سأخصص كلامي هنا عن جامعة الملك عبد العزيز لسببين: الأول أنها أكبر جامعة في المملكة، وبالتالي هي معنية مع غيرها من الجامعات بفهم أبعاد الرؤية الوطنية، وبتبنيها وتطبيق ما يقع من بنودها، ضمن عمل الجامعة الإداري والأكاديمي، والسبب الثاني أنني أحد أعضائها، وألمسُ أكثر من غيري مكامن التفوق فيها ومواضع الخلل، لا سمح الله.
ولعلي أتحدث عن موضوع مهم جداً يمس جوانب حساسة إدارية وأكاديمية.
الخطط الدراسية في الجامعة كما هو معلوم هي خطط عمل تقوم عليها الأقسام والكليات وينتظم على أساسها الطلاب والطالبات، الخطط الدراسية في الجامعة للأسف باتت خططاً لا تحاكي في معظمها ما يحدث من تقدمٍ وتطور في التعليم، وتعتبر أقل مستوى من الجامعات العالمية أو مثيلاتها من الجامعات المحلية، كجامعة الملك فهد للبترول والمعادن على سبيل المثال.
ورغم التعاميم والمخاطبات المستمرة نحو تطوير المناهج في السنوات الماضية، فإن الجامعة لا تزال تشكو ضعفاً في مناهجها، وليس في التعميم هنا ظلم أو تجنٍّ، فمستويات الطلاب في عمومهم خيرُ شاهدٍ وأبلغُ حجة ودليل.
والتعديل -أو دعوني أقول التطوير والتغيير- إن حدث لا يكون فقط في إعادة تنسيق الخطط ورقياً وإدخالها في جداول الطلاب إلكترونياً، بل يتجاوز ذلك إلى اختيار المراجع، وتوصيف المناهج، وطرق التدريس نفسها، واختيار المدرسين، وعملية تدوير التدريس بين أعضاء القسم في التخصص الواحد، وكذلك عدم احتكار تدريس مناهج معينة من فئات معينة، والقائمة طويلةٌ جداً وتطولُ في هذا الجانب.
كما أن هناك بعض الأقسام ما زالت تعتمد على مراجع في برنامج البكالوريوس يعود تاريخ نشرها إلى ما قبل عام 1975م، ورغم ما مرّ على الخطط من تحسينات وتعديلات، فإنها بقيت تعديلات شكلية لا أكثر.
والوضع في برامج الماجستير والدكتوراه ليس أحسن حالاً منه في البكالوريوس، ومراجع هذه البرامج ربما أكثر قُدماً، وطبعاً حال كهذا يدعو "بعض" الأساتذة إلى الإبقاء على المراجع ورقياً في التوصيف والاستغناء عنها فعلياً في التدريس، ولا أدل على وضع كهذا أكثر من حالة كتب المكتبة المركزية التي تبدو قديمة نوعاً ما، ومفتقرة للمراجع العربية الحديثة، وخصوصاً إنتاج الجامعة، وهذه نقطة في غاية الأهمية.
ففي حين أن الجامعات العالمية تتسابق على التأليف والاعتماد على كتب أساتذتها والمنافسة فيما بينها، نجد أقسامنا تتسابق على استقبال دور النشر العالمية وموزعيها للحصول على "كوميشن" بوعد تدريس منتجاتهم، خصوصاً في السنة التحضيرية ذات المجاميع الطلابية الكبيرة!
تأخر الخطط الدراسية يعود بالإضافة للأسباب التي ذكرناها أعلاه إلى جمود الإدارات الأكاديمية، وانحصار عملها في الروتين الإداري البحت، وهو المرض العضال الذي ما أن يصيب جهة أو إدارة إلا وكانت مخرجاتُها تتسم بالضعف التام جودةً ومنافسةً، وقد يعود هذا إلى افتقاد الإدارات الأكاديمية في كثير من الحالات لحماس الشباب بحكم عامل السن وهذا أمر طبيعي، وقد تفتقد أيضاً لحافز الإنجاز بحكم إنجازاتها الروتينية المتعددة والمتكررة، وهذا ينعكس سلباً على بروز مواهب إدارية وظهور أفكار تطويرية تسهم بشكل أو بآخر في التحديث والتطوير عموماً، وفي تطوير وتغيير المناهج على وجه الخصوص.
ما لم يحدث تغيير جذري في الإدارات الأكاديمية والإدارية بكوادر لديها الرؤية والطموح فستظل العجلة ثابتة، وإن تحركت فحركتها سراب في أعيننا.
ما هي حلول التغيير إذاً؟
الحقيقة أن هناك عدة حلول تطرق لها الكثير بشكل أو بآخر، ونحن هنا لا نريد اختراع العجلة، ولكننا نأمل أن تتحرك عجلتُنا بشكل مقنع أو على الأقل يوازي الطموح، نذكر فيما يلي بعضاً من الحلول الممكنة:
إنشاء عمادة (أو وكالة، إدارة، جهة) خاصة بالسنة التحضيرية، مستقلة تماماً عن كلية العلوم وكلية الآداب، وأي كلية أخرى، وكذلك مستقلة عن عمادة القبول والتسجيل، وتكون مسؤولة مسؤولية كاملة عن السنة التحضيرية واختيار مناهجها واختيار أعضاء هيئة التدريس فيها، وترتبط مباشرة بوكيل الجامعة للشؤون التعليمية، وتقسم الدراسة فيها إلى أربعة مسارات:
– المسار الطبي ويشمل كل ما له علاقة بالطب، كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة والعلوم الطبية والتمريض، ويكون التدريس باللغة الإنكليزية حصراً، منهجاً وتحدثاً وكتابة.
– المسار العلمي: ويشمل كليات الهندسة وتصاميم البيئة والعلوم وعلوم الأرض والبحار والأرصاد وإدارة الأعمال، ويكون التدريس بالإنكليزية منهجاً، وبالعربية أو الإنكليزية تخاطباً.
– المسار الأدبي: يشمل باقي الكليات، كليات الآداب والاقتصاد والحقوق والاتصال والتربية.. إلخ، ويكون التدريس باللغة العربية منهجاً وتحدثاً وكتابة.
– مسار برنامج الانتساب والتعليم عن بُعد: وهو المسار الأدبي مع مراعاة تقليص حجم المنهج في السنة التحضيرية فقط.
وعلى ضوء التقسيم أعلاه يتم تحديد معايير القبول في السنة التحضيرية، ابتداءً على حسب رغبة الطالب ودرجته الموزونة (بعد تعديل طرق احتسابها) ومقر سُكناه.
ويُراعى عند تسكين الطلاب في كلياتهم بعد الانتهاء من السنة التحضيرية النظر في معدلاتهم (حسب آلية معينة معلومة ومعلنة سلفاً)، وكذلك اختيار الأساتذة يتم على أسس خاصة ومعايير دقيقة جداً، والأفضلية تكون لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة، ولا بد من التخلص من البرنامج التأهيلي نهائياً مع الإبقاء على مواعيد محاضرات المساء لفئة من الطلاب فقدت فرصتها في القبول، ولا بد من منح أساتذة السنة التحضيرية مكافآت مالية خاصة تميزهم عن غيرهم في التدريس.
من الحلول أيضاً إنشاء عمادة (أو وكالة، إدارة، جهة) خاصة بأعضاء هيئة التدريس تُعنى بشؤونهم الإدارية، وتقوم بمتابعة سير عملهم ونشاطهم في التدريس والبحث العلمي، وتكون مسؤولة عن تعيينات السعوديين (معيدين ومحاضرين وأساتذة)، وتعاقدات الأجانب مسؤوليةً إداريةً وأكاديميةً على حد سواء، بمعنى أنها مسؤولة عن الوضع الأكاديمي لكل أستاذ بما في ذلك جدوله الفصلي ونشاطه الإداري، فضلاً عن متابعة دوامه وحضوره وتفاعله، وترتبط مباشرة بوكيل الجامعة، ويُدمج تحت إدارتها ومسؤوليتها مركز التطوير الجامعي.
وكذلك إنشاء جهة (وحدة، إدارة) مستقلة عن عمادة البحث العلمي، تُعنى بالتأليف والترجمة وتكون تابعة للمكتبة المركزية، وتُعطى أهمية فائقة ورعاية خاصة جداً جداً، على أن تتبنى خطة واضحة المعالم تحقق من خلالها اكتفاءً ذاتياً للجامعة من الكتب المنهجية والمراجع العلمية الأساسية.
يوازي هذه الخطوة تطوير شامل لمركز النشر وتحرير له من بيروقراطيته الحالية.
وأيضاً إنشاء لجنة استشارية مستقلة وترتبط مباشرة بمعالي المدير، وتقتصر مهمتها في ترشيح عمداء الكليات والعمادات المساندة ومديري المراكز ورؤساء الأقسام، ويتم ذلك عبر آلية جديدة تستحدثها اللجنة، تُراعى فيها معايير ومقاييس دولية حديثة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنظمة اللجان الاستشارية المماثلة والمعمول بها في الجامعات السعودية والعالمية، بغرض الاستفادة منها وتطويرها وتبنيها.
ولا بد أنَّ نعلم أن كل هذه المقترحات رغم وضوحها فإنها تحتاج مزيداً من المساحة والوقت لبسطها وتفصيلها والحديث عنها والترويج لها، وفي كل الأحوال أتمنى للجامعة كل التوفيق والنجاح، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.