سعيد والملك

في ذلك اليوم وقع الاختيار على سعيد، وكالعادة حضر الحراس، ووجدوه في حقله الصغير المجاور لبيته، وقدّموا له الدعوة.. عرف سعيد أن الاختيار وقع عليه، إلا أنه لم يُجِب من فوره، فقد عُرف عنه الذكاء والرويَّة، كرّر عليه الحراس الدعوة مستغربين صمته، قال لهم: أعتذر عن الحضور.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/15 الساعة 03:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/15 الساعة 03:25 بتوقيت غرينتش

اعتاد الملك دعوة أحد مواطنيه لتناول وجبة الغداء معه، فيذهب الحرّاس في الصباح لبيت المواطن المختار، ويخبرونه بالدعوة.. يتناقل المواطنون أخبار تلك العادة الملكية وينتظرون صاحب الحظ القادم.

في ذلك اليوم وقع الاختيار على سعيد، وكالعادة حضر الحراس، ووجدوه في حقله الصغير المجاور لبيته، وقدّموا له الدعوة.. عرف سعيد أن الاختيار وقع عليه، إلا أنه لم يُجِب من فوره، فقد عُرف عنه الذكاء والرويَّة، كرّر عليه الحراس الدعوة مستغربين صمته، قال لهم: أعتذر عن الحضور.

تفاجأ الحراس من تلك الإجابة، وأخذوا يتحدثون معه، عن تحفز الناس لتلك الدعوة، وأنه رجل فقير وسنحت له الفرصة لطلب حاجته من الملك، إلا أنه تمسَّك بموقفه.. عاد الحرّاسُ للملك وأخبروه بما جرى، لم يكن الملك أقل استغراباً من حراسه، فلم يسبق أن أعتذر منه حتى كبار التجار والمسؤولين.

طلب الملك من الحرّاس ترك سعيد اليوم، وأمر كبيرَ الحرّاس بالتحري عنه.

راقب كبيرُ الحرّاس حركةَ سعيد، ولم يلحظ ما يلفت الانتباه، فقرّر لقاءه، ثم عرض عليه شراء الحقل بالثمن الذي يطلبه، ولم يوافق سعيد، صرح كبير الحراس عن نفسه وطلب الجلوس مع سعيد في بيته بعض الوقت.

كان الضيفُ ينقل بصره يميناً وشمالاً، لعلّه يلحظ ما يلفت الانتباه، فيعود للملك بمعلومة قيّمة، إلا أنه وجد بيتاً بسيطاً وإنساناً عادياً..لم يجد كبيرُ الحرّاسِ بُداً من مواجهة سعيد عن سبب قدومه.

قال له: لِمَ رفضت دعوة الملك بالأمس؟ وقد تكون أكثر حاجة للقاء الملك من الآخرين الذين يتسابقون لبلاطه.

قال سعيد: مَن هم الآخرون؟ قال كبير الحراس: لا أعرف أسماءهم، إلا أنهم لا يترددون في إجابة دعوة الملك.

أضاف كبير الحراس: أرجو أن تساعدني يا سعيد، حتى لا يغضب مني الملك، يجب أن آتيه بخبر يقين.

أصرَّ سعيدٌ على موقفه، ولم يجد كبير الحرّاس إلا أن يسأله: هل ستلبي الدعوة لو عرضت عليك مرة أخرى؟ قال سعيد: لكل حادث حديث.

فَرح كبيرُ الحراسِ، فقد خرج من سعيدٍ بشيء أفضل من لا شيء.. أخبر الملك بما جرى، وأن سعيداً أبدى مرونة في الحضور.

زاد شغفُ الملك بلقاء هذا الرجل الغريب، فلم يسبق أن مرّ عليه مثله طيلة حكمه، وقال لكبير الحرّاس: عليك دعوة سعيد في الغد.

قَبِل سعيد الدعوة، وعند دخوله القصر استقبله الملك خارج قاعة الجلوس، أثار ذلك استغراب الحضور، فليس من عادة الملك أن يخرج من القاعة لاستقبال المواطنين.

جلس الملك وسعيد على الغداء، ولم يكن أمام الملك إلا سؤال سعيد عن رفضه الحضور في المرة الأولى.

أجابه سعيد: بأن جلالته اعتاد على دعوة الناس ولقاءهم ومغادرتهم المكان، دون أن يتعرف عليهم كأشخاص يحملون أسماء وصفات ولهم آمال وطموحات ولديهم مشكلات، وأن جلالة الملك إذا لم يكن بوسعه أن يعرف كل الناس، فليس أقل من التعرّفِ على مَن يدعوهم لقصره.

فَهِم الملك الرسالة التي سعى سعيدٌ لإيصالها، وعرَفَ أنه يرى ذاته معلوماً لا مجهولاً.

ودّعَ الملك سعيداً عند خروجه من قاعة الجلوس قائلاً له: إلى اللقاء يا سعيد، وكانت المرة الأولى التي يودّع فيها الملك مواطناً باسمه.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد