كاتب أميركي يكشف كواليس لقائه بوليّ العهد السعودي أثناء خطاب ترامب عن القدس ورد فعله على القرار

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/15 الساعة 11:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/15 الساعة 11:57 بتوقيت غرينتش

تُعَد السعودية مكاناً جيداً للحكم على التأثير الذي أحدثه اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل في المصالح الأميركية فى المنطقة، وفق الكاتب الصحفي الأميركي روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.

يقول ساتلوف في مقال له بمجلة فورين بوليسي: "بصرف النظر عن رد فعل الجماعات الإرهابية، ورعاتها في طهران ودمشق. وكان من المتوقع أيضاً أن تصدر ردود فعل غاضبة من السلطة الفلسطينية والأردن، التي يسكنها عدد ضخم من الفلسطينيين ذوي الأصوات الصاخبة. السؤال الحقيقي هو كيف سيكون رد فعل أصدقاء أميركا الذين يقفون أبعد خطوةً من الدول والجماعات سابقة الذكر من دائرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وإذا كان ثمة مكان يمكن أن نتوقع منطقياً أن نسمع المسلمين يعبّرون فيه عن غضبهم الرهيب لتسليم القدس لليهود، سيكون في أروقة السلطة بالعاصمة السعودية الرياض".

ويجيب الكاتب الأميركي قائلاً: " لكنَّ شيئاً من هذا لم يحدث".

ويوضح: "في الأسبوع الماضي كنتُ في الرياض على رأس وفدٍ يضم أكثر من 50 داعماً وزميلاً في المركز البحثي الذي أديره، وهو مركز متخصص في شؤون الشرق الأوسط. وفي يوم الأربعاء، وقبل ساعات قليلة من إعلان ترامب قراره بشأن القدس، أمضينا خمس ساعات في اجتماعات مع ثلاثة وزراء سعوديين، ناقشنا فيه كل شيء، من الأزمات مع اليمن وقطر ولبنان، إلى برنامج "رؤية 2030" الإصلاحي الطموح في المملكة، وحتى الطرح العام المُحتمل لأسهم شركة أرامكو النفطية الحكومية.

ويتابع: "بحلول ذلك الوقت، كان البيت الأبيض قد عقد جلسات إحاطة مع العديد من الدبلوماسيين الأجانب ووسائل الإعلام؛ فكان جوهر الإعلان الوشيك معلوماً مسبقاً. لكنَّ ذكر "القدس" لم يأتِ أبداً على ألسنة الوزراء السعوديين الذين كنا نجلس معهم، مع أنَّ العديد من الفرص قد سنحت للحديث عن الأمر".

ويؤكد مدير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في مقاله أنَّ "السعوديين ربَّما كانوا ينتظرون أن يُفرِغوا ما بجعبتهم مرةً واحدةً في اجتماعنا الأخير في ذلك اليوم مع الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي. ظلَّت هذه الرابطة، على مدى عقود، تقوم بتمويل مدارس ومساجد ومؤسسات دينية. لذا، فمن المؤكد أن يدين رئيس الرابطة الهجوم الأميركي على قدسية الحكم الإسلامي للقدس".

لكن أدهشني -بحسب روبرت ساتلوف- أنَّ رئيس الرابطة الجديد نسبياً، محمد العيسى، كان يحمل رسالةً مختلفةً تماماً. إذ لم تمر كلمة "القدس" على شفتيه قط. وبدلاً من ذلك، ذكر بفخرٍ الصداقات التي أقامها مع الحاخامات في أوروبا وأميركا، وزيارته مؤخراً إلى كنيسٍ في باريس، والحوار بين الأديان إلى الذي أبدى التزامه به الآن. ليست هذه السعودية التي نعرفها.

يقول الكاتب: "ثم خطر لي أنَّ السعوديين ربَّما كانوا ينتظرون أن يسمعوا بدقةٍ ما سيقوله ترامب، على أمل أن تقنعه توسلات اللحظات الأخيرة بتغيير قراره. وبما أنَّ ترامب لم يُلقِ بيانه حتى الساعة التاسعة مساءً بتوقيت الرياض، ذهبتُ إلى النوم في تلك الليلة واثقاً من أنَّنا سنرى قريباً الوجه الحقيقي للمملكة "القديمة" وغضبها المستعر".

ويتابع: "عندما تلقَّينا تأكيداً في صباح اليوم التالي أنَّنا سنلتقي ولي العهد محمد بن سلمان عرفنا أنَّنا سنلاقي ما كنا نتوقعه من رد فعلٍ شديد على قرار ترامب".

لقد وعد الأمير محمد بتغييرٍ سريعٍ ثوريٍ في بلدٍ لم يشهد تاريخه تحرُّك أي شيءٍ بسرعة، وكلمة "ثوري" تُعَد فيه كلمة بذيئة. لقد أثبت ولي العهد بالفعل أنَّه رجل أفعال لا كلام؛ فقد نجح في الاستحواذ على جميع السلطات السياسية والعسكرية والاقتصادية تقريباً. بن سلمان هو الآن الآمر الناهي في السعودية، بحسب الكاتب الأميركي.

لقاء محمد بن سلمان

يقول الكاتب الأميركي عن لقاء الأمير محمد، إنَّه رجلٌ يملك المهارات الطبيعية لسياسيٍ بحكم المولد في العائلة الملكية، في بلدٍ لا يعرف أساليب حشد التأييد الموجود في الأنظمة الديمقراطية.

لدى محمد بن سلمان الكثير ليقوله عن التخلص من الأفكار المترسخة في المجتمع السعودي مثل الفصل بين الرجال والنساء، واحتواء إيران الآن أو محاربتها لاحقاً، وعن مئات الموضوعات الأخرى- لكن يبدو أنَّه لا يملك الكثير من الوقت لقول كل هذا. وبالنظر إلى عدد الأشخاص الذين أقصاهم في طريق صعوده إلى قمة السلطة، قد يكون هناك خوفٌ له ما يُبرِّره.

يقول ساتلوف: "لا يبدو أنَّ القدس كانت واحدة من بين هذه الموضوعات. ولولا أنَّنا سألناه بشكلٍ مباشر عن بيان ترامب، ربما ما كان النقاش سيُثار حول هذا الموضوع قط. فبالتأكيد لم يأتِ الأمير محمد إلى الاجتماع من أجل التنفيس عن أفكاره ومشاعره".

ويضيف: "لكنَّنا أردنا مغادرة الرياض ونحن نمتلك فهماً واضحاً لرأيه في هذه المسألة، لذا سألناه. وللحفاظ على قدرٍ من السرية، لن أقتبس من حديثه بشكلٍ مباشر، لكن يمكنني قول هذا: قَصَرَ ابن سلمان حديثه على كلمةٍ واحدة هي خيبة الأمل من قرار الرئيس الأميركي -حرفياً- ثُمَّ انتقل سريعاً للحديث عن الموضوعات التي يمكن أن تعمل فيها الرياض وواشنطن معاً لاحتواء تداعيات القرار وإعادة الأمل لعملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية".

ويتابع: "لم يقف عند هذا الحد. ففي يومٍ يُوصَف على نطاقٍ واسع بأنَّه أحلك يومٍ في تاريخ العلاقات الأميركية مع العالم العربي منذ عقود، طرح بن سلمان رؤيةً مختلفة للغاية بشأن العلاقات الأميركية السعودية وإمكانية بناء شراكةٍ إسرائيلية – سعودية".

وفي هذا الصدد، أكَّد بن سلمان مِراراً متانة الشراكة الأمنية بين البلدين، التي أشار بفخرٍ إلى أنَّها الأقدم في المنطقة، أقدم حتى من العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

أمَّا في ما يتعلَّق بإسرائيل نفسها، فكان حديثه إيجابياً بشكلٍ غير مُعتادٍ. "فعلى النقيض من كل ما سمعتُه من القادة السعوديين في زياراتٍ سابقة، لم يتحدث بن سلمان مطلقاً عن النزعة التوسُّعية، والعجرفة، والظلم الإسرائيلي أو الانتهاك الإسرائيلي لحقوق المسلمين في القدس. بل تحدث عن مستقبلٍ واعد ينتظر العلاقات الإسرائيلية – السعودية بمجرد الوصول إلى اتفاق سلامٍ، وتعهَّد عملياً بالسعي لتحقيق هذا".

ويوضح الكاتب الأميركي أن هذه "كانت وجهة النظر السعودية الرسمية. فبينما كُنَّا نتوقع انتقاداً حاداً للولايات المتحدة واستنكاراً لاذعاً لترامب، سمعنا لوماً معتدلاً لقرار الرئيس بشأن القدس ورؤيةٌ مفعمة بالأمل لبناء شراكةٍ سعودية – إسرائيلية".

ويتساءل الكاتب في مقاله: "هل كان محمد بن سلمان يقول فقط ما يريد الحضور سماعه؟ ربما. كُنَّا متأثرين بمسعاه لتطبيق "الإسلام المعتدل" وحديثه عن تقليص عدد المتطرفين في المؤسسات الدينية السعودية جذرياً. وطرح بن سلمان نسبةً محددة عن درجة السوء الذي كانت عليه المشكلة منذ عامين وتوقُّعاته بشأن تقلُّص هذه النسبة كثيراً في السنوات الثلاث المقبلة. في رأيي، كان هذا اعترافاً صريحاً بالمسؤولية السعودية عن التعصُّب الديني وإشارةً قوية على التزامها بالتغيير".

ويخلص الكاتب إلى أن "الكثير منا قد غادر وهو متخوّفٌ من مدى قدرة قائدٍ طموح كهذا على إحراز تقدُّمٍ سريع بما يكفي للحفاظ على الدعم الحالي الذي يحظى به من شعبه، دون أن تصل هذه السرعة إلى درجةٍ تُسبب ردة فعل عنيفة من جانب من سيتضرَّرون من هذا التحول الكبير في سياسات المملكة.

ويختم روبرت ساتلوف مقاله قائلاً: "لكن حتى إن قال محمد بن سلمان ما نريد سماعه، وإن يكن! إذ يمكن أن يحدث نقيض هذا بسهولة، وأعني أنَّه كان بمقدوره استغلال المناسبة ليبعث رسالةً مباشرة، عن طريقنا، إلى القادة الأميركيين وأصدقاء الشراكة الإسرائيلية الأميركية بشأن التكلفة العالية لقرار الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل. لكنَّه لم يفعل، وهذا يُهم كثيراً. ويبدو أنَّ أولئك الذين تنبأوا بأنَّ ردة فعل العرب والمسلمين على خطوة الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل كارثية – وستؤدي مثلاً إلى اندلاع موجة تظاهرات مناهضة للولايات المتحدة، وانتشار العنف ضد المواطنين، والمؤسسات والمصالح الأميركية، وانتهاء النفوذ الأميركي في المنطقة بشكلٍ نهائي لا رجعة فيه – كانوا مخطئين تماماً".

إذ كانت ردة الفعل بين العرب المؤثرين -حلفاء الولايات المتحدة- على القرار الأميركي بشكلٍ عام رصينةً، ومحسوبة، ومدروسة. وتُعَد السعودية، مهد الإسلام، مثالاً على هذا الأمر.

علامات:
تحميل المزيد