زادت أعداد الشبان الفلسطينيين الذين يعانون من إعاقات في أرجلهم، ويتهم العديد منهم ضابطاً إسرائيلياً يُدعى "كابتن نضال".
يعرج محمود إلى غرفة معيشة أسرته، وتلتف الضمادات حول ساقه اليسرى من الركبة إلى الكاحل. يجلس، ويضع عكازاته جانباً وأمامه على الطاولة هاتفه وعلبة سجائر واثنتان من لفات الضمادات وبعض المسكنات، وفقاً لما نشره موقع Middle East Eye.
على الرغم من أن محمود أصيب بطلق ناري في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلا أن أطباء الضفة الغربية المحتلة لم يكونوا قادرين على التعامل بشكل مناسب مع جرحه الذي لا يزال مفتوحاً تحت الضمادات.
قال محمود من منزله في مخيم الدهيشة للاجئين "إن الألم لم يتوقف أبداً" . وتابع "خلال الأشهر التسعة الماضية، لم أخرج من البيت إلا نادراً، وللذهاب للطبيب فقط. ولكن الآن يقول الأطباء هنا أنهم لا يستطيعون مساعدتي".
هل يشل الجيش الإسرائيلي المراهقين عمداً؟
تكررت قصة محمود في جميع أنحاء مدينة بيت لحم، حيث تم إطلاق النار على ما لا يقل عن 83 شاباً فلسطينياً على يد القوات الإسرائيلية منذ بداية العام. وفقاً لتقرير صادر عن مركز بديل، أصيب ما لا يقل عن 30 شاباً منهم في مخيم الدهيشة خلال الهجمات الإسرائيلية، وتركزت إصاباتهم في الساقين أو الركبتين.
مركز بديل قال إن الضفة الغربية المحتلة -وخاصة بيت لحم- شهدت زيادة في "الاستهداف المنهجي للفلسطينيين"، مخلفاً العديد من الجرحى منذ بداية العام.
قواعد الاشتباك بالجيش الإسرائيلي غامضة، على الرغم من أنه كثيراً ما ذُكر أن المطلوب هو استخدام الحد الأدنى من القوة لـ"تحييد" أي حالة، وهو الأمر الذي قد يُشير إلى الإصابة أو إلى استخدام القوة المميتة.
ما يعنيه هذا الكلام عند تطبيقه على الأرض أصبح موضوعاً ساخناً للمناقشة، وتواصل القوات الإسرائيلية تلقي الإدانات الدولية لاستخدامها غير المبرر للذخيرة الحية، والتي غالباً ما تُسبب إصابات دائمة أو حتى تقتل.
ورداً على طلب للتعليق بشأن متى يمكن استخدام القوة مع وجود النية للإيذاء؟ قال متحدث باسم الجيش الاسرائيلي إن القوات الإسرائيلية لديها "قواعد اشتباك واضحة حول متى يمكن استخدام القوة ويمكن تطبيقها. قيمة الحياة البشرية هي القيمة الأساسية بالنسبة لجيش الدفاع الإسرائيلي وتُراعى في كل من التخطيط والأنشطة التنفيذية". لم يتحدث باستفاضة حول ماهية تلك القواعد بالضبط.
يُداهم مخيم الدهيشة -موطن لأكثر من 15,000 لاجئ فلسطيني- من قِبل القوات الإسرائيلية بشكل شبه أسبوعي. تندلع اشتباكات عنيفة في الكثير من الأحيان وتختبر بانتظام قواعد الاشتباك الإسرائيلية.
يقول شباب الدهيشة أن القوات الإسرائيلية بدأت مؤخراً في إطلاق النار على أرجلهم في محاولة تهدف لشلّ أولئك الذين يشتبكون مع القوات الإسرائيلية في المخيم.
وفقاً لتقرير مركز بديل، ففي ثلاث مناسبات داهمت خلالها قوات الاحتلال المخيم بين نهاية يوليو/تمّوز ومنتصف شهر أغسطس/آب "أُصيب 18 شاباً تتراوح أعمارهم بين 14 و 27 في أرجلهم"، 8 منهم مباشرة في الركبة وأكثر من هذا العدد في كلا الساقين.
"الكابتن نضال" يصبح بؤرة الغضب
قال محمود وعدة أشخاص آخرون إلى (Middle East Eye ) إنهم يعتقدون أن الزيادة في إصابات السوق أتت نتيجة لحملة متعمدة يقودها قائد عسكري إسرائيلي يعرف فقط باسم "الكابتن نضال"- وهو اسم مستعار لرجل من أصل يهودي إسرائيلي، قيل إنه هو المسؤول عن الأنشطة العسكرية الإسرائيلية داخل مخيمات اللاجئين الثلاثة في بيت لحم.
قال محمود "الكابتن نضال هو أسوأهم. الجميع في بيت لحم يعرفون عنه، وكل من كان في السجن من بيت لحم قد قابله".
في الشهر الماضي، تمكن شباب المخيم من التقاط صورة مشوشة "للكابتن نضال" خلال غارة إسرائيلية. ثم قاموا بطباعتها على لافتة علقت في المخيم، فيما يلي نصها "مرحباً بك في الجحيم يا كابتن نضال. جنودك سيكونون في المقبرة".
قال السكان إن الملصق أُنزل بواسطة القوات الإسرائيلية في اليوم التالي، والذي أثار حملة على المخيم من قبل "الكابتن" الذي -كما قالوا- قام بإطلاق العديد من التهديدات الشفهية ضد الشباب المحلي.
قال شباب المخيم لمركز بديل إن "الكابتن نضال" قال لهم "سوف أشل نصفكم وأترك النصف الآخر يدفع كراسيكم المتحركة".
بعدها مباشرة، بدأت مجموعة من الصور لشباب من الدهيشة مصطفين ومبتسمين على عكازين وعلى الكراسي المتحركة، وبالضمادات على ركبهم تظهر على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي. كما تم تبادل بعضها تحت شعار "حملة العكازات".
لم يرد جهاز الأمن العام على طلب (Middle East Eye) للتعليق على مزاعم التهديدات التي أطلقها "الكابتن نضال". ولكنه بالرغم من ذلك قام بالرد على مقال صحيفة هآرتس بخصوص نفس القضية، وقال "في إطار أنشطة ضباط الأمن للحفاظ على أمن المنطقة وحماية السكان من التهديدات الإرهابية، فقد حرصوا على وجود حوار يومي مستمر مع السكان المحليين. وقد تم فحص الادعاءات التي أثيرت في مقالتكم ووجدت أنها ليس لها أساس من الصحة".
أحد الشباب -والذي طلب ألا يُذكر إلا اسمه الأول فقط، والذي كان مصادفةً نضال أيضاً- قال إنه أصيب بطلق ناري في الساق قبل عامين تقريباً خلال الأسبوع الأول "للكابتن نضال" في قيادة العمليات العسكرية في مخيمات بيت لحم.
قال الشاب الفلسطيني إنه "كان واضحاً منذ البداية أن"الكابتن نضال" يُريد أن يكون أول قائد "ينتصر" في المخيم". وتابع "إنه يريد أن يكون أول من يكسرنا، وهذا حتى يتمكنوا من دخول المخيم بسهولة". وقال إنه -حتى الآن- القوات الإسرائيلية غير قادرة على دخول مخيم الدهيشة للاجئين دون أن يقذف الشباب الفلسطينيين بالحجارة على الجنود.
على الرغم من خضوعه لعمليات جراحية في تسع مناسبات، لم يتعاف نضال تماماً بعد من إطلاق النار عليه. ولا يزال يمشي على عكازين.
كيف يعوق الروتين التعافي الطبي
بسبب العدد المتزايد من الجرحى على مدى الأشهر القليلة الماضية، قرر نضال ومحمود وعدد من أصدقائهما البدء في حملة لدعم من أصيبوا بجروح، ومساعدتهم على التعامل مع الصدمات النفسية اليومية التي أصبحت كأنها الوضع الطبيعي الجديد في المخيم.
في حين أن ظهور الحملة هو أولاً وقبل كل شيء انعكاس للتصعيد الإسرائيلي في استخدام الذخيرة الحية ضد شباب المخيم، فإنه يُسلط الضوء أيضاً على عدم قدرة السلطة الفلسطينية على مواجهة آثار ما يدعونه بسياسة "الكابتن نضال" من التصدي للهجمات وتوفير الدعم الطبي المناسب أيضاً.
قال نضال "الأطباء ليسوا مدربين بشكل جيد، وليس لديهم المعدات والأدوية المناسبة لعلاج الأطفال الذين يُصابون بالطلقات النارية". وتابع "أصبح معقداً جداً أن تعرف ما المكتب الذي تذهب إليه من أجل حبوب الدواء أو من أجل الموافقات على بعض العمليات الجراحية".
"البيروقراطية معقدة لدرجة أن الكثير من الوقت يضيع لمجرد الحصول على عكازين من المستشفيات لأنه لا يوجد ما يكفي منها".
وقال نضال إن العامين الماضيين من التعافي لم يتميزا فقط بآلام جراء جرحه، ولكن أيضاً بالإحباط من القتال للحصول على الرعاية الطبية المناسبة.
وأضاف "في الآونة الأخيرة، كان هناك الكثير من الإصابات بالطلقات النارية، وأنا وأصدقائي الذين مررنا بالفعل خلال هذه العملية من قبل تحدثنا عما يمكننا القيام به لمساعدتهم، لذلك قررنا أن نبدأ مجموعة تضامن للدعم اللوجستي والنفسي لمساعدة الآخرين خلال عملية الشفاء".
في حين إن المجموعة بدأت فقط منذ نحو 3 أسابيع، فقد قدمت بالفعل عالم مختلف إلى مؤيد، وهو شاب يبلغ من العمر 19 عاماً أُصيب في التاسع من أغسطس/آب الماضي. أُصيب بطلقة في الشريان الفخذي في فخذه اليسرى خلال غارة ليلية إسرائيلية على المخيم.
قال مؤيد إن "الدم كان يتدفق خارجاً من ساقي مثل هذا" راسماً قوساً كبيراً في الهواء. وأضاف " ظللت أُفكّر: إذا مت فلا بأس، لكني لا أُريد أن أفقد رجلي".
نُقل مؤيد سريعاً إلى المستشفى في سيارة أجرة ودخل في غيبوبة لمدة 7 أيام. بعد 10 أيام من استيقاظه، لم تتسلم المستشفى بعد حسابها لا من عائلته ولا من السلطة الفلسطينية، وهي المسؤولة عن دفع 50 % من فواتير المستشفىات الخاصة لأولئك المصابين على أيدي القوات الإسرائيلية.
أخبره المستشفى بأن يُغادر، لكن مؤيداً -الذي كان من المقرر أن يخضع لعملية جراحية أخرى في اليوم التالي- رفض. عندما وصلت شرطة السلطة الفلسطينية إلى المستشفى لإجباره على مغادرة سريره في المستشفى، استدعى مؤيد نضالاً – رئيس حملة التضامن المتزايدة-. تمكن في نهاية المطاف من إقناع المستشفى بإجراء العملية الجراحية والسماح لمؤيد بالبقاء خلال الفترة المتبقية من علاجه.
قال مؤيد "الرجال أنقذوني. شعرت شعوراً حسناً عندما علمت أن بقية الشباب في المخيم كانوا يدعمونني، وأنني لم أُصب وفقط. نحن متماسكون معاً، بغض النظر عن أي أمر".
"لست نادماً على الخروج في تلك الليلة. إذا كان علي أن أفعل ذلك مرة أخرى، سأفعلها. هذا طبيعي بالنسبة لنا. نحن نحمي وطننا. هذه الجهود لإصابتنا جميعاً في أرجلنا لن تفلح، لأننا مخلصون لمجتمعنا".
– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.