قبل فترة كنت في زيارة لصديقتي الغالية أمينة التي لم ألقَها يوماً إلا وتعلمت منها شيئاً ما، شربنا الشاي ثم استأذنتني لبضع دقائق؛ لتضع طفلتها الصغيرة في سرير النوم، قبل أن تذهب أعطتني هذا الكتاب وقالت لي:
"اقرئي هذا الكتاب هو لابنتي الصغيرة، ولكنني متأكدة من أنك ستجدينه ممتعاً!".
أخذت الكتاب وتصفّحته لأجده يروي ذات القصة مرتين.
بدأت أقرأ في القصة المصورة في الكتاب، وهي في البداية قصة تحكيها ذات القبعة الحمراء على الغلاف؛ حيث تقول:
"كنت أتمشى في الغابة عندما رأيت وحشاً صغيراً متعلقاً على غصن الشجرة وحياته في خطر فأنقذته! وأخذته معي إلى بيتي ونظفته وألبسته بيجامة صنعتها له وأخذته ليمشي معي في كل صباح؛ ليكون رشيقاً وصحياً، وأخذته معي للمدرسة، وجعلت كل أصحابي يلعبون معه ويحبونه، وصنعت له بيتاً صغيراً في غرفتي ووضعته ليرتاح فيه، وذات ليلة وضعت له قبعة؛ لأن الجو كان بارداً، فوجدت وجهه محمراً، وجسده عليه حرارة مرتفعة، فهرعت إلى النافذة فتحتها له حتى يشم هواء نظيفاً، فتفاجأت بأنه خلع قبعته وهرب مني!
لا أدري لماذا فعل هذا بعد كل الرعاية التي منحته إياها، حتى إنني أنقذت حياته…
ثم ذات ليلة عاد ذلك الوحش الصغير وارتدى القبعة ونام في غرفتي، ربما أنه أدرك أخيراً ما فعلت من أجله!".
انتهت القصة ومع ذلك ما زال الكتاب في منتصفه، قلبت الصفحة لأجد القصة نفسها مرة ثانية، لكنها هذه المرة من وجهة نظر هذا المخلوق الصغير على الغلاف، فيقول:
"كان يوماً جميلاً، وكنت العب وأتأرجح على غصن الشجرة حتى تفاجأت بوحش صغير يهجم عليَّ ويخطفني!
أخذني إلى مكان معتم مغلق، وعذبني في حوض المياه، وكان يجرني في كل صباح خلفه كالعبد، نمشي لفترات طويلة من دون غاية، وأخذني إلى مكان مليء بالوحوش الصغيرة المزعجة أمثاله، قرصوا خدّي، وأزعجوني بلمساتهم وضجيجهم، ولعبوا بي! ثم صنع لي سجناً ضيقاً من كرتون وورق، وكتب عليه Home وأنا أعرف أنه ليس بيتي!
ثم ذات ليلة وضع لي قبعة ضيقة على رأسي، وطفح الكيل لديَّ، وشعر بحرارة جسمي ترتفع، فإذا به يفتح النافذة! اغتنمت الفرصة ورميت القبعة وهربت للغابة.
في يوم من الأيام كان البرد شديداً فقررت أن أعود وأقضي الليلة مع ذلك الوحش في غرفته، فأشعر بالدفء الليلة، وأعود في الصباح للغابة الجميلة!".
هي قصة للأطفال، ولكن ربما نكون نحن الكبار أحوج لها منهم!
هناك روايتان لكل حكاية، وهي حتماً مختلفة من وجهة نظر كل طرف، لا أحد من الطرفين كذب في رواية قصته، ولكن كلٌّ رواها من زاويته التي عاشها هو فقط، ومن منظوره ومفهومه ومشاعره.
لا تحكم على الناس بسماع رواية واحدة من الحكاية، دائماً اسمع رواية الطرف الآخر، وتمهَّل قبل أن تنطق بالحكم، وتقرر مَن هو "الوحش الصغير" فيهم … فلربما لا يكون أحدهما وحشاً أصلاً!
——
A Tale Of Two beasts: Fiona Roberton
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.