أثارت هيلاري كلينتون جدلاً واسعاً حول قدرة منافسها في انتخابات الرئاسة، دونالد ترامب، على قيادة ترسانة الأسلحة النووية الأميركية.
"تخيل وجوده في المكتب البيضاوي أثناء مواجهة كارثة حقيقية" هكذا قالت كلينتون في خطابها في مؤتمر الحزب الديمقراطي الأسبوع الماضي، وأضافت "رجل تستطيع استدراجه بتغريدة لا يمكنك ائتمانه على الأسلحة النووية"، وفق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الخميس 4 أغسطس/آب 2016.
أصبح هذا الوصف مثاراً للجدل لدرجة تلقي أوباما سؤالاً بشأنه في المؤتمر الصحفي الذي عُقد الخميس، وأتت إجابة أوباما مشابهة لمخاوف كلينتون. ويثير اتهامها سؤالاً مهماً: هل هناك قيد على قدرة الرئيس لاستخدام الأسلحة النووية التي من شأنها تدمير مدن أو شعوب بأكملها؟
الجواب القصير هو "لا"، على الرغم من أن التاريخ يشير إلى أنه على أرض الواقع هناك طرق لإبطاء عملية صنع القرار أو عرقلتها. في الوقت نفسه لا أحد ينكر ما لدى الرئيس من سلطة رهيبة.
إطلاق الأسلحة النووية
إذا تعرضت الولايات المتحدة لتهديد نووي، فسيكون لدى الرئيس دقائق ليقرر إذا ما كان هذا التهديد حقيقياً أم لا، ولإطلاق حوالي 925 رأساً نووياً بقوة تدميرية تزيد على 17 ألف قنبلة هيروشيمية، وفقاً لتقديرات هانز م. كريستينسن مدير مشروع المعلومات النووية في اتحاد العلماء الأميركيين، إحدى المجموعات الخاصة في واشنطون.
كما يمكن للقائد العام أيضاً الأمر بإطلاق الأسلحة النووية أولاً حتى لو لم تتعرض الولايات المتحدة لهجوم نووي.
وقال فرانكلين س. ماير، الخبير النووي الذي عمل في مناصب عدة في البيت الأبيض ووزارة الدفاع لمدة 31 عاماً، قبل أن يترك السلك الحكومي في 2005، "بمجرد أمر الرئيس بالهجوم، ما من سبيل لإيقافه" متابعاً "الرئيس، والرئيس فقط، هو من له سلطة الأمر باستخدام الأسلحة النووية".
تحتفظ واشنطن بتفاصيل سلسلة القيادة النووية وطريقة عملها في سرية تامة. ورفض نيد برايس، المتحدث الرسمي لمجلس الدفاع القومي، التصريح عما إذا كان بإمكان شخص آخر في سلسة القيادة وقف الأمر الرئاسي باستخدام الأسلحة النووية.
أما ترامب فأعرب عن قلقه العميق، في مقابلات أُجريت معه مؤخراً، إزاء قوة الأسلحة النووية، مشيراً إلى قِدَم نظام القيادة والسيطرة النووي حتى أن بعض المواقع ما زالت تستخدم الأقراص المرنة، وهو ما كان محقاً فيه بحسب تقرير المفتش العام، لكنه لم يشرح الظروف التي قد تدفعه لاستخدام الأسلحة النووية، كما لم يستبعد استخدامها أولاً.
كما سُئل ترامب في مقابلة أُجريت معه في مارس/آذار الماضي عن احتمالية لجوئه لاستخدام السلاح النووي في صراع لم تتعرض فيه الولايات المتحدة للهجوم النووي أولاً، وأجاب أنه قد يفعل ذلك "كخطوة أخيرة تماماً".
وأضاف "أعتقد، بشكل شخصي، أن أكبر المشكلات التي يواجهها العالم هي القدرة النووية"، قبل أن يغير مسار الحديث إلى تغير المناخ.
إلا أنه في المقابلة التي أجراها ترامب مع MSNBC في مارس/آذار، تساءل "إذا هوجمنا من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، لن نقاوم بقنبلة نووية؟" وأضاف "لن أزيل أياً من أوراقي من على الطاولة".
موقف كلينتون
اتخذت كلينتون أيضاً بعض المواقف المتشددة في الماضي. ففي 2007 أثناء محاولتها الفوز بترشيح الحزب للرئاسة، رفضت استبعاد احتمالية استخدام الأسلحة النووية ضد الإرهابيين، بينما استبعد أوباما هذه الخطوة ضد أسامة بن لادن.
وصفت كلينتون نفسها باعتبارها المرشح الأكثر خبرة. كما صرحت بأن "على الرؤساء أن يكونوا حذرين على الدوام في مناقشة استخدام الأسلحة النووية من عدمه" مضيفة أنها لن تتعامل مع اسئلة افتراضية.
كما أضافت "استخدم الرؤساء الردع النووي لحفظ السلام منذ الحرب الباردة. ولا أظن أن على أي رئيس الإدلاء بتصريح عام حول استخدام الأسلحة النووية أو عدم استخدامها".
لكن منذ عام فقط، قبل ترشحها أمام أوباما، كان لها وجهة نظر مختلفة، إذ أجابت على السؤال الذي وُجه لها عما إذا كان على إدارة بوش محاولة مواجهة البرنامج النووي الإيراني، قائلة "سأستبعد الخيار النووي بالتأكيد. كانت هذه الإدارة على استعداد تام للحديث عن إمكانية استخدام السلاح النووي بشكل لم نره منذ بزوغ العصر النووي. وأعتقد أن هذا خطأ فادح".
وعلى الرغم من أن السلاح النووي لا يأتي على رأس اهتمامات الناخبين، إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الأصوات تميل لكفة كلينتون في هذا الصدد. وفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجرته فوكس نيوز هذا الأسبوع، يثق 56% من الناخبين بقدرة كلينتون على التعامل مع القرارات المتعلقة بالأسلحة النووية مقابل ثقة 34% من الناخبين في ترامب. كان الفارق لصالح كلينتون أقل بحوالي النصف حين سألت فوكس هذا السؤال للمرة الأولى في منتصف مايو/أيار.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تلعب فيها الأسلحة النووية دوراً في السباق الرئاسي. ففي 1964، بث الرئيس ليندون ب. جونسون، في حملته ضد باري جولدووتر، إعلاناً تليفزيونياً لمرة واحدة يظهر طفلة تَعُّد بتلات الزهور قبل أن تمتلئ الشاشة بسحابة الفطر.
عملية معقدة
وفي الأفلام والثقافة الشعبية، يظهر الرئيس كشخص يفصله زر عن الخيار النووي، لكن في الحقيقة ليس هناك زر، بل عملية معقدة من القواعد والمعدات، من ضمنها إجراءات دقيقة ليتأكد الجيش من هوية القائد العام. أما حقيبة الطوارئ الرئاسية، حقيبة سوداء مليئة بخطط الحرب وأجهزة الاتصال ورموز المصادقة والتحقق، فتتبع الرئيس في كل مكان، ويحملها مساعد مدرب على الإجراءات.
تمثل سلطة الرئيس لاتخاذ القرار النووي تحدياً لنص الدستور الواضح بشأن سلطة الكونغرس، فقط، إعلان الحرب. في الواقع، فكك العصر النووي القواعد التقليدية عن طريق إعادة كتابة الخط الزمني للحرب. يستغرق وصول الأسلحة من الغواصات إلى واشنطن حوالي 12 دقيقة أو أقل، و30 دقيقة لوصول الرؤوس الحربية من الصواريخ العابرة للقارات، أما إلقاء قنبلة من إحدى الطائرات الحربية، بفرض قدرتها التغلب على الدفاعات الجوية، فسيستغرق ساعات فقط.
وهو ما أدى إلى تفويض الكونغرس صلاحيات الحرب النووية إلى الرئيس، بدءاً من هاري س. ترومان الرئيس الوحيد الذي أمر بضربة نووية ضد دولة أخرى.
في الحقيقة، اتسمت خطوط السلطة وتدرجها بالضبابية، خاصة أثناء إدارة نيكسون حين وقعت حادثتين على الأقل حاول فيها كبار القادة تعطيل أو تقويض السلطة النووية للرئيس.
جاءت الأولى في أكتوبر/تشرين الأول عام 1969، حين أمر الرئيس وزير دفاعه، ميلفن ر.ليرد، بوضع القوات النووية الأميركية في حالة التأهب القصوى لإخافة موسكو ودفعها للاعتقاد بأن الولايات المتحدة قد تستخدم الأسلحة النووية ضد الفيتناميين الشماليين.
"الرجل المجنون"
وقال سكوت د.ساجان، الخبير النووي في جامعة ستانفورد ومؤلف دراسة "حدود السلامة" وهي دراسة عن الحوادث النووية، "أن ليرد" حاول تجاهل الأمر بتقديم مبررات وأعذار حول التدريبات وجاهزية القوات، على أمل إثناء الرئيس -الذي يتبنى نظرية "الرجل المجنون" بأن تجعل العالم يعتقد أنك على وشك استخدام السلاح – عن قراره، لكنه أصرّ على موقفه.
وأورد ساجان أن إحدى قاذفات الـ B-52 التي تحمل أسلحة نووية حرارية كانت على وشك التسبب في حادث خطير، خلال هذه العملية التي أُطلق عليها "العملاق لانس".
أما في عام 1974، في أواخر أيام فضيحة ووترغيت، خشي مساعدو نيكسون من بوادر عدم استقراره النفسي جراء إفراطه في الشراب، ما حدا بوزير دفاعه الجديد جيمس شليسنجر إلى إصدار تعليماته للجيش بتحويل أي أوامر طارئة وخاصة المتعلقة بالأسلحة النووية له أو لوزير الخارجية هنري كيسنجر؛ الأمر الذي لم يشكك فيه أحد، رغم ما مثله من خرق واضح للقوانين ربما يصل إلى حد التمرّد.
وأثار ذلك تساؤلات إيريك شلوسر في كتابه "القيادة والسيطرة" الصادر في عام 2013، عن حقيقة المتحكم في اتخاذ القرار فعلياً، وعلق قائلاً "إنها بدت فكرة جيدة آنذاك".
الكابوس الحقيقي
ويتفق الخبراء على على أن الكابوس الحقيقي الذي يواجه متخذي القرار النووي يتعلق بالاستجابة للهجمات، لا شنها، كما ذكر ويليام بيري، وزير دفاع كلينتون، في مذاكراته الأخيرة "يواجه قادتنا دقائق عصيبة إذ يتوقف مصير الكوكب بأسره على قرارتهم في تلك اللحظات القليلة" .
ففي عام 1980، استيقظ زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر، على خبر هجوم نووي وشيك أضاءت به شاشات مركز القيادة للإنذار المبكر التابع للجيش، فسأل الضابط الذي هاتفه عن مزيد من المعلومات والتأكيد، وجاءت المكالمة التالية بمعلومات عن هجوم بآلاف الرؤوس الحربية التي تطلق الصواريخ إضافة إلى الغواصات. وبينما كان بريجنسكي على وشك مهاتفة الرئيس، اتصل الضابط مرة أخرى ليقول إن جهاز الكمبيوتر أصدر إنذاراً كاذباً وأن الأمر لا يعدو كونه مجرد خطأ.
تطرح هذه الحادثة سؤالاً جوهرياً بالنسبة لأي إدارة جديدة يتعلق بقدرة الرئيس، ووزير الدفاع والقيادة العسكرية الوطنية على اتخاذ مثل هذه القرارات، وخاصة في بداية الفترة الرئاسية؛ إذ إن جميع أنظمة التحذير عُرضة للخطأ، وعلى الرئيس أن يقرر في غضون دقائق ما إن كان القرار الصائب هو "إطلاق تحذير" أو "إطلاق هجوم" أو -الخيار الأصعب- الانتظار حتى وقوع الهجوم النووي بالفعل، بدلاً من المخاطرة بشن هجوم بناءاً على معلومات خاطئة.
وبخصوص ترامب؛ أثار بعض أعضاء حملة كلينتون مخاوفَ مختلفة: فالرجل الذي يعتبر نفسه أفضل مفاوضي أميركا قد يحاول التهديد باستخدام الأسلحة النووية كورقة مساومة، وقال جو سكاربورو في برنامجه "مورنينغ غو" على MSNBC هذا الأسبوع إن ترامب قد سأل مستشاراً -لم يذكر اسمه- عن جدوى حيازة الأسلحة النووية إذا لم يكن أحد على استعداد لاستخدامها، فيما نفت حملة ترامب ذلك.
وقال بعض من ناقش ترامب بشأن استراتيجيته النووية -التي جاءت غالباً في سياق الاتفاق النووي المُوقَّع مع إيران الصيف الماضي- إنه لم يعرب عن رغبته في استخدام تلك الأسلحة، لكنه افتقر إلى معرفة تاريخ الردع بشكل كافٍ، وبدا كمفاوض مهتماً بمسألة ما إذا كان على الولايات المتحدة أن تهدد باستخدام ترسانتها.
هذا التهديد وحده، وبطبيعة الحال، من الممكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة، حيث يمكن أن يقدم لبلدٍ آخر دافعاً للاستثمار في إنشاء ترسانة نووية، أو حتى استخدامها بصورة استباقية، إن كانت تمتلك بالفعل أسلحة نووية مثل كوريا الشمالية وباكستان.
وفي عام 1984، حين كان ترامب مطوِّراً شاباً في الـ38 من عمره، قال للويس رومانو مراسلة الواشنطن بوست إنه يرغب في أن يكون المفاوض بشأن الأسلحة النووية مع السوفييت. كما قال لها "بعض الناس لديهم القدرة على التفاوض، فهو فن تولد به بالأساس" وأكّد إن لديه القدرة على الإلمام بالمعرفة الخاصة بالصواريخ بسرعة، وأضاف" سيستغرق الأمر حوالي الساعة ونصف الساعة لتعلم كل مايمكن تعلمه عن الصواريخ، وأعتقد أنني أعرف الكثير بالفعل على أية حال".
يبدو أن عقود من محاولات الحد من التسلح وهدف أوباما المتكرر كثيراً حول جعل الأسلحة النووية أقل مركزية في الدفاعات الأميركية؛ لم تقطع سوى خطوات متواضعة.
ورغم إصرار بعض العلماء (ومقالات ويكيبديا) على أن نظام الضوابط والتوازنات يضع وزير الدفاع في موضع مركزي؛ إلا أن بروس جي بلير، الباحث في جامعة برينستون وضابط سلاح الجو المسؤول عن إطلاق الصاروخ النووي حال تلقي الأمر الرئاسي، يقول إن هذه القاعدة لا تنطبق على الجزء العلوي من سلسلة القيادة، كما يوافقه بلير، مؤلف كتاب القيادة والتحكم الذي قال في مقابلة له "إنه لا سلطة لديه لرفض أو عصيان هذه الأوامر".
ووافق ساجان، خبير ستانفورد، كلامه، لكنه أضاف أن هناك طرقاً أخرى لتهدئة الأمور، كما قال أيضاً "أعتقد أننا سنكون في وضع غريب إذا أمر الرئيس باستخدام السلاح النووي ورفض وزير الدفاع ذلك، لم يحدث هذا أبداً من قبل، ولا يمكن لأحد أن يتوقع ما سيترتب على إعلان وزير الدفاع إن الرئيس غير مؤهل لإصدار مثل هذا الأمر".
وأضاف "في بعض الحالات، مثل الهجوم النووي غير المبرر من قبل الرئيس في وقت السلم، سيكون ظهور أزمة دستورية أكثر رجحاناً مقارنة بالتنفيذ العاجل للأمر عبر قواعد سلطة القيادة وتسلسل اتخاذ القرار".
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا