أبقارها لديها مراتب مطاطية وسمادها سيحول قطر لأرض خضراء.. قصة المزرعة التي ستغطي احتياجات الدوحة

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/20 الساعة 16:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/20 الساعة 16:32 بتوقيت غرينتش

الساعة الثامنة مساءً بتوقيت الدوحة، يتوجه جون دور إلى مطار حمد الدولي لاستقبال رحلة قادمة من مطار لوس أنجلوس، تحمل زواراً ليسوا من العائلة أو الأصدقاء، بل حتى لم يكونوا بشراً، إنما هم في الواقع قطيع ماشية يتألَّف من 120 بقرة.

يلعب هذا المزارع الإيرلندي الذي يبلغ من العمر 58 عاماً دوراً هاماً في الأزمة الخليجية، بصفته الرئيس التنفيذي لمزرعة "بلدنا" -60 كليومتر شمال الدوحة – وفقاً لما ذكرته صحيفة الغارديان البريطانية.

وترى الصحيفة البريطانية أن قدرة قطر على الصمود في وجه المقاطعة تمثل اختباراً لما إن كان اقتصاد الدولة الخليجية قادراً على البقاء ومقاومة العقبات التي يواجهها من حصار السعودية وحلفائها مصر والإمارات والبحرين، والتي لا تشمل الحصار المادي فحسب، بل تتضمن أيضاً سحب جيرانه السعوديين والإماراتيين لاستثماراتهم المالية.

وتضيف الصحيفة "إذا ظل الاقتصاد واقفاً على قدميه، ستكون فرص الدوحة في الحفاظ على سياستها الخارجية المستقلة وإجبار السعوديين على تراجعٍ بطيء، وإن كان مُقنَّعاً، أفضل بكثير".

وكما تشهد بناياتها العالية، فإنَّ قطر ليست دولةً تقبل بأنصاف الحلول، لذا عمدت الشركة الأم الكبرى لمزرعة بلدنا، وهي شركة الطاقة الدولية القابضة، إلى بذل الأموال خوضاً لهذا التحدي. ولأنَّ قطر كانت تعتمد سابقاً على المملكة العربية السعودية في الحصول على معظم إمداداتها من الألبان، اضطرت في البداية للاعتماد على كرم حلفائها الإقليميين المتبقين، وبالتحديد تركيا وإيران.

داخل المزرعة


على بعد 50 كم شمال الدوحة، تنتصب أشجار كثيفة ويرتفع سور عالٍ، يخيل للرائي أنه مجرد سور لإحدى المزارع الشخصية المتناثرة في المنطقة.

لكن عندما يدلف الزائر إلى الداخل يجد مشروعا وطنيا ضخما وطموحا، يعمل كل من فيه كما لو كانوا خلية نحل -رغم حرارة الطقس- لتعويض النقص الحاصل في الألبان ومشتقاتها، بعد فقدان السوق القطرية أكثر من 50% من إمداداتها من هذه المواد بسبب الحصار الذي فرضته ثلاث دول خليجية على دولة قطر، وفقاً لما ذكره موقع الجزيرة نت.

ويستورد المزارع دور الأبقار من الولايات المتحدة بأسرع ما يمكن، ويخطط لإكمال قطيعه الذي يبلغ حالياً 4000 رأس – القادر على الاستحواذ على نسبة 30% إلى 40% من سوق الحليب في قطر – بإضافة 10 آلاف بقرة أخرى بحلول الصيف المقبل، وهو ما يكفي لتلبية احتياجات السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من الألبان.

يجري نقل آلاف البقرات حالياً، كل منها إلى حظيرته الخاصة في عنابر عملاقة، حيث لا يزال اللحّامون يكملون بناء السور، فيما زُوِّدت الحظائر بمراوح عملاقة وبخاخات مياه لمواجهة الحرارة الشديدة والرطوبة.

وتتغذى الأبقار على علفٍ جاف وتُحلب ميكانيكياً على آلاتٍ دوارة فائقة التطور قادرة على العمل طوال الـ24 ساعة. ويضم المشروع معرضاً مفتوحاً يتيح للأسر القطرية الراغبة مشاهدة عملية الحلب. وفي مكانٍ آخر بموقع المشروع الشاسع، الممتد على مساحة تزيد على نحو 173 فداناً، تعمل عشرات الحفارات على بسط المنطقة من أجل تهيئتها لبناء مزيدٍ من حظائر الماشية.

وتصف الصحيفة البريطانية العملية برمتها أنها أشبه بخطوط إنتاج السيارات من الصورة الكلاسيكية التي قد تخطر ببالنا عن الحظائر، لكنَّ الصناعة التي عنيت بتهيئة الأراضي للزراعة والمزارع، والتي جرى تبنّيها في مناطق قاحلة من الولايات المتحدة، تنتشر بسرعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

الأمن الغذائي


وقال دور: "كانت المقاطعة الخليجية مفيدة لقطر بشكلٍ ما، إذ كانت أشبه بصرخةٍ أيقظت البلاد كلها، وجعلت أفرادها مُدرِكين لكل الفرص المتاحة بها، وليس في الزراعة فحسب. فقطر كانت تستورد ما يقرب من 80% من مخزونها الغذائي من الدول المجاورة. وأحياناً يتطلب الأمر حرباً، أو تهديداً بالحرب، لجعل البلاد تهتم بأمنها الغذائي. انظروا مثلاً إلى السياسة الزراعية المشتركة في أوروبا".

وأضاف: "لكنَّ مَن أضر بنفسه فعلاً هو الشعب السعودي. فإذا ما رُفِع الحصار، سيكون هناك الكثير من المشاعر المؤيدة لقطر ومشاعر الفخر القومي التي ستحث الشعب على شراء الحليب القطري، وليس السعودي. وأعتقد أنَّ البيئة بأكملها سوف تتغير تماماً. ويكمن التحدي الحقيقي هنا في الحصول على ما يكفي من الألبان، وإذا تمكنَّا من إنتاج كفايتنا منه، سيشتريه القطريون".

ويقول دور إنَّ مزرعته ستكون أكثر إنتاجيةً من نظيراتها في السعودية، وذلك في ظل بلوغ النسبة بين العمالة وعدد الأبقار في السعودية شخصاً واحداً لكل 75 بقرة، مقابل شخصاً واحداً لكل 45 بقرة في قطر. فيما ستقف أبقاره أيضاً على مراتب مطاطية، وستزيل الكاشطات الآلية نفاياتها. وتابع: "سوف ننتج ما يكفي من السماد لتحويل قطر إلى أرضٍ زراعية".

يقول دور للجزيرة نت إن "مزرعة بلدنا أنشئت لتكون نواة لمشروع وطني طموح يحقق لقطر اكتفاء ذاتيا من الألبان ومشتقاتها، ويساعد في تحقيق هذا الهدف التشجيع الكبير من الدولة وقدرة الطاقم المتخصص".

يُعد الاكتفاء الذاتي في الغذاء مجرد اختبارٍ واحد لقدرة قطر على تحمل الحصار، والذي قد تخرج منه دولة أقوى وعلى استعدادٍ لاستقبال عشرات الآلاف من الزوار لكأس العالم 2022.

ونتيجة للأزمة اللخليجية فقد تعرضت دول الأزمة لأضرار مختلفة، يقول يوسف محمد الجيدة، الرئيس التنفيذي لهيئة قطر للمال، إنَّ المنطقة بأكملها قد ألحقت أضراراً بنفسها: "كانت دول مجلس التعاون الخليجي هي المكان الأكثر أمناً في العالم، لكنَّها لم تعد تحتفظ بالسمعة ذاتها أمام باقي الدول. وكان على الكثير من الشركات إعادة تحديد سجلات المخاطر الخاصة بها".

وتابع: "استقر القطاع المالي في قطر، وساعدت الموانئ الجديدة، وخاصة في سلطنة عُمان، على تقديم الخدمات اللوجستية، وحلت محل جبل علي في دبي. وسواء بوجود الأزمة أو عدمه، كان التباطؤ في النمو صحياً في هذه المرحلة".

وأضاف: "على مدى السنوات الـ15 الماضية، كُنَّا أسرع الاقتصادات نمواً في العالم. أنت تتحدث عن اقتصاد كان حجمه في عام 2000 يبلغ 6 مليارات دولار، وتحول إلى اقتصادٍ يبلغ 200 مليار دولار في عام 2015. لكن لم يتغير شيء جوهري، وحتى الآن لم نفوِّت موعد تسليم أي شحنة طاقة. وحاولت دول الحظر تخيير الشركات بينها وبيننا، لكنَّها تراجعت".

ويوضح علي شريف العمادي، وزير المالية القطري منذ عام 2003، والذي ربما يُعَد أهم سياسي في الإشراف على مقاومة قطر ضد الحصار، الأمر قائلاً: "ليس سراً أنَّنا ضخخنا سيولةً في النظام المالي، كان ذلك تدبيراً وقائياً. لكنَّنا نعتقد أنَّ السوق بإمكانه احتواء كل هذه الأخبار السيئة. وبالنسبة لسيولة وقيمة عملة بلادنا، فنحن نرى أنَّ السوق الآن مستقر جداً".

وتابع: "إذا نظرتم إلى الشهر الثاني من الحصار، ستجدون أنَّ الميزان التجاري عاد تقريباً إلى مستويات ما قبل الأزمة. وعانينا من انخفاض يصل إلى 40% في الواردات لمدة شهرِ واحد، لكنَّنا تأقلمنا على الوضع سريعاً. لقد تحول البلد بأسره في أقل من شهر، وبدلاً من الاعتماد على مجموعة واحدة من البلدان، أصبح بإمكانَّنا التواصل مع أكثر من 80 بلداً، وانخفض التضخم الغذائي".

وأضاف: "على الرغم من كل الآلام التي لحقت بنا من ناحية العلاقات الشخصية، والأسر، ونسيج مجلس التعاون الخليجي، ستنشأ الكثير من الفرص لاقتصادنا في ظلال هذه الأزمة. انظروا إلى السياحة، والقطاع الصحي، والأمن الغذائي".

ويخلص الجيدة إلى أنَّ "هناك حقبة جديدة. ونحن مصممون على إيجاد الجانب الإيجابي في كل ما يحدث".

أما دور فيرى أن هذا مشروع المزرعة سيكون من المشاريع العملاقة في المنطقة.

تحميل المزيد