ما بين المسعودي و الASPA

لهذه الدول في سجل تاريخها المعاصر كثيرٌ من التجارب؛ لتصديرها في التغلب على الطغاة والسلطويين، تحجيم العسكر في معسكراتهم بعيداً عن العروش، تمكين المرأة، تحقيق مصالحات.. واستنهاض عقول وقلوب الشعب في موجات تغيير اقتصادية واجتماعية وسياسية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/03 الساعة 04:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/03 الساعة 04:15 بتوقيت غرينتش

يميل مؤرخون للاعتقاد أن العالم والرحالة، البغدادي الأصل، أبوالحسن المسعودي قد وصل أميركا اللاتينية في رحلة انطلقت من الأندلس حوالي عام 889 لتكون قدماه أول قدمين عربيتين تطآن التراب اللاتيني. ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم فإن العلاقات (العربية – اللاتينية) غير فاعلة حتى قامت القمة (الأميركية الجنوبية – العربية) ASPA كمقترح برازيلي في عام 2003 لتنعقد كل ثلاث سنوات منذ 2005 كآلية تنسيق في المحافل الثنائية والجماعية، ومن أجل تكثيف التواصل الدبلوماسي فيما يتصل بالمصالح المشتركة. وقد ضمت من بعد كلاً من الجامعة العربية و"الأوناسور" كونهما مظلتين إقليميتين لكل من الطرفين. وعلى هامش القمة الأخيرة، التي عقدت قبل أشهر في الرياض، صرح وزير الخارجية السوداني لوسائل إعلام: "نوافذ التعاون الثنائي لطالما كانت موجودة، لكنها لم تفتح بما يكفي".

رغم التقاصي الجغرافي إلا أن البعدين الاقتصادي والبترولي جديران بتقارب الأسفار. فدولتان من هاتيك المنطقة عضوان في الأوبك (الإكوادور وفنزويلا) إلا أنهما وللأسف كانا من "الأضرار الجانبية" في حرب كتم النفس ما بين المملكة العربية السعودية بشكل رئيس من جهة، وكل من روسيا وشركات النفط الصخري الأميركية من جهات أخرى. أما الأرجنتين فتتربع على ثاني أكبر مخزون غاز صخري في العالم.

على الصعيد الاقتصادي، فإن دول (الأوناسور) قطعاً تفضل شركاء لا يحملون أجندات لا-نقدية (حقوقية مثلاً) فلا يشترطون تعديلات سياسية ولا يحققون فيما إذا كانت مؤسسات الحكم أو المجتمع الديمقراطي تحتاج تنمية ديمقراطية أولاً، ولا ينشغلون بتوسيع فرص التغيير الاجتماعي أو بتشجيع المزيد من المشاركة الشعبية كأمثلة. كما أن البرازيل والأرجنتين من ضمن أكبر عشرين اقتصاد في العالم (G 20). ويرى اقتصاديون أن تلك المنطقة تولي أهمية لتعدد الشراكات عوضاً عن الاعتماد على الصين بشكل رئيسي وهو ما ساد لفترة.

أما سياسيًّا، كان ولا يزال لدول أميركا اللاتينية مواقف صلبة فيما يخص القضية الفلسطينية، آخرها رفض البرازيل للسفير الإسرائيلي الجديد كونه كان رئيساً لمجلس مستوطنات الضفة الغربية. سبق ذلك اعتراف ذات الدولة بفلسطين كـ"دولة" في 2010. أما باقي الأصدقاء اللاتينيين، فقد كانت لهم وقفات أخرى حيث قطعت كلٌّ من فنزويلا وبوليفيا علاقاتهما الدبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي جراء العدوان على غزة عام 2009 كما قامت نيكاراغوا بذات الفعل في العام الذي تلاه. وسحبت كل من تشيلي، بيرو، الإكوادور والسلفادور سفراءهم من الكيان تنديداً بحرب غزة الأخيرة عام 2014. واليوم يستقر في تشيلي لوحدها أكثر من 350,000 فلسطيني من المهجرين وذراريهم.

غير أن الضفة الشرقية للخليج العربي تفوقت على الغربية، فقد أدركت إيران مبكراً بأنه إن كانت الولايات المتحدة الأميركية عازمة على عزلها فإنها ستنتزع اهتمام الأخيرة بالتخييم في "حديقة حيها"! ولعل بعض اللاتينيين وجدوا في طهران صدى لما يطلقوه من خطابات يسارية أو مناهضة للإمبريالية، أو كليهما.

يقدر مركز "ويدروويلسون" اتفاقيات التعاون بين طهران ودولة واحدة من تلك المنطقة بأكثر من 180 اتفاقية خلال الفترة من 2001 إلى 2007 فقط أي بمعدل اتفاقيتين شهريًّا. أما دولة أخرى، نيكاراغوا، فقد كان عام 2007 حافلاً بالنسبة لتقاربها مع طهران فيما يتصل بالتعاون الفني والتكنولوجي والتجاري، وشهد تبادل زيارات وفود على مستويات مختلفة. وأما الأرجنتين، والتي تعرّض مركز يهودي فيها لتفجير اتهمت فيه إيران، فيبدو أنها قد تجاوزت ذلك واضطرد التبادل التجاري ما بينها وبين طهران حتى قفزت الصادرات الأرجنتينية في عام 2013 أكثر من 24 ضعفاً ما كانت عليه في 2003 حسب تقدير لبيانات Business Insider بينما ارتفعت الصادرات البرازيلية إلى إيران في ظرف عام واحد
(2011-2012) 326% حسب Latinvex. بل بلغ التعاون (الإيراني – اللاتيني) حد دفع الرئيس البوليفي إيفوموراليس، إلى أن يعلن رغبته بأن تنتقل السفارة الوحيدة لبلاده في الشرق الوسط من القاهرة إلى طهران!

بالمقابل، فيما مجموعه أكثر من 25 دولة وإقليماً لاتينيًّا، للمملكة العربية السعودية عشر بعثات دبلوماسية، وللإمارات العربية المتحدة تسع، بينما لدولة الكويت ست فقط (بحسب مواقع وزارات خارجية الدول الثلاث على شبكة الإنترنت). هذا الاستحياء الدبلوماسي يصعب عليه أن يعكس اهتماماً عدا على أن يجذبه، وقمة كل ثلاث سنوات أو أكثر لن تتعدى زخرف المراسم ما دمنا لن نقتفي خطى المسعودي بجرأة وإقدام كاللتين كانتا عنده.

رغم ذلك، يبقى التفاؤل حيًّا بتنويع "زبائننا" وشركائنا،
حيث صرح نبيل العربي سابقاً أن التجارة البينية بين الدول العربية مجتمعة وأميركا اللاتينية قد قاربت قيمتها 30 مليار دولار العام الماضي، بعدما كانت أقل من 6 مليارات في 2005 (تركيا لوحدها تتوقع تبادلاً تجاريًّا مع اللاتينيين يبلغ 20 ملياراً في عام 2023 بينما تقدر Forbes تجارة الهند مع المنطقة بأكثر من 45 ملياراً في 2014).

مع الجفاء من الولايات المتحدة ومع رفع الحرج من جلب سخطها بعد تصالحها مع كوبا حتى، أفلا نتحرر من الشرنقة مرفرفين صوب تلك النوافذ التي ذكرها الوزير السوداني؟ فالنيل والأمازون كلاهما يلامسان الأطلسي في نقاط ما!

(كَلِمات أخيرة)
لهذه الدول في سجل تاريخها المعاصر كثيرٌ من التجارب؛ لتصديرها في التغلب على الطغاة والسلطويين، تحجيم العسكر في معسكراتهم بعيداً عن العروش، تمكين المرأة، تحقيق مصالحات.. واستنهاض عقول وقلوب الشعب في موجات تغيير اقتصادية واجتماعية وسياسية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد