يبدو أن العنوان صادم، أو قل أكثر بأنه غير واقعي، فهل صحيح سيأتي اليوم الذي يسقط فيه عالم السوشيال أو فضاء الإعلام الاجتماعي، الذي بات جزءًا أساسيًّا من حياتنا، حتى أصبح كالماء والهواء، لكن أخبرك أن النهاية ليست بعيدة. فالسوشيال ميديا ليست وجه واحد، بل هي أوجه متعددة، ولن تستطيع حصر تعريفاتها، فهي كل يوم تضيف تقنيات جديدة بأساليب متطورة، تجعل من الصعب الركون إلى تعريف جامع مانع كما يقول المناطقة.
إذن ما القضية؟
من هنا نبدأ، القضية في حجم التسطيح الذي نعيشه وقد أدركناه بفعل الومضة العنكبوتية التي نعيش في عالمها. نعم، فوسائل الاتصال الاجتماعي أشبه بالموضة التي تحول شيئا لا قيمة له إلى عدَّاد تتضاعف أرقامه وقراءاته في لحظات، ليصبح متابعوك في تلك اللحظة ألف مشاهد ثم ألفين، ويتضاعف العداد لتدخل في حسابات هذا الفضاء المعقد.
أين المشكلة؟
بالطبع ليست المشكلة في هذا العداد الذي يتضاعف، لكن حجم الزيف الذي بتنا نتناوله حتى أصبح تكنيك لحظي شعاره كيف نخدع هذا المتصفح الذي يمسك بهاتفه "الإسامرت"، أو الآخر الذي يجلس خلف شاشة "اللاب توب" الخاص به، لننتقل من عالم الفضاء المعرفي إلى خرائب المعرفة التي تهدم أي نسق فكري.
أنت شخص غامض!
مهلاً سيدي القارئ، قبل أن تتهمني بالغموض، أعمل عقلك معي، هل عدت تصدق المنصات الإعلامية وصفحاتها على وسائل التواصل الإجتماعى.. مرة أخري قبل أن تجيب سأبادرك بإجابتي أنا التي أقتنع بها، وهذا تعدٍّ على خصوصيتك، لكن أسمح لي بهذا الأمر، فقد اعتدت على اقتحام خصوصيتك، وإعادة تشكيلها في كل لحظة، بما يتانسب مع إثارتك بهدف كسب نهم أكثر لمتابعتك.
كيف ذلك؟
عملي في الصحف -وخصوصاً المصرية- مكنني من ذلك، فمكاتب الصحف العربية تحاول نقل رسالة لها من القاهرة، لذا قد تبدو مهنية نوعاً ما، فلن تستغل عنوان صحفي لخداعك أنت إيها الفريسة للفوز بنقراتك، لكن أبرز ما ستفعله أنها ستبرز الجانب السلبي أو الإيجابي لهذا التقرير أو ذاك، لتخدم منصتها الإعلامية أو أجندتها، وللتوضيح فالكلمة الأخيرة ليست عيباً أو حراماً، فكل وسيلة إعلامية لا تملك أجندة لا تملك مبرر وجودها.
لكن سأعود مجدداً إلى خداعك أنت، فقد تعلمت في عملي أن خداعك هدف، لأنني في حاجة إلى عدد نقرات زياراتك التي تمنح هذه المؤسسة أو غيرها مساحة إعلانية يتم ترجمتها إلى نقود كلما زادت تلك النقرات، قبل أن تتحول إلى "شير" يتم تداوله بين الصفحات المختلفة.
النهاية مجدداً
يبدو أنني بدأت أوضح ما أعنيه وما قصدته بتلك النهاية التي أراها واقعية كلما تناسب ذلك طردياً مع درجة الوعي -فكلما ارتفع الوعي قل النهم إلى الإثارة- لتنخفض النقرات التي تحولت إلى مفتاح الكنز لأولئك القابعين على مكاتبهم الوثيرة من مديري التحرير والمسؤولون عن صفحات صحفهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وهم يتحركون بزهو بعد تحقيق انتصار زائف بعنوان يُفقد الصحيفة مصداقيتها والصحفي مهنيته، التي قلما باتت العنصر المحرك في صانع المادة التحريرية.
تململ الجمهور
الذي يبرر السقوط هو حالة التململ بين قطاع واسع من جمهور عريض عبر صفحاتهم الاجتماعية من هذا الزيف الخبري المتداول، والتي يمكن ترجمتها حال اعتمدنا منهج بحث علمي يقوم على الرصد والتحليل لكشف معدلات انسحاب الأعضاء من صفحات تلك الصحف، ومحاولات عناصر السوشيال ميديا المستميته لجذب أعضاء جدد لتعويض خسائرهم.
لكن أعتذر للقارئ المحترم فهذا الاتجاه يبدو صعبَ التحقيق، لظروف كثيرة لم تتح لكاتب المقال اعتمادها، لكني قررت طرح رؤية نقدية ربما تفتقد للمنهج العلمي، لكن روحها يهدف إلى البناء المعرفي، لهذا التجسيد النظري الذي نعيشه يومياً، بل في كل لحظة ننفر فيها من هذا التعامل غير الإخلاقي مهنيًّا.
تراجع النقرات
إذان ستأتي الخطوة التالية وهي مرحلة ما بعد التملل والنفور، هو إلغاء الإعجاب بصفحات كثيرة لصحف يفترض أنها كبيرة، ليأتي جرس الإنذار من مسؤولي هذه الصفحات لقيادتهم "نحن الآن في خطر!".
يجب أن يضع مسؤولو التحرير هذا العبارة في آذانهم، والتي صنعوها بفعل ما اعتقدوه نجاحاً، لكن هي "فهلوة" لحظية لن تصمد أمام ريح التغير التي بدأت تتشكل ملامحها عبر جبهات ومنصات وصفحات تنتقد التعامل مع عقل المتابع والقارئ بسخرية.
فضلاً عن تراجع نهم الكثيرين حول متابعة الأخبار التي تحمل مدلولاً جنسيًّا، أو عناوين غير كاملة، مثال: تجد صفحة لجريدة يومية كبرى تضع عنوان "الحكومة ترفع الدعم عن المواد البترولية"، ليحقق هذا الخبر معدلات قراءة مرتفعة، ليكتشف القارئ بعد الولوج لرابط الخبر، أن الحكومة المعنية هي الحكومة السعودية، وأن ذلك الإجراء الذي اتخذ بشكل جزئي كان بسبب عجز ميزانية المملكة الأخيرة، نتيجة الهبوط الحاد للذهب الأسود، والذي يمثل عماد اقتصادهم.
ليتحول الأمر إلى سَبّاب من القارئ الذي اعتقد أن الخبر يخص جمهورية مصر العربية، على اعتبار أن الصحيفة مصرية، ومن غير الوارد ذكر اسم "الحكومة" على حكومة دولة أخرى، باعتبار أن الأمر بهذه السهولة الفجة.. ليبدو في المثال السابق لعضو فريق السوشيال ميديا، وهو مشغول بفرحة تغمره وهو يتابع معدلات القراءة على "غوغل أنليتس" أنه حقق انتصاراً، لكن ما لا يخطر على ذهنه أنه أفقد الكثير من متابعيه تلك المصداقية التي يجب أن يتمتع بها.
والأمثلة كثيرة على العناوين والموضوعات التي لا تمتُّ بصلة لمتن المادة التحريرية، وما بين الجانب المنشور لتسويق تلك المادة عبر منصتها أو صفحتها الرسمية، كذلك الأمثلة أكثر على صحف ورقية كانت تحقق معدلات قراءة مرتفعة وأخرى اندثرت على مدى عشرات السنين في مصر ولبنان وغيرهما في الدول الأوروبية، كانت تعتمد في مادتها التحريرية على الجانب الإثارى، ثم لم يلبث الأمر حتى اقتعلت رياح التغير تلك الفئة من الصحف، والتي بات وجودها محدوداً، ومدرستها أخذت في التكلس.
هزيمة السوشيال
عند هذا الحد تبقى هزيمة السوشيال ميديا وشيكة، إذا لم تحدث صياغة جديدة بين المسؤولين عن تلك المنصات الإعلامية لمعالجة الأمر.
لكني ينغي أن أعيد قاعدة أشارت إليها: "كلما ارتفع الوعي قل النهم إلى الإثارة"، وهو الأمر الذي حدث بشكل تلقائي عند الإجماع الجماهيري للهشتاغ المطالب بوقف ريهام سعيد، مقدمة برنامج صبايا الخير على شاشة النهار، وذلك للرد على تنهاولها لموضوعاتها، التي وجد الجمهور أن أداءها يفتقر للمهنية، والذي وصفه الكثير من المتابعين أنه وصل لمرحلة من الفجاجة خاصة عند التعامل مع ضحايا الصراع السوري.
الواضح أن الإجماع الأخير أجبر شكبة قنوات النهار المصرية، على منع مقدمة البرنامج، والذي استمر لشهور، ما يعني أن مسؤولي المنصات الإخبارية على صفحات التواصل الاجتماعي عليهم إدراك تغير المزاج الجماهيري، وإلا سيتعرضون لهزيمة قاسية تشهد التجارب المختلفة بقربها مهما باعدت المسافات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.