في جولة بلا انفراجة، قضى مبعوثو الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط أسبوعهم يروِّجون لمبادرته للسلام الإسرائيلي-الفلسطيني في أرجاء العالم العربي، بدءاً من السعودية ومصر وحتى الإمارات وقطر، وصولاً إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية.
وبانتهاء اجتماعاتهم في القدس ورام الله، كان أفضل ما نجح فيه كبير مستشاري ترامب، جاريد كوشنر، ومبعوثه الخاص جيسون غرينبلات، هو بيانٌ من سطرين مفاده أنَّ الفلسطينيين قد وافقوا على عدم الانسحاب من عملية السلام التي تقودها أميركا، وفقاً لما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
في هذا العالم المضني، المُخيِّب لصُنع السلام بمنطقة الشرق الأوسط، يُوصَف ذلك بأنَّه نصرٌ صغير.
صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر قال، الخميس الماضي، إن ترامب مازال "ملتزماً جداً" بإقرار السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وقال المبعوث الخاص غرينبلات في مقابلة صحفية، أمس الجمعة، عن جولته بالعواصم العربية: "لقد شجَّعنا في ذلك شعورهم بالتفاؤل. فهم يرون أن الرئيس جادٌ في هذا الشأن. ويعتقدون أن بإمكانه التوصّل لحلٍ ما".
وقد استقبل الرئيس محمود عباس في رام الله، أمس الجمعة، الوفد الأميركي. وقال مسؤولون فلسطينيون إن اللقاء الذي يحمل الرقم 21 تناول شروط إطلاق العملية السياسية، بحسب ما ذكرت صحيفة الحياة اللندنية.
وجعلت استعانة إدارة ترامب بالزعماء العرب من الصعب على رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عبَّاس، أن يرفض مساعي الرئيس ترامب في هذه المرحلة المبكرة من المفاوضات. لكنَّ غياب إحراز أيّ تقدّم بين إسرائيل والفلسطينيين أظهر أنَّ ترامب باستطاعته حشد أي عددٍ من المشجّعين العرب وراءه ومع ذلك فإنَّه يفشل في كسر الجمود بين الخصمين الأساسيين في الأزمة.
شهر سادس من المحاولات
وبينما يدخل كوشنر وغرينبلات شهرهما السادس من محاولات صُنع السلام، أصبحت تلك الحقيقة تمثِّل مفارقةً جوهرية في جهودهما.
وهما بلا شكٍ في موقفٍ أقوى مع جيران إسرائيل من الدول العربية عمّا كان الرئيس باراك أوباما. ومع ذلك، فهُما يواجهان عقباتٍ في طريق توسُّطهم من أجل الوصول لاتفاقٍ بين الطرفين قد تكون أكبر من تلك التي واجهها أوباما، بدءاً من رئيسٍ فلسطينيّ ضعيف يتمثَّل في محمود عبّاس وصولاً لزعيمٍ إسرائيلي، هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواجه مشكلاتٍ قانونية ويُستبعد أن يقبل يقوم بمخاطرةٍ كبرى في سبيل عقد اتفاقٍ مع الفلسطينيين.
وقال مسؤولو إدارة ترامب إنَّهم يربطون الآن المسار الإسرائيلي-الفلسطيني بمساعيهم الدبلوماسية في الخليج على نحوٍ أكثر صراحةً، وفي الرحلة التي قاما بها هذا الأسبوع، اصطحب كوشنر وغرينبلات معهم دينا باول، وهي نائبة لمستشار الأمن القومي عملت مسبقاً في منصب دبلوماسيّ في ظل إدارة جورج بوش، وساعدت في الترتيب لزيارة الرئيس ترامب الناجحة إلى الرياض في أبريل/نيسان الماضي.
وبصفتها مسؤولة وُلِدَت في مصر وتتحدّث قليلاً من العربية، فإنَّ دينا بإمكانها المساعدة وقد تهدّئ من الاعتقاد الشائع بأنَّ فريق ترامب يكتظّ بشخصياتٍ موالية لإسرائيل بثباتٍ مثل كوشنر، وغرينبلات، وديفد فريدمان، السفير الأميركي لدى إسرائيل، وهُم جميعاً من اليهود الأرثوذوكس.
وقد توقف الوفد الأميركي في قطر، التي يُنظَر إليها باعتبارها لاعباً مهماً من أجل التوصُّل لاتفاق سلامٍ نهائي؛ لأنَّ لها نفوذاً على مُسلَّحي حركة حماس الذين يسيطرون على قطاع غزة الفلسطيني.
توقيت سيئ
وقد مرَّ الوفد أيضاً بمصر، بعد يومٍ فقط من تعليق وزارة الخارجية الأميركية جزءاً من المعونة الأميركية يبلغ نحو 300 مليون دولار تقريباً، وهو توقيتٌ سيئ ألقى بعض المسؤولين باللوم فيه على غياب التنسيق مع البيت الأبيض.
وقال بعض الخبراء في شؤون الشرق الأوسط إنَّ الإدارة الأميركية لا تملك خياراً سوى تكثيف جهودها على الدول المجاورة في المنطقة، نظراً للعراقيل المستعصية من كلا الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
فمن جهة، يواجه نتنياهو الآن خطر الاتهام في تحقيقٍ بشأن الفساد، وهي أزمة قال المحللون إنَّها تجعل معارضته لأعضاء ائتلافه من اليمينيين، بتقديمه تنازلات في سبيل عقد صفقة مع عبّاس، أمراً مستبعداً. أمَّا عبّاس فهو نفسه سياسيّ حذر يبلغ من العمر 82 عاماً ويريد التشبّث بالسلطة قرب انتهاء مسيرته السياسية.
وقال دينيس روس، وهو مفاوض قديم بشؤون الشرق الأوسط، مستخدماً لقب نتنياهو: "إن "بيبي"، خاصةً الآن، لن، ولا يستطيع، أن يتنازل عن أي شيءٍ لصالح الفلسطينيين دون الحصول في المقابل على شيءٍ ملموس من العرب. وعلى الجانب الأخير، وعلى نحوٍ مشابه، فإنَّ أبومازن لن يفعل شيئاً في صالح الإسرائيليين دون غطاءٍ من العرب يُقدِّم له تبريراً لكل خطوة يتّخذها".
وقبل الاجتماع، تذمَّر المسؤولون الفلسطينيون من عدم وجود خطة أميركية، وأيضاً من رفض إدارة ترامب تأكيد دعمها لحل الدولتين كحلٍ للصراع. كما أوردت تقارير أنَّ عباس سيعطي الزائرين مهلةً نهائية لتقديم شيءٍ ما خلال 45 يوماً، وإلّا سيواجهون تخلِّي الفلسطينيين عن عملية السلام المزعومة.
وورد عن حسام زملط، مبعوث منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، أنه قال للصحفيين الأسبوع الماضي إنَّ التردد قد يدفع القيادة الفلسطينية إلى استكمال حملتها الداعية للاعتراف بها في منظمة الأمم المتحدة. في حين أن آخرين طرحوا حلاً أكثر عدائية يتمثَّل في مقاضاة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية.
ومع ذلك، قال عباس، الخميس الماضي: "نحن نعلم أن الوفد الأميركي يعمل من أجل السلام، ونحن نتعاون معهم لتحقيق ما وصفها الرئيس ترامب بصفقة سلام. نعلم أنَّ الوضع صعب ومعقّد، لكن لا شيء مستحيل أمام المجهودات الصادقة".
وقال عددٌ من الخبراء إنَّ التهديدات الفلسطينية في هذه المرحلة هي أقرب لمحاولةٍ هدفها ممارسة الضغوط على الفريق الأميركي منها إلى عرقلة عملية سلامٍ لم تتشكّل بعد.
وأكد غسان الخطيب، وهو عالم سياسة فلسطيني بجامعة بيرزيت في الضفّة الغربية: "سمعتُ أقاويل عن احتمال الانسحاب من المفاوضات إلّا أنَّ هذا لم يأتِ من جانب أشخاص مقرّبين من دوائر اتّخاذ القرار كما تعتقد. لكن عاجلاً أم آجلاً، سيدرك الفلسطينيون أنَّه لا جديد هنا، وسيعودون للتحرُّك على الساحة الدولية".
ومن جانبه، رفض غرينبلات الإفصاح عمّا إذا كان قد قدَّم خطة للطرفين أو طمأن الفلسطينيين بشأن حلٍ يضمن قيام دولة فلسطين، وهو الحلّ الذي زرع ترامب شكاً في إمكانية تحقّقه عندما قال: "أنا حالياً أدرس صيغاً تتضمن وجود دولتين وأخرى تتضمن دولة واحدة".
وقال مسؤولون آخرون بوضوحٍ إن الولايات المتّحدة لم تحِد عن تصريح ترامب، الأمر الذي أدَّى لإحباط المسؤولين الفلسطينيين، الذين قالوا إنه في حال لم يؤكِّد البيت الأبيض على هدف إقامة دولة فلسطينية، فإنَّ ترامب سيفقد مصداقيته كصانع سلام.
ومع ذلك، فإن غرينبلات وكوشنر قد نجحا في جانبٍ من عملية صنع السلام استعصى مسبقاً على من سبقوهم وعلى البيت الأبيض في قضايا أخرى: لقد قضيا عملياً على تناقل تسريباتٍ بين الطرفين وفرضا رسالة انضباطٍ صارِمة على جانبين اشتهرا بكون كليهما صعب المراس.
وقال مكتب نتنياهو في بيانٍ مقتضب من 3 أسطر: "كانت المحادثات بنَّاءة وموضوعية. ونحن نكنّ تقديراً كبيراً لمساعي الرئيس ترامب في سبيل عقد اتفاق سلامٍ تاريخي".