عدل الكثيرون من أهالي العاصمة السورية (دمشق) عن قرار الهجرة خارج سوريا بسبب النزاع المستمر منذ 4 سنوات، بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع الميدانية في البلاد على ضوء الضربات الجوية التي تشنها روسيا منذ نهاية الشهر الماضي، والتي يرى فيها أهل دمشق الأمل في إنهاء الحرب.
في المقابل أعلنت الأمم المتحدة أن الشهر الجاري شهد نزوح 120 ألفاً من مدن إدلب وحلب وحماة، وقدّر تقرير صدر عن المجلس النرويجي للاجئين الاثنين 26 أكتوبر/تشرين الأول 2015، عدد من نزحوا من منازلهم في سوريا، منذ بدء القصف الروسي قبل ثلاثة أسابيع، بـ100 ألف شخص.
عدول عن الهجرة
فراس كيواني أحد الشباب الذين دفعتهم تطورات النزاع الذي تشهده سوريا منذ نحو 4 سنوات إلى العدول في الوقت الراهن عن قرار الهجرة من سوريا، بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع الميدانية في البلاد على ضوء الضربات الجوية التي تشنها روسيا منذ نهاية الشهر الماضي.
إذ يبدو أن التطورات الميدانية منذ مطلع الشهر الحالي ساهمت في رفع معنوياته وتجميد قراره.
يقول فراس (20 عاماً)، وهو يجلس مع أصدقائه حول طاولة في مقهى الكمال الذي لا يغلق أبوابه ليلاً أو نهاراً في دمشق: "بات الوضع الآن أفضل بكثير، جمّدتُ فكرة السفر حالياً حتى أرى تطورات الوضع الميداني".
ويوضح "في الفترة الماضية شعرت بالخوف والإحباط وخططت مع أصدقائي للهجرة، لكن مع بدء الضربات الروسية عاد الجيش ليتقدم وهذا أمر إيجابي".
وبدأت موسكو، حليفة دمشق التقليدية التي وفرت لها دعماً سياسياً ودبلوماسياً منذ بدء النزاع عام 2011، شن ضربات جوية في سوريا منذ 30 سبتمبر/أيلول دعماً للجيش السوري.
ولا يقتصر الشعور بالتفاؤل على فراس وحده، إذ يشاطره العديد من الدمشقيين هذا الانطباع، خصوصاً القاطنين في مناطق تحت سيطرة قوات النظام.
في العاصمة تزدحم الأماكن العامة والمقاهي بروادها من الشبان والرجال حتى ساعات متأخرة من الليل، يتبادلون الأحاديث والأخبار حول تقدم الجيش ومواصفات الطائرات الروسية التي تسانده.
"السوخوي" تعيد الأمل لدمشق
ويحلو لخالد لبواني (48 عاماً) الحديث بإسهاب عن ما يصفه بـ"عاصفة السوخوي"، في إشارة الى الطائرات الروسية من طراز سوخوي التي تشارك في استهداف مواقع "المجموعات الإرهابية"، وفق ما تعلن موسكو.
يقصد خالد يومياً مقهى الروضة قرب البرلمان السوري (وسط العاصمة)، حيث يقضي وقته في اللهو بورق اللعب مع أصدقائه، بعدما فقد عمله وتدمر منزله بفعل المعارك المستمرة في مدينة عربين بالغوطة الشرقية، معقل الفصائل المقاتلة في محافظة دمشق.
وبرغم رؤيته الإيجابية للدور الروسي، يعتقد خالد أن موسكو تدخلت في سوريا دفاعاً عن مصالحها بالدرجة الأولى.
ويقول: "التدخل الروسي الحالي إيجابي لأنه يعزّز سلطة الدولة في وجه المسلحين".
ويضيف بعد أن يأخذ نفساً عميقاً من نرجيلته: "لكني أرفض تسمية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأبوعلي كما يطلق عليه أصدقائي، لأن روسيا تدخلت من أجل مصالحها الخاصة".
ويطلق المؤيدون للنظام السوري تسمية "أبوعلي" على الرئيس الروسي كنوع من المحاباة، وهي تسمية شائعة بين الأوساط العلوية المؤيدة للرئيس السوري بشار الأسد، لاسيما في المناطق الساحلية.
في مقهى آخر بدمشق، يجلس محمد وسيم الخالدي وهو رجل في الثلاثينيات، ويقول: "التدخل الروسي جاء في وقته، خصوصاً أن الجيش السوري تعب في الفترة الأخيرة".
وكان الرئيس السوري أقر قبل أشهر بأن "العقبة التي تقف في وجه القوات" مرتبطة أساساً "بمشكلة تعب" نتيجة سنوات الحرب الطويلة.
ويضيف الخالدي "لم يكن هناك تقدم كبير للجيش قبل التدخل الروسي، أما اليوم فنسمع في الأخبار أن الجيش يدخل إلى داريا (ريف دمشق) وحمص (وسط) وحلب (شمال)".
وتوفر الطائرات الحربية الروسية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول غطاءً جوياً لعمليات برية متزامنة يقودها الجيش السوري في محافظات عدة وتحديداً في وسط وشمال وغرب البلاد.
وزادت متابعة المواطنين لآخر الأخبار الميدانية في سوريا بعد تصدر الغارات الروسية نشرات الأخبار والصفحات الأولى في المطبوعات اليومية.
وفي مشهد متكرر يومياً، ترتفع رؤوس المارة في شوارع دمشق فور سماع أو معاينة طائرة تحلق في أجواء العاصمة، ليبدأوا بعد ذلك السؤال إذا كانت الطائرة روسية أم تابعة للسلاح الجوي السوري.
تفاؤل الدمشقيين
وفي موازاة التفاؤل الذي يبديه العديد من الدمشقيين، لا يخفي البعض الآخر تخوفهم من تداعيات الانفتاح الروسي العسكري الكبير على سوريا، ويتساءلون عما ستكون عليه كلفة هذه المساعدة.
ويقول المحامي أنس جودة (40 عاماً): "التعاون العسكري الروسي اليوم ضروري لتثبيت الدولة السورية، لكن المشكلة تكمن في حال عدم استثمار ذلك سياسياً في المستقبل، وإلا سنذهب إلى معارك أخرى".
ويرى جودة المقيم في منطقة المزة غربي العاصمة، أن "الصراع الحقيقي ليس على سوريا بل على الهيمنة، وهو صراع في الأساس بين أميركا وروسيا لكنه يجري اليوم على الأراضي السورية".
ويضيف: "تعيرنا روسيا اليوم قوتها العسكرية"، مستدركاً في الوقت ذاته أن "ثوب العيرة ما بدفّي"، وفق المثل الشعبي السوري.
ويزدحم سوق الحميدية، أشهر الأسواق الشعبية في دمشق، بالباعة والزبائن وعابري السبيل. وأمام متجر والده المخصص لبيع الأدوات المنزلية، يعتبر عبدالرحمن شاكر (23 عاماً)، وهو طالب في كلية الاقتصاد، أن "من الطبيعي أن يكون لأي دولة أهداف استراتيجية قبل أن تدعم عسكرياً دولة أخرى".
ويتابع "عين روسيا على الغاز، لكن الأهم ما نريده نحن، وما سنجنيه بأقل خسائر ممكنة".
ويقول هذا الشاب الملتحي الذي يضع نظارات شمسية وقبعة بيضاء: "لسنا في أحسن أحوالنا الميدانية، وخياراتنا ليست كثيرة، لذلك فالخيار الروسي يعد الأفضل حالياً بين تلك المتاحة".
أما خالد لبواني فيقول باختصار وحزم: "ما يهمنا حالياً هو الحل، نريد لهذه الحرب أن تنتهي".
نزوح جماعي
وفي الوقت الذي يبدي فيه أهالي دمشق التفاؤل، أظهر تقرير للأمم المتحدة أن هناك 120 ألف سوري نزحوا من منازلهم خلال الشهر الجاري بسبب اشتداد الاشتباكات.
المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، قال إن حوالي 120 ألف سوري، في محافظات حلب وحماة وإدلب، تركوا منازلهم في الفترة من 5 إلى 22 من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وظل معظمهم في تلك المحافظات، في حين توجه بعضهم إلى المناطق السورية القريبة من الحدود مع تركيا.
وأضاف دوجاريك أن معظم من تركوا منازلهم في حلب وتوجهوا إلى القرى والبلدات التي تقع في ريف حلب.
وقدّر تقرير صدر عن المجلس النرويجي للاجئين الاثنين 26 أكتوبر/تشرين الأول 2015، عدد من نزحوا من منازلهم في سوريا، منذ بدء القصف الروسي قبل ثلاثة أسابيع، بـ100 ألف شخص، مشيراً إلى أن تلك الموجة من النازحين القادمين من حلب وحماة وحمص، تسببت في فوضى بمخيمات اللاجئين داخل سوريا، التي تعاني من الازدحام.
وأوضح المستشار الإعلامي للمجلس النرويجي للاجئين، كارل شمبري، أن الكثير من هؤلاء النازحين توجهوا إلى المخيمات المزدحمة بالقرب من الحدود مع تركيا، موجهاً نداءً لتقديم المساعدة لهؤلاء النازحين، خاصة مع بدء موسم هطول الأمطار.