لا أعرف لماذا يتشبث ما سُمي بالشعب السوري بوطن رسمه وخط حدوده الاستعمار الغربي على ورق، من خلال اتفاقياته المشهورة تحت اسم "سايكس بيكو"؟!
يخاف من تقسيم ما هو مقسم في قلوب وعقول سكانه… يصر على الدفاع عن حدود كان قد رفضها وثار عليها عند تقسيم بلاد الشام الأخير منذ ما يقارب القرن من الزمان؟
وكان حلم جمعها مع ما سلب منها وانتزعت منه أحد شعارات الأنظمة الاستبدادية، التي استبدلت التنمية وحقوق المواطن بالحرية والعيش الكريم فيها، بانقلابات وحروب جعلت من وطننا الصغير المصطنع الذي أطلق عليه سوريا، أكبر سجن للعبودية والعنصرية والكره والفقر والتخلف؟!
هل يدرك مَن أُطلق عليهم السوريون أنهم يدافعون عن وطن رسم حدوده الاستعمار الغربي، وعمل على تفتيته وزرع الحقد والفتنة فيه أنظمة عميلة له؟
وبأن الوطن الذي يدافعون عنه اليوم، هو ذاك الذي رفضوا الاعتراف به وبحدوده بالأمس، وبأن تلك القصص الجميلة التي ابتدعها خيالهم عن الوحدة الوطنية، وحب ما سمي بالسوري لأخيه السوري هي صناعة وهمية لا وجود لها على أرض الواقع!
وبأن ما اصطلح على تسميته بالانسجام بين أفراده، ما هو إلا حالات فردية لم يستطع الشعب تعميمها!
فلا أهل المدينة -رغم تفرقهم واستعلاء بعضهم على بعض، بانتماءاتهم العرقية والقبلية والعائلية والمادية- يحترمون أهل الريف أو سكان الجبل والبادية.. ولا الغني يحترم الفقير فيهم، ولا المتعلم يحترم الأمي -المغلوب بأميته على نفسه- منهم، ولا ابن العائلة -حسب حجمها وثروتها وسلطتها- يحترم أبناء العائلات الأخرى إلا بما يتفق مع مصالحه وروابطه الأسرية والعائلية!
حتى أبناء العائلة الواحدة نجدها قد تفرعت وابتعدت عن بعضها البعض حسب انتماءاتها المادية (غني أو فقير) أو التزاماتها الدينية (تقي أو شرير) أو حتى هيئتها ومظهرها (بشع أو جميل)… الخ.
الوطن هو حالة نفسية نستدل عليه من خلال موروثنا الثقافي والديني، ويعمق أثره روابطنا الاجتماعية، ويثبت وجوده البيئة المحيطة بنا… مقدار انسجامنا وتآلفنا معها…
حدوده هي تلك التي نرسمها بناء على اعترافنا بالآخر الذي يختلف عنا بعرقه أو جنسه أو دينه أو شكله ومظهره…
احترامنا له كما هو دون إكراه… يقوم على تبادل المنافع والمصالح المشتركة بين أطيافه، بعيداً عن المهانة والاحتقار والاستغلال، بحيث يصبح الدفاع عنه وعن حدوده ووجوده تحصيل حاصل لشعب متجانس متآلف ما يجمعه أكثر مما يفرقه.
اليوم… نحن نعيش حالة يمكن تسميتها بالأمر الواقع… يتعرض الوطن السوري المصطنع، مرة أخرى، لمؤامرة التقسيم من جديد، بناء على معطيات جديدة قمنا نحن بخلقها وتكريسها ورسمها، ولعب النظام العائلي الطائفي الاستبدادي البغيض في المساهمة فيها وتكريسها.
وإذا ما كنا نأمل في حل يخرجنا من النفق المظلم الذي وجدنا أنفسنا فيه، فهو بالنظر إليها في المرآة بمنتهى التجرد والواقعية، ونسألها السؤال التالي:
مَن نحن؟ ومَن هم شركاؤنا في الوطن؟ ومن هم أصدقاؤنا؟ ومن هم أعداؤنا؟ وما هي الطريقة المثلى لبناء وطن واحد موحد يجمع السوريين ويجتمعون فيه تحت اسم واحد وراية واحدة، متعدد الثقافات والديانات، وطن دولة القانون والمساواة، يستند على دستور يتساوى المواطنون فيه بالحقوق والواجبات دون تمييز؟
دون ذلك.. سنستيقظ على بلد ممزق، رسمت حدوده بما يتناسب وأطماع أعدائنا… تحت مسميات جديدة ومبتكرة، سوريا الشمالية، وسط سوريا، سوريا الجنوبية… لا حرية ولا كرامة ولا هوية له.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.