتمكن هؤلاء من إيجاد صلة توحّد الجسم والعقل، يرسم فيها العقل الحركة المرجوّ تنفيذها، ويقوم الجسم بتنفيذها فعلياً.
7- الذكاء اللغوي – Linguistic Intelligence
اللغة مقوّم رئيس من مقومات الذكاء، نلاحظ وجود الكفاءات المتعلقة بها في جميع أنواعه؛ فهي كفاءة بشرية مشتركة.
يملك أصحاب الذكاء اللغوي القدرة على التفكير في الكلمات، وتقديمها في موضعها المناسب؛ فيبسطون المعاني المعقدة وقد يصنعون نصوصاً أخرى معقدة إن أرادوا.
يبرز هذا النوع من الذكاء لدى الشعراء والروائيين والصحفيين والمذيعين والخطباء، ويغلب على هواة القراءة والكتابة وحلّ الكلمات المتقاطعة بين عوام الشباب.
8- الذكاء الداخلي – Intrapersonal Intelligence
يعني هذا النوع القدرة على فهم الذات والأفكار الشخصية والمشاعر الفردية، ثم استخدام هذه المعرفة في تخطيط وتوجيه حياة الفرد الخاصة.
تستطيع المستويات العالية من هذا النوع تقدير حالة الإنسان وشرحها، ويغلب لدى علماء النفس والروحانيين والفلاسفة، الذين يملكون القدرة على فهم مكنوناتهم الخاصة وتحفيز أنفسهم.
9- الذكاء المكاني – Spatial Intelligence
يتضمن هذا النوع القدرة على التفكير بشكل ثلاثي الأبعاد، بمعنى إدراك الصور العقلية والتفكير المكاني. تندرج ضمنه أيضاً المهارات الفنية والرسم والخيال النشط، ويمتاز به الطيارون والنحّاتون والرسّامون والمهندسون المعماريون. يتميز أصحاب هذا النوع في صغر سنّهم بالبراعة في ألعاب المتاهات والألغاز، يحبون كذلك إمضاء أوقات فراغهم في الرسم.
أما في حال راودك سؤال عن إمكانية امتلاك شخص ما أنواع الذكاء التسعة مجتمعة معاً؛ فالإجابة نعم، لكن لا بدّ من أن يغلب نوع على الآخر، فهل عرفت الآن أي نوع من الذكاء تمتلك؟