قاومي سرطان الثدي بقوة المحبة والمعلومات

حين رجعت إلى المصادر الطبية المتاحة على الإنترنت، عرفت أن ذلك النوع من السرطان يبدأ عادة بخلايا سرطانية ببطانة القناة اللبنية، والغدد المكونة للحليب، وأنه يمثل 16% من نسبة إصابة النساء بأمراض السرطان الأخرى، لكن نسب الشفاء ترتفع، كلما تم اكتشاف المرض في مراحله المبكرة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/30 الساعة 02:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/30 الساعة 02:59 بتوقيت غرينتش

في العام الماضي، توفيت "طنط آمال"، والدة إحدى صديقات الطفولة، وذلك بعد بضعة أشهر من خوض معركتها مع مرض سرطان الثدي ببسالة، تدل على قوة النساء في مواجهة الألم، تعادل قدرتهن على منح الرعاية والمحبة لعائلتهن وأحبائهن.

وفاة طنط آمال كانت نقطة فاصلة في اهتمامي بمرض سرطان الثدي، الذي كان قبل تلك الحادثة مجرد أرقام وإحصاءات، تشير إلى إمكانية إصابة امرأة، من بين كل ثماني نساء على مستوى العالم بذلك المرض.

وتذكر الدراسات ارتفاع نسبة الإصابة بذلك المرض في بلدان أميركا الشمالية والسويد واليابان إلى 80%، ووصولها إلى نسبة 40% في الدول منخفضة الدخل، أو الدول النامية.

ورغم ارتفاع النسبة المذكورة، فإن شعوري بقسوة المرض وخطورته على فقد من نحب، وصلت إلى ذروتها، بعد اكتشاف طنط آمال إصابتها بالمرض، التي كنت أراها امرأة من طراز فريد، برائحتها التي تشبه خليطاً من زهرة البرتقال، واللوز، والفلفل الحلو، وبيتها النظيف المرتب دائماً، ووصفاتها السرية للأكلات والحلويات.

كانت طنط آمال ربة بيت كلاسيكية مبدعة، وسيدة مطبخ من طراز فريد، صحتها جيدة بالنسبة لمرحلتها العمرية، ودائمة النشاط والحركة، وسعيدة: تضحك، وتغني، وتكره الحزن، فكيف وجد سرطان الثدي طريقه إليها؟

حين رجعت إلى المصادر الطبية المتاحة على الإنترنت، عرفت أن ذلك النوع من السرطان يبدأ عادة بخلايا سرطانية ببطانة القناة اللبنية، والغدد المكونة للحليب، وأنه يمثل 16% من نسبة إصابة النساء بأمراض السرطان الأخرى، لكن نسب الشفاء ترتفع، كلما تم اكتشاف المرض في مراحله المبكرة.

ومن أهم أسباب الإصابة بمرض سرطان الثدي، نجد أن الخمول البدني يأتي في المرتبة الأولى، بنسبة 10%، إضافة إلى الزيادة في الوزن والتدخين وتناول الكحوليات والعوامل الوراثية.

عليه يمكن القول: إن طنط آمال لم تكن لديها أي من تلك المسببات، إلا عامل التقدم في السن فقط، ومع ذلك فقد بات على صديقتي وأخواتها الانتباه إلى العامل الوراثي لسرطان الثدي، الذي ظهرت أعراضه على والدتهن، كورم خفيف، غير مصحوب بألم، أسفل الإبط الأيسر، وقد ظنته طنط آمال التهاباِ معتاداً بسبب تغير الفصول، ولم تستشعر حقيقته، إلا بعد أن انتقل الورم إلى موضع آخر.

وهو ما عرفت بعد ذلك أنه يمثل المرحلة الثانية أو الثالثة من مرض سرطان الثدي، التي يكون خلالها السرطان قد وصل إلى العقد الليمفاوية في منطقة الإبط؛ لتبدأ بعد ذلك المرحلة الرابعة، التي تمثل الانتشار إلى باقي خلايا الجسم، وبخاصة العظام، والكبد، والرئتان.

أما المرحلة الأولى، فتكون الخلايا السرطانية محصورة في منطقة الصدر فقط، وهناك عدد من الأعراض التي يمكن أن تلاحظها المرأة، خلال الفحص الذاتي للثدي، التي تتوفر معلومات عنها على موقع منظمة الصحة العالمية، وينصح أن يتم الفحص بشكل شهري، عقب انتهاء الدورة القمرية.

وتشمل تلك العلامات التغير في الملمس، أو الحجم، الشعور بألم فى الحلمة، أو انقلابها إلى الداخل، وحدوث تقشير، أو احمرار، أو تورم بها، كذلك ظهور تجاعيد كقشر البرتقال، وإفراز سائل.

بالطبع فإن الفحص الذاتي لا يغني عن الكشف السريري، أو التصوير الشعاعي، الذي يجب أن يتم بشكل سنوي للنساء فوق سن الأربعين عاماً، وأيضاً اللاتي لهن تاريخ وراثي مع المرض.

ويعتبر جيلنا من النساء محظوظاً، بسبب زيادة الوعي بمرض السرطان، واهتمام الجمعيات النسائية بالتوعية بضرورة الكشف المبكر، فضلاً عن المستشفى الخيري الجديد "بهية"، الخاص بمرض سرطان الثدي، الذي يقدم علاجاً منخفض التكاليف.

بالعودة إلى طنط آمال، لا يمكن إغفال الحديث عن الجزء الأكثر حزناً المتعلق بمرض سرطان الثدي، وهو إجراء عملية إزالة الثدي، بأمر من الطبيب، للحيلولة دون انتشار السرطان في أنحاء الجسد.

أتخيل كيف كان وقع قرار الطبيب على تلك السيدة ذات الشعر الأسود الفاحم، المعتزة بأنوثتها، وأحاول أن أقدر مدى الحزن، والمرارة، والقوة التي تحلت بها، حتى توافق على إجراء العملية.

أقارن ذلك بموقف الممثلة الأميركية أنجلينا جولي، التي قامت بإجراء عملية استباقية لإزالة الصدر، للتقليل من احتمالية إصابتها بسرطان الثدي، بنسبة تزيد عن 90%، كمرض وراثي عن أمها.

أتخيل موقف المرأتين، وأرى فيهما ثمناً قد تدفعه النساء، في شجاعة وصبر، للمحافظة على حياتهن، من أجل أحبائهن، وكل من سيتوقف عالمه، إذا غابت المرأة الأم والحبيبة والصديقة، بفعل سرطان الثدي.

بعد العملية، انتقلت طنط آمال إلى جلسات العلاج الكيماوي، كانت تعود بعد كل جلسة في حالة من الإعياء، يصاحبها القيء، والاكتئاب، كظل يهدد حياة الأسرة.

لكن صديقتي وأخواتها لم يستسلمن، قررن الاستعانة بصديقات العائلة، لزيارة طنط آمال بصفة منتظمة، وإضفاء جو من المرح على المنزل، وكنت واحدة من تلك الصديقات، وأذكر وقتها كيف أن رحلة العلاج القاسية لم تنل من قوة روح طنط آمال، وضحكتها الدافئة.

ليتني كنت أستطيع وضع نهاية سعيدة لطنط آمال، فقد أسلمت الروح إلى خالقها بعد ذلك ببضعة أشهر، بعد أن انتشر السرطان في جسدها، لكنني عاصرت مع ذلك الكثير من المتعافيات من سرطان الثدي، اللاتي استطعن التغلب على المرض، وما زلن يكافحن ضد هجماته المرتقبة.

لكن يمكنني القول: إن طنط آمال تغلبت على مرض سرطان الثدي بطريقتها الخاصة، وأنها كانت سعيدة ومحاطة بكل من تحب، في أصعب مراحل المرض فتكاً بالجسد، حين لم تعد أقوى المسكنات تجدي نفعاً.

ورغم مرور عام على رحيلها، ما زلت أشم رائحتها، مزيج من زهرة البرتقال، واللوز، والفلفل الحلو، كلما ذهبت إلى بيتها، وأسمع ضحكتها تجاري حديثنا الصاخب، وأرى عينها فى وجه صديقتى، فأبتسم.

أخيراً إن المعلومات الواردة في المقالة السابقة، اعتمدت على تقارير صادرة عن منظمة الصحة العالمية، والمؤسسة المصرية لمكافحة سرطان الثدي.
والمقالة جزء من مشروع "الكتابة في المجال العلمي"، لمعهد غوتة، والهيئة الألمانية للتبادل الثقافي، والمدعومة من قبل وزارة الخارجية الألمانية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد