اللاجئون ليسوا أعداءً

وفي الشهر الماضي، أجريت لقاءاً مع كارول معلوف، وهي صحفية قامت مؤخراً بتصوير فيلم وثائقي حول رحلتها مع المهاجرين من سوريا إلى أوروبا. وقد حذرتني كارول من المعايير المتراخية لتحديد الهوية لدى تلك البلدان. وقالت معلوف "تذهب إلى المعسكر دون أن يسألك أحد عن بطاقة هويتك. ويمكنك أن تدعي كونك أي شخص. وتقدم أي اسم إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ويصبح ذلك هو اسمك الفعلي لديهم."

عربي بوست
تم النشر: 2015/11/18 الساعة 09:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/11/18 الساعة 09:20 بتوقيت غرينتش

سيطرت أنباء موجات الاعتداءات العنيفة المدمرة التي تعرضت لها باريس وبيروت على القنوات الإخبارية والشبكات الاجتماعية في مختلف أنحاء العالم. وقد أودت تلك الاعتداءات بحياة المئات من الأبرياء وأسفرت عن إصابة مئات آخرين ويبدو أنها أصابتنا جميعاً بصدمة بالغة أفقدتنا توازننا. ولم يصدق أحد أن نرى أناساً من كافة ربوع العالم يتحدون من أجل التعبير عن دعمهم لكل هؤلاء المنكوبين من جراء تلك الانتهاكات بحق الإنسانية؛ ومع ذلك، فقد أثار الأمر جدلاً شديداً حول مقترفي تلك الاعتداءات وكيفية الحيلولة دون تكرار وقوعها في المستقبل.

وقد تجلت هذه المشاعر من خلال التصريحات الجريئة التي أدلى بها الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند مؤخراً حينما تعهد بالقصاص من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي يُعتقد أنه المسؤول عن تلك الجرائم الشنيعة.

وذكر أولاند قائلاً "إنها حرب يشنها تنظيم داعش الإرهابي، الذي يضم مجموعة من الجهاديين، ضد فرنسا. سوف نقود الصراع دون هوادة أو رحمة. وقد كان يتعين علينا أن نتواجد هنا بين هؤلاء الذين تعرضوا لتلك الهجمات الوحشية، لأنه عندما يتمكن الإرهابيون من القيام بتلك الأعمال العدائية، لابد أن يدركوا أنهم سيواجهون فرنسا المتحدة التي عقدت العزم على مواجهتهم."

ومع ذاك، ففي خضم الحوارات اللاحقة، أطلق البعض اتهامات مروعة وفاصلة مفعمة بكراهية الإسلام تلقي باللوم على المهاجرين في ارتكاب تلك المذبحة. وكان عضو الكونغرس من الحزب الجمهوري جيف دانكان والممثل روب لو من بين العديدين الذين بعثوا برسالات تنطوي على أن موافقة فرنسا على استقبال اللاجئين هو السبب وراء تلك الهجمات الإرهابية.

وذكر دانكان في إحدى تغريداته قائلاً "كيف تبدو عملية إعادة توطين اللاجئين السوريين الآن؟ ماذا عن تلك الهجرة الجماعية إلى أوروبا؟ الإرهاب يحيا ويستشري في أنحاء العالم. كلا."

لا تعد هذه الرسائل مثيرة للمخاوف لمجرد أنها توضح سوء فهم جوهري لأسباب فرار تلك الملايين من المهاجرين فحسب، بل أنها تدعم الحكومات التي تقرر إغلاق أبوابها في وجه اللاجئين في أعقاب تلك الهجمات الأخيرة.
ورغم أن رد فعل البلدان غير المحسوب بإغلاق حدودها أمام المهاجرين قد يبدو حكيماً من الناحية الظاهرية، إلا أن حقيقة الأمر أننا نزيد المشكلة تعقيداً وتفاقماً. وربما من الصحيح أن تنظيم داعش يستغل أزمة اللاجئين لاختراق الدول الأخرى – ولكن هل كان بإمكانهم القيام بذلك إذا ما كنا قد قمنا بإعادة توطين النازحين بصورة ملائمة؟

يتم دعم التنظيمات الإرهابية من خلال الخوف والفوضى وقد استغلت تلك المنظمات الحرب في سوريا منذ البداية. فقد أجبر تنظيم داعش وغيره من التنظيمات المماثلة مئات الآلاف من السوريين على ترك منازلهم وأوطانهم. وتفترس تلك التنظيمات كل من يبقى بالمنطقة من خلال تجنيد اللاجئين اليائسين المقيمين في معسكرات اللاجئين ذات الأحوال السيئة وتزويدهم بالأموال والمأوى.

وقد ذكر عضو سابق بتلك التنظيمات أن المجندين يحصلون في بعض الأحيان على "منزل مزود بالكهرباء والمياه مجاناً دون سداد أي قيمة إيجارية".

وتشير التقارير أيضاً إلى أن تنظيم داعش يتولى تجنيد اللاجئين الذين يفرون إلى أوروبا، وخاصة الأطفال الذين يكونوا في حاجة ماسة إلى إقامة العلاقات الأسرية والحصول على الدعم. وقد تم فصل العديد من هؤلاء الأشخاص عن أسرهم نتيجة سعي الدول الأوروبية إلى تنظيم وتحديد هوية المهاجرين القادمين ونقلهم بأمان ورعايتهم.

وفي الشهر الماضي، أجريت لقاءاً مع كارول معلوف، وهي صحفية قامت مؤخراً بتصوير فيلم وثائقي حول رحلتها مع المهاجرين من سوريا إلى أوروبا. وقد حذرتني كارول من المعايير المتراخية لتحديد الهوية لدى تلك البلدان. وقالت معلوف "تذهب إلى المعسكر دون أن يسألك أحد عن بطاقة هويتك. ويمكنك أن تدعي كونك أي شخص. وتقدم أي اسم إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ويصبح ذلك هو اسمك الفعلي لديهم."

شرعت في رحلة هذا الشهر للتعرف على المصاعب التي يتعرض لها اللاجئون بنفسي. وكانت محطتي الأولى في سلوفينيا، وهي إحدى البلدان الأوروبية الصغيرة التي استخدمت سبلاً مثل رش رذاذ الفلفل الحار من أجل ردع المهاجرين غير المتعاونين.

ومن المؤسف أن أخبرني المتطوعون الذين يقدمون المساعدات بمعسكر اللاجئين أن البلدان العربية ذاتها لم تقدم أي عون في نقل النازحين ورعايتهم. وتعجب محمد – أحد عمال المساعدات بمدينة ديبوفا الحدودية الواقعة بين سلوفينيا وكرواتيا – من قيام تركيا بالسماح للقوارب بمغادرة سواحلها رغم علمها بالفوضى المستشرية في أوروبا. فهل نلقي باللوم على اللاجئين لعدم حصولهم على الرعاية اللازمة أم أن إهمالنا هو الذي ساعد على خلق مناخ يتيح لتنظيم داعش بتجنيد المهاجرين؟

فمن خلال تشويه سمعة اللاجئين الذين فقدوا أسرهم ومنازلهم وحياتهم، فإننا نصبح لعبة في أيدي التنظيمات الإرهابية التي تسعد بالصراعات التي تنشأ فيما بيننا. وتتمثل الوسيلة الوحيدة لتسوية هذه القضايا فعلياً في حل أزمة اللاجئين وتكثيف جهودنا للتوصل إلى سبل جديدة لمحاربة تنظيم داعش وأية منظمات أخرى تتحمل المسؤولية عن إهدار حياة الأبرياء.

وطالما تستمر الحكومات في عدم الاكتراث بمعاناة الملايين من خلال النزوح، سوف تتمكن التنظيمات المتطرفة من التلاعب بهم وتحويلهم إلى أدوات تدمير. فينبغي ألا نتجاهل هؤلاء – يجب أن يكون لدينا الدافع بصورة أكبر من ذي قبل كي نوحد مواردنا الشاملة ونتوصل إلى تسوية نهائية لتلك الأزمة العالمية التي طال بقاؤها.

المصدر:

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد