قالت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الخميس 14 ديسمبر/كانون الأول 2017، إنَّها ستستخدم ما تصفه بأنَّه دليلٌ على انخراط إيران العسكري، الآخذ في التعمُّق، بالحرب الأهلية اليمنية؛ من أجل إيجاد توافقٍ دولي جديد للقيام بتحرُّكٍ أكثر قسوة ضد طهران، كجزءٍ من خطة لعزل خصمها الرئيسي في الشرق الأوسط.
وقد استغل المسؤولون الأميركيون سلسلةً من الضربات الصاروخية التي قام بها الحوثيون ضد السعودية كفرصةٍ لتكثيف الضغط الدولي على إيران، وفق ما ذكرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية.
وفي عرضٍ تقديمي مُفصَّل بأحد القواعد العسكرية في واشنطن، عرضت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، أسلحةً قالت إنَّها تُشكِّل دليلاً "لا يمكن إنكاره" على أنَّ إيران قد وسَّعت دعمها للمتمردين الحوثيين باليمن بينما تواصل دعم مجموعاتٍ مسلحة في لبنان، وسوريا، وبلدان أخرى.
وقالت هيلي، التي كانت مُحاطةً بمجموعة من حُطام صاروخٍ، وطائرة من دون طيار مُحطَّمة، وأسلحة أخرى استعادها حلفاء الولايات المتحدة في الخليج العربي: "تُظهِر هذه الأدلة نمط سلوكٍ تزرع به إيران الصراع والتطرُّف".
ويؤكِّد القرار النادر بعرض المواد التي يستغلها مُحلِّلو الاستخبارات الأميركية علناً، تصميم إدارة ترامب على حشد تحرُّكٍ دولي جديد ضد إيران، على الرغم من تهديد الرئيس ترامب بالتخلِّي عن الاتفاق النووي لعام 2015 الذي تفاوض عليه سلفه باراك أوباما والقوى الدولية الأخرى، وهو ما رآه محللون محاولة تنقصها الأدلة.
وتَركَّز عرض هيلي على بقايا ما قال المُحلِّلون إنَّهما صاروخان باليستيان صُنعا في إيران، وهُرِّبا إلى داخل اليمن واستخدمهما مقاتلو الحوثي هذا العام لشن سلسلةٍ من الهجمات على أهدافٍ داخل العمق السعودي، بما في ذلك أحد أكثر المطارات المدنية ازدحاماً في المملكة.
ويشير المسؤولون الأميركيون إلى خصائص وسمات التصميم، الذي يُوصَف بأنَّه من شركاتٍ دفاعية تديرها الحكومة، التي بدورها تشير إلى أنَّ الصاروخين من طراز "قيام" الإيراني الباليستي قصير المدى.
وقالت هيلي إنَّ "الأسلحة ربما تحتوي أيضاً على ملصقاتٍ تُغطي جسمها بالكامل مكتوب عليها (صُنِع في إيران)"، مُتَّهِمةً إيران بانتهاك قرارات مجلس الأمن.
ونفت إيران تلك المزاعم. وفي رسالةٍ نشرها عبر تويتر، قارن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، العرض الذي قدَّمته هيلي بمزاعم وزير الخارجية الأميركي عام 2003، كولن باول، حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، التي تبيَّن فيما بعد أنَّها خاطئة. وقال: "حينما كنتُ سفيراً لدى الأمم المتحدة، رأيتُ هذا العرض وما آل إليه".
وتضمَّنت المعدات العسكرية التي عُرِضت الخميس كذلك، ما قال المسؤولون إنَّها طائرةٌ من دون طيار بالإمكان استخدامها لأغراضٍ "انتحارية جوية"، ومعدات من زورقٍ هجومي سريع، وبقايا صاروخٍ مضاد للدبابات، وُصِفَت كلها بأنَّها مصنوعة في إيران. وقد جرى استخراج قطعة من حاسوبٍ كي يتم استخراج صورٍ منها، قال المسؤولون إنَّها التُقِطَت في منشأةٍ تابعة للحرس الثوري الإيراني.
وقال المسؤولون إنَّ المعدات سُلِّمت من حكومتي السعودية والإمارات ولا يوجد شك في مصدرها، على الرغم من أنَّ المسؤولين الأميركيين في بعض الحالات لا يمتلكون معلوماتٍ محددة عن المكان الذي جرت استعادة المعدات منه.
ورفضت هيلي منح تفاصيل حول الإجراءات التي قد تطلب الولايات المتحدة من حلفائها اتخاذها ضد إيران في الأمم المتحدة أو أي مكانٍ آخر. وقد تسعى الإدارة لاستغلال ذلك العرض لزيادة الدعم ضمن صفوف الجمهوريين في الكونغرس من أجل اتخاذ خطواتٍ من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى إفشال الاتفاق النووي.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، رفض ترامب التصديق على الاتفاق النووي، لكنَّه لم يسحب الولايات المتحدة منه بشكلٍ كامل. وسيكون موعد التصديق التالي في يناير/كانون الثاني المقبل.
وقال ريتشارد نيفيو، المتخصص السابق لدى الحكومة الأميركية بالعقوبات والباحث البارز في كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا، إنَّه لا توجد سوى خيارات قليلة لفرض عقوباتٍ أو إجراءات جديدة على إيران، على الأقل في الولايات المتحدة.
وأضاف نيفيو: "قد يكون من البسيط للغاية إقناع أحد أعضاء الكونغرس الأميركي. لكن من الصعوبة بمكانٍ إثبات ذلك لمسؤولٍ أوروبي أو ياباني، وتبقى مهمة إقناعهم بأنَّ وصول الحرب في اليمن إلى ما هي عليه هو برُمَّته خطأ إيران- أمراً أصعب".
واستشهدت هيلي بتقريرٍ للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قالت إنَّه يُوضِّح تيقُّن الأمم المتحدة من سلوك إيران.
لكنَّ التقرير، وإن كان يذكر العتاد العسكري الذي قدَّمته السعودية، فإنَّه لا يتبنَّى استنتاجات هيلي تماماً، قائلاً إنَّ الأمانة العامة للأمم المتحدة "لا تزال تُحلِّل المعلومات التي جرى جمعها".
هل ستكون كافية للتأثير على الحلفاء الأوروبيين؟
وفي حين أطلع مسؤولو الإدارة بالفعل، وبصورةٍ سرية، مسؤولين حلفاء على المعلومات الجديدة، ليس واضحاً إن كانت المعلومات كافية للتأثير على الحلفاء الأوروبيين والحلفاء الآخرين للولايات المتحدة الذين يواصلون دعم الاتفاق النووي وربما يكونون مترددين في تبنِّي عقوباتٍ جديدة ضد طهران.
وقال جاريت بلانك، الذي كان مسؤولاً بارزاً في الاتفاق النووي الإيراني إبَّان عهد إدارة أوباما، إنَّ البلدان الأوروبية لا تشاطر الولايات المتحدة "خوفها المَرَضيّ" من إيران، لكنَّها قلقةٌ حيال الدعم العسكري الإيراني لمجموعاتٍ كالحوثيين الشيعة في اليمن.
وقال بلانك، وهو الآن زميلٌ بارز بمركز كارنيغي للسلام الدولي: "السؤال هو: ما الذي يحتاجه الأوروبيون من حيث الثقة بأنَّ الولايات المتحدة لن تنسف الاتفاق النووي كي تفعل شيئاً ما بشأن الصواريخ الباليستية؟".
وتدور حملة العلاقات العامة تلك، الجارية في واشنطن، بينما تتواصل الحرب الأهلية العقابية المستمرة منذ 3 سنوات باليمن. وقد أسفر الصراع، الذي بدأ في 2014 حين استولى الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء وأطاحوا بحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي من السلطة، عن مقتل الآلاف وتسبَّب في أزمةٍ إنسانية كبرى.
وقدَّمت الولايات المتحدة الدعم العسكري للسعودية، التي قادت تحالفاً من بلدانٍ عربية دخل الحرب في مارس/آذار 2015 من أجل التصدي لما قالت السعودية إنَّها قوة وكيلة عن إيران.
وفي حين قال مُحلِّلون في بداية الصراع إنَّ الادعاءات السعودية مُبالَغٌ فيها، يتَّفق معظمهم على أنَّ الحرب دفعت إيران والحوثيين نحو مزيدٍ من التعاون.
وقالت أبريل آلي، الباحثة في شؤون اليمن بمجموعة الأزمات الدولية: "معظم الناس يتفقون في هذه المرحلة على أنَّ السعوديين يواجهون تهديداً أمنياً مشروعاً، وأنَّ إيران تُمثِّل جزءاً من المشكلة. وقد يقول المنتقِدون إنَّ الأمور فقط ستصبح أسوأ إذا ما جرى الاستمرار في هذا الطريق". وأضافت أنَّ الهجوم الصاروخي الحوثي –وإمكانية إثارته الرغبة في الانتقام لدى السعوديين وحلفائهم– "يثير شبح التصعيد في أماكن أخرى بالمنطقة".
واتخذت الحرب منحىً فوضوياً آخر هذا الشهر (ديسمبر/كانون الأول)، بعد انفراط عقد تحالف الحرب الذي جمع بين الحوثيين وعلي عبد الله صالح، الرئيس السابق الذي حافظ على نفوذٍ كبيرٍ له في البلاد. فبعد أيامٍ من الاشتباكات بصنعاء، قتل الحوثيون صالح، ودحروا قواته، وشرعوا في حملة قمعٍ شديدة على الموالين لصالح.
وقال المُحلِّلون إنَّ أحداث الأسابيع القليلة الماضية عزَّزت الحوثيين وجعلت تصميم التحالف الذي تقوده السعودية على هزيمتهم بأي ثمن، أقوى.
فقال عبد الملك المخلافي، وزير الخارجية اليمني بالحكومة التي تدعمها السعودية، في مقابلةٍ جرت الأسبوع الماضي: "نعتقد أنَّ الحوثيين لن يأتوا إلى السلام طوعاً أبداً؛ بل على العكس، بعد ما حدث في صنعاء، أصبح لديهم هذا الشعور الخاطئ بالانتصار. ويجب كسر ذلك".
وأكَّدت رسالة هيلي دعم ترامب الذي لا يتزعزع للسعودية منذ انتخابه. لكنَّ البيت الأبيض وبَّخ السعودية أيضاً في الأسابيع الأخيرة؛ بسبب تعاطيها مع الوضع الإنساني في اليمن، داعياً الرياض لبذل المزيد من أجل السماح بوصول المساعدات والإمدادات الأخرى إلى اليمنيين اليائسين.