المكاسب التي حصلت عليها إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني قد تساعد على تزايد فرص الحوار مع جيرانها الخليجيين، لكن سطوة الحرس ستظل مستمرة وبالتالي التدخل في سوريا واليمن لن يختلف كثيراً الأمر الذي سيجعل من الحوار غير مرغوب به من قبل دول الخليج.
في 26 فبراير/شباط 2016 صوّت الإيرانيون لانتخاب الأعضاء الجدد في مجلسهم التشريعي ومجلس الخبراء، وأسفرت الانتخابات عن تحول مراكز الثقل في البرلمان إلى الوسط.
النتيجة لا تطلق يد الرئيس حسن روحاني في البلاد، إلا أنها ستشجعه على المضي في مساعيه للحوار مع جيرانه في الخليج العربي، وفق تقرير كتبته دينا أسفيندياري وآريانا طبطبائي ونشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، أمس الثلاثاء الأول من مارس/آذار 2016.
ميل الناخب الإيراني
عادة ما ينجذب الشارع الإيراني إلى الانتخابات الرئاسية، فيما تجذب انتخابات البرلمان قاعدة الإسلاميين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وينخرط المرشحون وفصائلهم المختلفة في صراع على روح الثورة الإسلامية ومستقبل البلاد.
أما هذا العام فظهر هذا الصراع أمام مرأى الأعين أكثر من ذي قبل، حيث شهدت انتخابات البرلمان إقبالَ أكثر من نصف عدد الناخبين على الصناديق، ما صبّ في مصلحة المرشحين المدعومين من الإصلاحيين والمعتدلين للحصول على مقاعد في البرلمان.
وفي يوليو/تموز 2015، وافق روحاني على الاتفاق النووي الذي قلّص نشاط إيران النووي مقابل رفع العقوبات عنها، رحب الشعب بالخبر، لكن أقلية صغيرة عبرت بكل صراحة ووضوح عن رفضها الاتفاق.
انهمك المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ورئيس البرلمان علي لاريجاني في تهدئة تلك الأصوات المتعالية بالرفض وشجّعا تطبيق الاتفاق.
بذلك خسر متشددو إيران المعركة، لكن الحرب استمرت، فشنوا هجوماً ضارياً على كثير من أولويات الرئيس المعلنة وعلى كثير من أساليبه وسياساته، بما في ذلك محاولاته معالجة غياب الأمن والاستقرار الإقليميين.
الحوار مع السعودية
تركزت رماح هجوم المعارضة المتشددة على هدف واحد بالذات هو مساعي روحاني للتحاور مع السعودية، حيث كان أول أهداف إدارته الجديدة بدءَ الحوار مع جيران إيران، لكن وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، لم يلقَ من أعضاء البرلمان المتشددين سوى الهجوم الشرس بسبب "يده الممتدة إلى الرياض للتحاور".
ولولا دعم خامنئي ولاريجاني للاتفاق النووي لما كان لظريف ولا روحاني رصيد سياسي كافٍ لمواصلة أجندتهما.
ثم جاءت نتائج هذه الانتخابات صفعةً ثانية على وجه متشددي إيران، وظهر الشرخ، فبدأ بعض المحافظين المعتدلين بالانشقاق لتكوين كتلتهم الخاصة بهم.
لكن مع ذلك، يظل لمحافظي إيران النفوذ الأكبر في البلاد، ومن المرجح أن يزيدوا مساعيهم وجهودهم في وجه روحاني بعد تلك الهزيمة الأخيرة التي مُني بها فريقهم.
في وسع المحافظين وضع العراقيل لتعقيد أجندة روحاني السياسية والخارجية وتشديد لهجة الخطاب.
وما من سبيل لدرء هذا الموقف سوى تدخل خامنئي أو لاريجاني للتوسط والدعوة إلى الاعتدال، لكن يبدو أن تأثير المرشد الأعلى الذي أسهم في التوسط والتوفيق أيام مفاوضات النووي ما عاد كسابق عهده في مجال القضايا الإقليمية.
تظل السياسة الأمنية من اختصاص الحرس الإيراني الثوري، وبالتالي فإن مساعي إيران في العراق وسوريا ستراوح مكانها.
ومن الصعوبة بمكان على وزارة الخارجية الإيرانية التأثير على نشاطات إيران على الأرض، حتى ولو في ضوء انتصار المعتدلين البرلماني، وبهذا فإن أي تغيير في ذلك المجال سيكون مردّه إلى أسباب وعوامل خارجية مثل تزايد أعداد ضحايا أرض المعركة أو تزايد الضغط على مصادر الحرس الثوري واضمحلالها.
لذلك كله يبدو أن أوضح نتائج لانتخابات إيران سينجلي أثرها على الأرجح على صعيد العلاقات مع جيرانها العرب.
نتائج داعمة لروحاني
بعد حادثة تدافع الحجيج في مكة التي أسفرت عن مقتل مئات المواطنين الإيرانيين من الحجاج، وبعد إنفاذ حكم الإعدام في رجل الدين الشيعي نمر النمر، وتصاعد وتيرة عمليات السعودية العسكرية في اليمن، بات من الصعب على محافظي إيران أن يصمّوا آذانهم عن كل هذه الجلبة.
خرجت عدة مسيرات معادية للسعودية رُفعت فيها شعارات تحاكي تلك التي لا تُهتف إلا ضد أميركا أو إسرائيل.
وتعرض وزير الخارجية مراراً وتكراراً لمساءلة المحافظين من أعضاء البرلمان عن إصراره على الحوار مع جيران إيران "العدوانيين"، حيث أعربوا عن إيمانهم بأن الحوار مع السعودية ليس في مصلحة إيران.
صوت الثقة الذي منحه الشعب لحكومة روحاني الجمعة الماضي وتحوّل ميزان القوى في البرلمان نحو الوسط سيشدان من ساعد الحكومة لتمضي في قرارها الذي عقدت عليه العزم في محاورة جيران الخليج العربي.
قد يختلف المعتدلون حول إلى أي مدى يمكن للحكومة المضيّ في ذلك الاتجاه، إلا أن جميعهم متفقون على أن الوضع الراهن لا يمكن أن يدوم على حاله، وبالتالي من المرجح أن نشهد زيادة تنقلات جواد ظريف من وإلى عواصم خليجية أكثر ودّاً، مع التمسك بالموقف الداعي إلى الحوار مع الرياض لحل الأزمات الأمنية في المنطقة.
ورغم أنه من الصعب التنبؤ بتوجهات السياسة الإيرانية فيما بعد الانتخابات، لكن انتصار الإصلاحيين والمعتدلين سيزيل الحواجز أمام الحوار على الجانب الإيراني. ويبقى أن نرى ما إذا كان الجانب الآخر من الخليج على استعداد للرد.
هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The Guardian البريطانية.