في خضم الأجندة المزدحمة التي حفلت بها وسائل الإعلام المختلفة والتي تصدرتها تلك القادمة من باريس فإن خبرا واحدا ضمن لنفسه حيزا على شاشات التلفاز وصفحات الجرائد ألا وهو تمكن العلماء في الولايات المتحدة من زراعة وجه لعامل إطفاء تعرض وجهه لتشوه نتيجة حروق بالغة أصابته خلال قيامة بعمله وهي عملية وإن لم تكن الأولى فإنها الأكثر تعقيدا.
ترى هل يستحق هذا الخبر هذه الضجة التي أقيمت حوله؟ وهل تحتاج عملية تبديل الوجوه كل هذا الجهد والكلفة؟
ألا نقوم يوميا بتغيير وجوهنا حسب ما تمليه علينا مصالحنا؟ ألا يقال في موروثنا الشعبي فلان "موجهن" نكاية عن التلون والنفاق .
ألا تكفي جولة قصيرة على مواقع التواصل الاجتماعي لنختبر قدرتنا الهائلة على التلون, فعلى صفحات هذه المواقع تتقاطع ذواتنا الحقيقية مع تلك المثالية التي نتطلع أن يرانا الناس من خلالها ونطمح أن تنطبع في أذهانهم عنا، فنقوم بالتخلص من جوانب عديدة من ذواتنا الحقيقية التي نعتقد أنها قد تخدش الصورة المغرقة في المثالية التي نود تمريرها عنا .
إنها زراعة الوجوه بلا ألم ولا حتى تأنيب ضمير ولن تحتاج إلى أي من مثبطات المناعة لأن احتمالية تقبلنا للوجه الجديد مضمونة فالضمير الذي قد يؤنبنا قد دخل في حالة "كوما" من فرط إدمانه على تلوننا.
في علم زراعة الأعضاء هنالك نوعان من الزراعة إما ذاتية أو من خلال متبرع ولكل خصائصه وموجباته و يبدو أن ما نحن بصدده في هذه الحالة هو النوع الثاني فالأول قد أشبع استخداما .
لقد أخاطوا قناعا ولم يزرعوا وجها فالوجه أعمق بكثير وأكثر تعقيدا من قطعة الجلد "التي قد تكون قد اختلطت بعظم " والتي نقلوها من مكان لآخر فالوجه التشريحي ليس إلا مرآة لعملية معقدة ليس التشريح أهم عناصرها .
فالوجه هو أحد أكثر المؤشرات التي يمكن الاعتماد عليها لمعرفة موقف ومشاعر وعواطف الإنسان, وهو الحاكي لوضع الإنسان و لانفعالاته الداخلية. وقد تخون تعبيرات الوجه عواطف الإنسان وحالته .
و هو المرآة التي تعكس دواخلنا لكنه ككل المرايا منها المسطحة ومنها المحدبة ومنها المقعرة, منها ما ترينا الصورة مجردة ومنها ما ترينا إياها مكبرة أو مقلوبة ترينا اليمين يساراً واليسار يمينا وهو الصفحة التي يخط الزمن آثاره عليها قبل أن يغادرنا.
لذلك فقد اختار رب العزة الوجه ليكون المكان الذي تعلن من خلاله نتائج الامتحان الكبير يوم تبيض وجوه وتسود وجوه وعندها لن يكون إلا وجه واحد يعكس الحقيقة حيث لا زيف ولا نفاق .
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.