لاقت المناطق السياحية والأثرية نصيبها أيضاً من موجة الضرائب وغلاء الأسعار التي طالت جميع السلع في مصر خلال الفترة الماضية.
فقد فرضت السلطات المصرية رسوماً (تذكرة) قيمتها (250) جنيهاً على كل من يرغب في التصوير الفوتوغرافي أو الفيديو داخل المبنى الأثري الواحد فى شارع المعز لدين الله الفاطمي.
وقد أعلن أنه سيتم البدء في تطبيق هذا الإجراء رسمياً منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
ويعد شارع المعز لدين الله الفاطمي -بمنطقة الأزهر في القاهرة- واحداً من أهم الشوارع التي تحوي الآثار الإسلامية بالقاهرة؛ إذ إنه بمثابة متحف مفتوح.
التذاكر في المطبعة
من جانبه ، أكد حازم جابر، مفتش آثار إسلامية بشارع المعز، أنه تم إرسال خطاب رسمي لمفتشي المنطقة ببدء تنفيذ فرض رسوم التصوير 250 جنيهاً للمبنى الأثري الواحد، من بداية شهر نوفمبر/تشرين الأول 2016، ولكن تنفيذه سوف يتأخر لمنتصف الشهر نظراً لاستمرار وجود التذاكر في المطبعة.
وبينما أكد لـ"عربي بوست" أنه ملتزم بتنفيذ القرار حين وصول التذاكر، إلا أنه أعرب عن استيائه من فرض تلك الرسوم في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن ثمن التذكرة مبالغ فيه، وسيؤدي إلى عزوف الزوار والسائحين.
ورأى "جابر" أنه إذا أرادت وزارة الآثار دعم مواردها من ثمن التذكرة من الممكن جعلها 40 أو 50 جنيهاً، قائلاً: "نحن في فترة "تعالوا زورونا" لدعم النشاط السياحي (أي مرحلة محاولة جذب السائحين والزوار )، ولكن هذا القرار سيؤدي إلى وفاة القطاع نهائياً بدلاً من إحيائه.
وكان ثمن التذكرة سابقاً (5) جنيهات يحق لحاملها دخول 7 أماكن أثرية في شارع المعز، والتنقل والتقاط الصور فيها بكل حريته.
سفير مصر في الخارج
أحمد صابر -مسؤول صفحة شارع المعز- تساءل باستياء: من الذي اتخذ هذا القرار الفاشل الذي يضر أكثر ما ينفع؟
وأكد أن فرض تذكرة (250) جنيهاً على التصوير في المناطق الأثرية بالشارع سيؤدي حتماً إلى امتناع الناس عن زيارتها.
وقال صابر "الصور" هي سفيرنا في الدعاية للمنطقة بداخل مصر وخارجها، ونشر صورة واحدة ملتقطة لمكان أو مسجد أثري على وسائل التواصل يروج للإقبال على المكان بشكل كبير. فكيف يتم فرض رسوم لتحجيمها؟.
ومن أهم المعالم والآثار الإسلامية الموجودة في شارع المعز، باب الفتوح، وزاوية أبو الخير الكليباتي، وجامع الحاكم، وجامع الأقمر، وكتاب وسبيل عبد الرحمن كتخذا، وسبيل محمد علي، وبيمارستان ومدرسة وقبة السلطان قلاوون.
وكذلك مسجد الناصر محمد بن قلاوون، ومدرسة وقبة نجم الدين أيوب، وسبيل وكتاب خسرو باشا، وحمام السكرية، وجامع الحاكم بأمر الله، والعديد من المعالم الأخرى المميزة.
وأشار "صابر" لـ"عربي بوست"، إلى أن أكثر من 20% من المتابعين لصفحته من خارج مصر، وهم يتفاعلون معها، ويطالبون بمعلومات معينة أو صور لإرسالها لأصدقائهم ودعوتهم لزيارة مصر.
وأوضح "صابر"، وهو صاحب محل بالمنطقة أيضاً، أنه كان من المقرر القيام برحلة للشارع يوم 25 نوفمبر المقبل، تطلقها صفحته كل فترة برسوم رمزية مساهمة في تنشيط السياحة وخزينة الدولة، ولكن تقرر إلغاؤها نتيجة هذه القفزة في الأسعار.
وتساءل: كيف أطالب الزائر بدفع 250 جنيهاً للتصوير، التي قد تكون تساوي مصاريف الزائر في الرحلة ككل.
10 آلاف لعقد القران في المساجد الآثرية
وكانت وزارة "الآثار" حدَّدت بداية العام الحالي سعر تذكرة التصوير داخل المتاحف بـ50 جنيهاً، ما أدى إلى عزوف نسبة كبيرة من الزائرين، كما حددت أسعار عقد القران في المساجد الأثرية مثل مسجد أحمد بن طولون والحاكم بأمر الله والرفاعي بـ 10 آلاف جنيه.
ويفضل الكثير من المصريين عقد قرانهم في المساجد، وخاصة لو كان أثرياً ومشهوراً تبركاً بالمكان، وكذلك لانخفاض تكلفة المسجد بعكس تأجير فندق أو أماكن أخرى.
ومسجد ابن طولون هو مسجد أقامه حاكم مصر أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية عام 263 هـ، وقد اهتم بالأمور الهندسية في بناء المسجد.
فمئذنة المسجد هي أقدم مئذنة موجودة في مصر، ويعد مسجد ابن طولون المسجد الوحيد بمصر الذي غلب عليه طراز مسجد سامراء، حيث المئذنة الملوية المدرجة.
وهو المسجد الوحيد الباقي في مصر، الذي لم تتغير معالِمُه، وقد تغيرت معظم معالم مسجد "عمرو بن العاص" (أول مسجد جامع بمصر)، وكذلك جامع الأزهر الشريف بمرور العصور.
ويتميز هذا الجامع بزخارفه الإسلامية البديعة التي تَجعله أحد النماذج النادرة للفن الإسلامي والعمارة الإسلامية.
"صاحب الصفحة الترويجية لشارع المعز"، رأى أنه في حال أرادت الدولة الاستثمار في الشارع لزيادة الموارد من الممكن استغلال الكثير من الأماكن قائلاً: بيت "السحيمي" يوجد به منطقة خالية على مساحة واسعة من الخلف يمكن تأجيرها "لكافتيريا، أو قاعة أفراح، أو استغلاله ثقافياً، أو مزاراً" وستدر دخلاً أكبر.
وقال: "الدولة تتعامل بطريقة إدارية ونوع من "الروتين" البحت، بعيداً عن التخطيط الجيد.
فرغم أن أغلب زيارات الشارع تكون ليلاً، إلا أن الأماكن الأثرية والمزارات لا تفتح إلا بالنهار!
ولفت إلى أن الدولة لا تستغل المهرجانات، والأمسيات الثقافية التي تكون باستمرار في المنطقة بالترويج أو دعمها.
السائح يتجه للدول المشابهة
الدكتور، رأفت النبراوي، عميد كلية الآثار جامعة القاهرة سابقاً، أكد أن فرض مثل تلك الأسعار المبالغ فيها على التذاكر يؤدي إلى ضعف الإقبال أو امتناعه نهائياً، وخاصة في ظل الظروف التي تشهدها مصر.
وأضاف الدكتور النبراوي، المتخصص في الآثار الإسلامية، لـ"عربي بوست"، أن المبالغة في فرض الرسوم، في ظل الاضطرابات التي تشهدها البلاد حالياً، مع عدم الترويج الجيد لعودة الأمن والاستقرار يؤدي إلى اتجاه السائح العربي أو الأجنبي لدول أخرى.
وتراجعت الحركة السياحية في مصر خلال الأعوام الماضية، وخاصة بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وما شهدته البلاد بعدها من أحداث عقب الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي في منتصف 2013، آخرها سقوط الطائرة الروسية في سيناء وقضية مقتل الشاب الإيطالي ريجيني، إضافة إلى التفجيرات التي تشهدها بعض مناطق الجمهورية.
وكانت مصر وصلت إلى المركز 18 بين أكثر الدول الجاذبة للسياحة في 2010، ودخلت ضمن نادي الـ 20 الكبار الذي يستحوذ على حصة سوقية بلغت 590 مليون سائح.