ماذا يحدث داخل قلب الأم؟

تخاف عليهم من قسوة الأيام، تخاف من أن يطلبوا شيئاً فلا يجدوه، تخاف من أن يتعثروا في علمهم أو عملهم أو زواجهم، وتخاف أكثر شيء من أن يضعف إيمانهم. تخاف من أن يرفع أحد ما صوته في وجه ابنتها، تخاف من أن يكسر أحد قلبها، تخاف من أن يخيب أحدهم ظنها! تخاف عليهم مِن كل شيء!

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/08 الساعة 03:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/08 الساعة 03:39 بتوقيت غرينتش

عاد من المدرسة متعباً مكدر الوجه، ركضتْ والدته بلهفة لتحتضنه:

– لقد اشتقت لك كثيراً، ولكن ماذا بك يا صغيري؟
– أشعر بالبرد يا أمي، لقد كان الجو بارداً جدًّا على الرغم من ارتدائي معطفي.

سارعت الأم لتساعد صغيرها في تغيير ثيابه، وغسل وجهه، ثم أعدت له بعض الطعام وشراباً من الفيتامين.
جلستْ بجواره ترجوه أن ينهي الشراب الذي أعدته له ليقوى جسده بعون الله.
تنظر إلى وجهه وهو يشرب وتبحث عن لمحات تحسن في صحته.

تقول في نفسها: كم هو مؤلم مرض طفلي، ليت المرض كان لجسدي وليس لجسده الصغير.

ثم تذكرت صديقتها!

يا الله كم تعاني وابنها مصاب بمرض مزمن، يصعب شفاؤه، وسيما المرض لا يفارق محياه!
يا الله، كيف تستطيع الحياة مع كل هذا القدر من الحزن والألم، يارب صبر قلبها!

ثم تذكرت أمهات المعاقين والجرحى والمصابين، الأم التي قطّع قصف طيران الأسد الهمجي وشريكه الروسي المجرم أوصال ابنتها أو ابنها، يا الله، كيف تستطيع أن تتحمل ذلك الوجع الذي لا يمكن أن يوصف، وقلبها هي لا يتحمل أن ترتفع حرارة صغيرها ويشعر بالمرض!

تمسح على رأسه وهي تقرأ الرقية الشرعية، وترجو من الله ألا يريها في أولادها سوءاً، وأن يجعل يومها قبل يومهم، ولكن!
يا الله ماذا سيحدث لصغاري من بعدي؟ أيتام!

لا سمح الله، أن ينضموا لقائمة من مئات آلاف الأيتام الذين غصت بهم طرقات سوريا وبلاد اللجوء!
كلمة "يتيم"، كافية لأن تشعل في داخلها إعصاراً مدوياً من الحسرة والألم!

لقد كانت له أم مثلها ذات يوم، تحب له كل الخير والسعادة والصحة والكرامة في الكون.
تؤويه وترعاه وتحميه وتطعمه بيدها وتغطيه، وتحضنه! نعم تحضنه!

لا بد أن حضن الأم وحنانها هو أكثر ما يفتقده الصغير! ومن بعد الأم من؟
حتى إن آووهم في بعض دور الأيتام، فمن النادر أن يجدوا حضناً حقيقيًّا وكرامة!

بل إن الأغلب أن يُستذلوا في الدور وتهان كرامتهم ويجبروا على الخضوع للمسؤولين في الدار بدلاً من أن يُرعوا ويعاملوا بكرامة وحنان!

ما الذي يمكن أن يحمي طفلاً يتيماً من الأذى، من عصابات الإجرام والتسول والجنس والدعارة؟

ما الذي يمكن أن يعوض طفلاً صغيراً يتغذى بالحنان، عن أهم ما يحتاجه لينمو وينضج سويًّا؟

هؤلاء الأطفال الأبرياء، هم كنز للأمة إن تمَّت رعايتهم وهم مسؤولية كبرى على عاتقنا جميعاً وعلينا جميعاً أن نسعى لكفالتهم المادية والمعنوية، فالمادة ليست فقط ما ينقصهم! ودور الأيتام المعروفة منذ الأزل بسمعتها السيئة تحتاج لمن يمارس الرقابة الحقيقية عليها، وحبذا لو تمت الاستعاضة عنها بكفالة الأيتام بضمهم للأسر بدلاً عن الدور ليحيوا حياة طبيعية كغيرهم من الأطفال مع ما يشبه الأم والأب، لعلهم يجدون عندهم بعض العوض.

لا يمكن أن يحدث كل هذا إلا لحكمة يعلمها الله ونحن نؤمن بالقدر خيره وشره كركن من أركان الإيمان.
لا يمكن أن يمر كل هذا دون حساب أمام الله، أما الصابرون فيوفون أجرهم بغير حساب.
ويدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب.
ألهمهم الصبر يا الله، واجعل لهذه المأساة نهاية تثلج صدور اليتامى والمصابين والمظلومين في الدنيا قبل الآخرة.

دُهشَتْ للأفكار التي أخذها لها مرض صغيرها وخوفها عليه!

كم وجودنا هش يا إلهي! وكم نغترُّ ونحن أمام بضع درجات على ميزان الحرارة تنقلب معنا الدنيا بما فيها!
ماذا يحدث حقاً داخل قلب الأم؟
كم هو مقدار الرحمة الذي يمكن أن يحتويه!

فكرت في نفسها:
ماذا لو جاء الصغير ولم أكن في المنزل؟
كيف كنت سأشعر بمرضه وأعتني به؟
كيف كنت سأستلقي بجواره ليقص عليّ حكاياته الطفولية العذبة، أجمل ما يمكن أن تسمعه أذناي، حديث أطفالي المطول بعد عودتهم من المدرسة، وكل منهم لديه كتاب من الحكايات ليرويه لي!
كم يحتاجون لمن يسمعهم ويشاطرهم همومه الطفولية!
كم يفتقد أطفال الأم العاملة أو المشغولة وجود أمهم، الذي لا يمكن لشيء في العالم أن يعوّضه، فيحيون أيتاماً وأمهاتهم على قيد الحياة!

لو تدري تلك الأمهات مقدار متعة وروعة ساعات الحديث مع أطفالهن، لتركن كل شيء، إلا لضرورة قصوى وبقين معهم حتى يكبروا تماماً ويعتمدوا كليًّا على أنفسهم و يبدأوا حياتهم الجديدة.

ليس العمل خارج المنزل -مهما كان- أهم من حياة الأم مع أطفالها، ووجودها معهم وقت عودتهم من مدارسهم أمر شديد الأهمية.
لا يمكن للأم أن تكون مهمة في حياة أي فرد في العالم أكثر من أهميتها في حياة أبنائها، فهي تمثل لهم فعلاً كل شيء.

وهي برغم أنها تريدهم أن يقووا ويعتمدوا على أنفسهم، إلا أنها تخاف عليهم أيضاً من كل شيء.
تخاف عليهم من قسوة الأيام، تخاف من أن يطلبوا شيئاً فلا يجدوه، تخاف من أن يتعثروا في علمهم أو عملهم أو زواجهم، وتخاف أكثر شيء من أن يضعف إيمانهم.
تخاف من أن يرفع أحد ما صوته في وجه ابنتها، تخاف من أن يكسر أحد قلبها، تخاف من أن يخيب أحدهم ظنها!
تخاف عليهم مِن كل شيء!

تتمنى لو تكون هناك لتمنع مديرها من أن يزعجها ويؤذيها!
تتمنى لو تكون هناك لتمنع صديقه من أن يدفعه ويوقعه!
تتمنى لو تكون هناك لتلبسه معطفه ساعة يشتد البرد!
تتمنى لو تكون هناك ساعة يشتهي طبقاً ساخناً مِن طعامه المفضل!
تتمنى وتخاف، وترحم وترجو!

ما هذا الذي يحدث داخل قلب الأم؟! ما هذا؟!

إنها الرحمة، واحد من تسعة وتسعين جزءاً من رحمة الله.
إن كانت هذه رحمة قلبها يا الله، فكيف رحمتك؟
لرحمتك، برحمتك نسلم قلوبهم، قلوب كل الأطفال، وقلوب كل المصابين والجرحى والمعتقلين والمشردين، وقلوب كل من كانوا إخوتنا فرحمناهم وخفنا عليهم بقلب الأم أيضاً:
لرحمتك يا الله، نسلم هذا الكوكب ومن فيه:
لله الرحمن الرحيم…

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد