في حواره الأخير مع جريدة "المصريون"، بعد خروجه من المعتقل، طرح الدكتور الأزهري محمود شعبان رؤيته الإسلامية لما تمر به الأمة من أزمة طاحنة، بل ومستعصية على الحل، على ما يسمون أنفسهم النخب أو العاملين في مراكز البحوث الاستراتيجية العربية الذين بهرونا بألقابهم، وأردَونا إلى ما نحن فيه بمقترحاتهم وأطروحاتهم.
رؤية الشيخ محمود شعبان رؤية عالم رباني، رؤية بصيغة إسلامية نقية لم نتعوّدها من نخب العلمانيين والاستراتيجيين والمفكرين والحداثيين والليبراليين والقوميين والبعثيين، الذين صدَّعونا بزبالة أفكارهم، ومسخونا إلى "أذناب" للشرق أو للغرب، نتسول منهم سلاحنا ودواءنا وغذاءنا وسائر شؤوننا، في ظل حكومات الملك المفدَّى وجلالة السلطان وفخامة الرئيس.
يمتاز طرح الدكتور شعبان بمزج المنظومة الدينية والأخلاقية بأي عملية سياسية تنشد الإصلاح، وهذا المزج حتمي وليس من قبيل الرأي الشخصي؛ لأنه مدعم بنصوص الوحي الشريف المعصوم من الخلل والزلل، كما أنه مزْج مصيري أبدي، وليس مرحلياً؛ حيث يلخص -حفظه الله- الأزمة في سرد طاهر وعفيف وصريح، فيقول:
(مصر في حالة حرب مع الله، فدولة قائمة على القروض الربوية وقد أمر الله بالانخلاع من الربا، ثم قال بعدها: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، فهل تُطيق أمة حرب الله عز وجل؟ الإجابة لا.. مصر الحاصلة على المركز 139 من بين 140 دولة في جودة التعليم لم يرَ رئيس جامعة القاهرة سبباً لتدهور التعليم في مصر سوى النقاب، فحرَّم وجرَّم النقاب في الجامعة، والعُري والإباحية ليسا مرفوضين؛ لأنهما من باب الحرية، أما المنتقبة فمحرومة من الحُرية بعيداً عن شرعية النقاب، وأنه شرعة العلي الوهَّاب، أين المتشدقون بالحرية؟
عشرات الآلاف في السجون، وخلف كل واحد قصة من المظالم والحقوق الضائعة، والبنات اللائي اغتصبن، والأرواح التي أزهقت.. هذا الإفساد الذي حدث يقول إننا في حالة حرب مع الله الذي قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}، وقال: {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}، وقال: {واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}، الآيات من سورة يونس ويوسف ويوسف تباعاً، تمثل سنة كونية وقاعدة ربانية.. فعمل المفسدين لن ينصلح، والله إذا أراد أمراً يسر أسبابه، والعجيب أن الآيات الثلاث أتت في سياقات تتحدث عن مصر؛ فالآية الأولى قالها سيدنا موسى لسحرة فرعون في مصر، والثانية قالتها امرأة العزيز بعد اعترافها بأنها التي راودت يوسف عن نفسه، وبيَّنت أن الله لا يهدي الخائنين، وكان ذلك في مصر، والثالثة كانت تعليقاً على ما أراده الله من الخير لسيدنا يوسف بعد ما فعله إخوته طلباً للخلاص منه، لكن العزيز قال لامرأته (أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً)، أتت الجملة تعليقاً على ذلك لبيان قدرته وحكمته سبحانه.
وإراقة الدماء واستباحة الأموال والأعراض وكثرة المظالم في السجون كل ذلك إفساد وليس إصلاحاً، وربنا أخبر أنه لا يصلح عمل المفسدين، والذين يظنون أن القوة العسكرية البشرية والقبضة الأمنية الغاشمة تكفي لحكم الناس بالحديد والنار واستمرارهم في قيادة الأمة، تأتي الآية الأخيرة تخبرهم بأن الله غالب على أمره ولن يعجزه أحد مِن خَلقه مهما كان قدره وقدراته).
ثم لا يتجاهل الدكتور محمود شعبان دور المنظومة العقدية والتربوية في رسم سبيل النجاة، فيقول بارك الله فيه:
(وانظر إلى فتوى حرمة المجاهرة بالفطر في نهار رمضان، والحرب المستعرة على الأزهر ورجاله ودار الإفتاء، والمقالات التي كتبت تحذر من "أسلمة مصر" تدرك أننا في حالة حرب مع الله؛ فالغرب للأسف يبحث عن أخلاق الإسلام وتربوياته، ونحن أبناء الإسلام نحاربه، وانظر إلى وزير الأوقاف الذي جعل درس القيام سبع دقائق بحد أقصى عشر دقائق، والخطبة ثلث ساعة بحد أقصى ومكتوبة وتقرأ من الورقة، والاعتكاف بالبطاقة وبإذن الأمن، وانظر إلى كمَّ الدعاة والقُراء الممنوعين من الخطابة والإمامة وتجريف منابع الدعوة تدرك أننا في حالة حرب مع الله.
وانظر إلى رمضانهم الذي يريدونه ومسلسلاته وأفلامه وانظر إلى مئات الملايين إن لم يكن المليارات التي أنفقت ليخرج المسلم من رمضان كما يريدون، وانظر إلى عدد مشاهد السجائر والمخدرات والعُري والرقص والجنس والخيانة، فأنا أتابع ذلك من خلال جرائد مصر وحديثها عن ذلك الذي رفضوه هم ورأوه كثيراً خرج من حد الاعتدال إلى الابتذال عند أهل الفن أنفسهم، وسل عن علة سكوت الأزهر والأوقاف عن هذا، في وقت الشجب والاستنكار في أماكن أخرى وسياقات أخرى).
أما عن السياسة الخارجية فيذكرنا الدكتور بالخطوط الحمراء التي لا ينبغي أن نتجاوزها تنكراً لعقيدتنا ومقدساتنا، وخاصة "العلاقة مع الصهاينة" التي علت موجة التطبيع معهم -بضغط الصهاينة العرب- في هذا العصر أكثر من غيره، يقول:
(انظر إلى حالة العداء بيننا وبين دول عربية وإسلامية، وحالة الود والصداقة بيننا وبين إسرائيل التي احتلت أرضنا واغتصبت ودنَّست مقدساتنا، تدرك أننا في حالة حرب مع الله).
والدكتور أيضاً محاور متمكن، يسعفه رسوخه العلمي في دحر خصوم الطرح الإسلامي، فيقول:
(انظر إلى منسوب البحث والعلم ظلماً وزوراً، وهو لا يجيد أن يقرأ في كتاب الله، ولا أن يفهم كلام السلف، انظر إليه وهو يهاجم القرآن والسنة والتراث الذي دار حولها من كتب التفسير والحديث من أئمة الدنيا، وانظر إليه وهو يكذب على الله في حلقاته، وينفي أن التوراة حُرّفت، ويقول هذا باطل، فالتحريف كان في المعنى فقط، بحيث يفتون الناس على خلاف ما أمر الله.
ويشرح قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} يشرحها خطأ، ويتناسى جاهلاً ومُدلساً قوله تعالى بعدها: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ}.
وبعد كذبه على الله، وجرأته على تراث السلف الذي يريد أن يلغيه بجرة قلم، وبعد السب والشتم لتراث المسلمين الذي لم يفهم منه قليلاً ولا كثيراً لضعف الآلة العلمية عنده، وبعد الحكم عليه قامت الدنيا ولم تقعد دفاعاً عنه، وصنعوا منه بطلاً، وبدأت الدنيا تتباكى على الحرية، وفي السجون عدد لا يعلمه إلا الله من أهل العلم والدعوة والعمائم التي كانت تقوم لها الدنيا احتراماً وإجلالاً، هؤلاء في السجون لا يسأل عنهم أحد ولا يرثي لهم أحد؛ لأنهم قالوا كلمة حق).
أما عن المأساة التي تمر بمصر فيلخص الدكتور المشهد بقوله:
(وحينما تقرأ قول الله: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً} من الذي وعد المظلوم بالنصر؟ إنه الله، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن ربه في الحديث القدسي أنه قال عن دعوة المظلوم: "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".
وحينما تقرأ قول الإمام ابن تيمية: "إن الله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة؛ لأن الدنيا تقوم بعدل وكفر، ولا تقوم بظلم وإسلام"، تدرك ساعتها حجم الواقع الذي نحياه، والمظالم التي أصبحت عنواناً لخلق الله؛ فإننا نحيا ظلماً وحرباً على الله يستحيل معهما أن تنهض أمة أو تتقدم خطوة".
والله ما أجمله من طرح، وما أجله من فكر استنار بنور القرآن والسنة، حتى باتت كلماته ليست فقط وصفية، بل تمتزج بالخطوط الإصلاحية الواضحة النيرة، وباتت كلماته وكأنها معالم على الطريق يبصرها بقلبه من استنارت بصائرهم، ولا يراها من أغلق الله تعالى مدارك فهمه وطمس نور بصيرته، فمن كلماته الرائعة:
– فما أراه أن الله لن يُمهل الظالمين أكثر من ذلك، فهو يُمهل ولا يُهْمل، ويُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته؛ فالظالم زائل لا محالة، والباطل مدحور، والحق منصور كيف؟ لا أدري، لكني أدري أن الله على كل شيء قدير.
– إن أمةً أكبر مصائبها أنها تحارب الله لا بد لها من الصلح مع الله بالتوبة إليه والاستقامة على شريعته، فلا حل لمصر إلا بشرع الله، بل ولا حل لمشكلات العالم كله إلا في شريعة الله.
– الإسلام دين ودولة وهو صالح لكل زمان ومكان ولا حل لمشاكلنا إلا بالإسلام.
– الحل في شرع الله بالقصاص ممن سفك دماً حراماً، فإن عفا أهل الدم تحولنا للدية لأهل القتيل.
– إنهاء حالة العداء والكراهية المتبادلة بين فصائل المجتمع، وذلك لن يكون إلا بالعدل الحقيقي الذي أمر به الله.
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.