أحياناً المرء لا يدرك قيمة ما لديه فينسى الاعتناء به
بين الحين والحين ينسى الإنسان ما يمكنه تقديمه
بين اللحظة والأخرى يصدر عن الداخل الإنساني بعض الرنين
قيمة الإنسان عندما يذكر مقتضياته ويسعى لحل ما يواجه من عقد بكافة ما يملك من دهاء، لعلها صورة لا تظهر للأجمعين، هي قضية تمتد إلى الوفاء، هي سلاسل عبوات تتفتح على الأريج، ليس طاعة له وإنما هي راغبة فقط في السمو والرفعة، لكن في الخفاء؛ إذ لا ينجح من يعانق السماوات غروراً، ولا ينجح من يصطنع البهاء، لكن بعد رحيل القمر لن يبقى هناك من رجاء.
هو الإنسان مستتراً، هو القضاء مغلقاً بكلفة الإباء، هي نسمات لا تتأجج سوى لتستوي بين أحضان النقاء، وكأنّ العالم خادم طيّع لكل مغامر ينازل الحياة بصهوته الشهباء، ما أطيب العيش هنا! ما ألذّ غزل كل حنان مصدره فتيات أو نساء! إنه لشرف عظيم لمحمّد ابن حديقة من تلمسان لمّا صار عاشقاً لحياته بصفاء.
الحياة مغامرة، والعيش نزال، والفرح تحدّ، والتهاون نشاز، هذه قوانين القانون لما تنصهر في حضور البشر كافّة، فلا تريد ما يساورها بشكل قائم على البقاء، ليس للفناء لغة مرسومة بأقلام حبر، بل هي محذوفة الاختصار بحواف أقلام الرصاص.
لـن تكون في الحياة، سوى إن ما حملتَ سيفاً حادّاً، ومشيتَ على ظهر خيل سريع، القطف عبر اللقف أمر مريع، وما الروعة إلاّ صخرة مخملية على صدر كل جريح، تنزف حتى الموت غدقاً، ومشهده هذا خبر يمرّ سريعاً أسفل شاشة السي.إن.إن (Кабельная Новостная Сеть)، طبعاً إن كان محظوظاً.
قد تنزل إلى أرض معركة بشوكة مطبخ، وأنت لا تعلم بأنّ المقاتلين فيها غير موجودين أمامك، بعضهم موجود في غرفة لفندق من خمس نجوم على أرض دبي، تجلس إحدى العاهرات بين فخذيه، يحمل بيده اليسرى عبوة الجعة، ويضغط بأصبعه من يده اليمنى على زر، فيطلق بواسطة حركة منه تكون أسرع وأخفّ وأسهل من كافة حركات عاهرته تلك، ولكنها تصدر أمراً إلى طائرة بلا طيار لتقذفك أنتَ وشوكة مطبخك بصاروخ كروز.
مات نزار ومات هيكتور وهما يرقصان الباليه، على أرض لفظتهما معاً، واحتضنتني أنا وقراصنتي وحدنا، أنا العبد بين زنزاناتهم، أين صرتُ صديقاً لجنرال روما المعذَّب بالخلود، مات الشرف قرباناً لتعيش كل راقصات الكازينو بـ "لاس فيغاس" وقحبات البارات بـ"عيون الترك الوهرانية"، لم تعد الإنسانية نفسها تلك الإنسانية، صار الفُجر داراً، والاحترام عاراً، لقد تعبت.
تعبت من نفسي أولاً، لم أعرفها ولم أعرها راحتها الأبدية، تعبت من ذاتي ثانياً لم أفهمها ولم أقدم لها دواء الأزلية، تعبت ليس لأنني قرصاناً، وإنما لأنني لا أزال أحبّ أرض القراصنة، وهل في العالم اليوم مَن يبقى محباً لأرض القراصنة؟
ندبة فلسطين في وجهي لا تغيب، والنار التي اشتعلت في العراق لا تزال تلفح أحشائي، لا يمكن أن أزيل ألم اليمن ولا صرخات الليبيات من ذاكرتي، لبنان العتيق مرميّ على قارعة الشارع، والبقية من العرب يتم تقطيعهم بسكين ذاك الأميركي البارع، لكن مصيبتي الكبرى أنني لم أعلم أنّ العربي ضد العربي يكون ذاك القويّ، ذاك المصارع!
من فضلك يا سيّدي القمر، هلاّ غفرت لعاشق اعتذر، هلاّ كسرتَ ظالما تجبّر، وأسعفت جرح جواد تعثّر، هلاّ أخبرت الأمهات الثكلى بأنّ ابنهن المقتول المشترك قبل موته قد كفر؟ ليس بالضرورة أنني لم أختَر، لكنها الحياة، الإنسان فيها يكون مثلي مداناً، إلى أن يثبت براءته، أو يعلن طاعته، أو يسير مع الجمْع باتجاه نهايته.. وهو لا يدري.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.