لستُ آسفةً.. ونعم مطلوب “مجانين”!

نحن نحبُ الجمال.. الله جميل يحبُّ الجمال وسنتوجَّهُ بالكاميرا إلى كل جمال ونتجاهل عامدين المتعمدين القبحَ المستفحلِ حولنا.. فإن كانت هذه تهمة! ليكن.. لا لستُ آسفةً ونعم مطلوب مجانين..

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/02 الساعة 01:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/02 الساعة 01:29 بتوقيت غرينتش

اعتدنا على قولبةِ المجتمع لنا ضمن مكعباتٍ متفاوتةِ الألوانِ والمسميات، حيثُ الكلُّ يجبُ أن ينتمي إلى المكعبِ ويتسعَ داخلهُ، حتى لو كان يشعرُ أنه أسطواني أوهرميٌّ أو مخروط، لا يجوز.. عليه أن يتسعَ في المكعب!

فالنساء في قوالبَ والرجالُ في قوالب.. الجنسياتُ ضمن قوالب واهتماماتك وقراءاتك الدينيةِ قالب أيضاً بحسب "لمن تقرأ؟".

فإن تأتي لتفاجئ المجتمعَ بنموِّ فكرةٍ في عقلكَ جعلتْ رأسك لا يتسعُ ضمن قالبهم جريمةٌ يحاسِبك عليها صَانعو القوالب..
مطلوبٌ منك أن تقُص رأسك أو أصابع قدميكَ لتتَّسِع بالقالبِ.. فضلاً.

ومن ضمنِ هذه القوالب البرامجُ التي تردُ فيها كلمة سوريا أو صُوِّرت في سوريا أو يقدمها سوريون.

(ضع اسم الوطن في جملة)

سوريا تعني حرب.. حرب تعني سوريا.. يعني موتاً ودماراً ومصائبٌ، فإن أردت أن تقدم أي عملٍ إعلامي عليكَ أن تحشُر نفسكَ ضمن المواضيع أعلاه!

وهي مواضيعُ مهمةٌ حقاً ولا أنكر دورَ الإعلامِ المهنيِّ في تسليطِ الضوءِ على القضايا، لكن باتَ متوقعاً أن تترافق مشاهدُ الموت مع أيّ عملٍ إعلامي تذكر فيه سوريا لدرجةِ أن المُشاهدَ بات يلاقي صعوبةً في أن تُذكَر سوريا مع الحياة! أي حياة؟! وكأنَّ سوريا والأمل ضدَّان لا يجتمعان!

وكأن الموت والموت فقط بات من نصيبنا نحن السُوريين!

فعلينا أن نموت.. أو نحيا أمواتاً إلى أن يرِد اسمنا في لائحة الموتى ليتناقل المجتمع صُورنا في وسائل التواصل الاجتماعي ويبكوننا ويذكروا محاسننا..
لا تذكروا محاسننا عندَ موتنا.. فقط اتركونا نعيش قبل أن نَموت!

الحياة.. حتى حياتنا نحن السوريين البؤساء فيها متسع لكلِّ شيء للأدب والفن والقراءة، للحياة وللإنجازات الصغيرة.. وللموتِ أيضاً وللرصاصِ والقذائفِ.

فنحن الذين نموتُ.. قبل أن تحوِّلنا القذيفة أو البرميل إلى أشلاء، نرتشفُ القهوة ونستمعُ لفيروز ونطرق أبوابَ الرزق والحلم ونصلِّي ونقفزُ فرحاً لفرصةٍ لاحت في الأفق!

لا يهدفُ عملنا إلى تصوير الوضع في سوريا على أن (الدنيا ربيعٌ والجو بديعٌ) وهو أمر واضحٌ من صوتِ الرصاص والقصف القريب في بعض الحلقات.
كما لا يهدفُ العمل إلى تجاهلِ الواقع الأليم الذي يعيشه السوريين كل يوم في الداخل والخارج وعلى الحدود وفي أطراف سوريا المترامية، ومن أراد مشاهدة واقع الموت والدمار في سوريا -وهو حق- فهناك الكثير من البرامج الأخرى تعرِض ذلك..
من أراد متابعة أوضاع السوريين المأساوية في البر والبحر والحدود -وهو حق- فليتابع أي نشرةِ أخبار.

برنامجنا مختلف!

أمامَ كل ما يعرض في القنوات من مشاهد موت.. اخترنا أن نتنفَّس قليلاً بعيداً عن صوت البارود ونعرض شيئاً من الحياة.
لم يكن الأمر سهلاً، واجهتنا الكثيرُ من العقباتِ حتى أتممنَا العملَ بدءاً من صعوبةِ التصوير في ظروفِ الحربِ حيثُ إنَّ حمل الكَاميرا بحدِّ ذاتهِ يثير الشكَّ والريبة.

إضافةً إلى غيابِ الكهرباءِ التَّام عن المدينة مما يعني استحالةَ الاعتمادِ على إضاءةٍ احترافيةٍ من أجل التصويرِ الداخليّ، فاعتمدنا على التصويرِ الخَارجي لكل الحلقاتِ، وهو ما يعيدنا إلى المشكلةِ أعلاه!

طبيعةُ البرنامجِ تتطلّبُ نصًّا يُكتب ويُقال بمرحٍ وإحساسٍ عالٍ وهي حالةٌ نفسيةٌ الحفاظ ُعليها تحدٍّ في ظل الظروفِ المتقلبةِ للحرب.

ثم انتهى تصويرُ البرنامج في مارس/آذار 2015م، وهنا انقطعَ الإنترنت عن مدينةِ حلب بالكاملِ لثمانيةِ أشهرٍ، شعرنا أننا مسجونونَ في مدينتنا بلا اتصالاتٍ ولا إنترنت ولا أي وسيلةٍ للعملِ ليرى النُّور.

في غيابِ الإنترنت، شعرنا أنَّنا في كوكبٍ آخر معزولٍ عن العالم، بقِي مطلوب مجانين أسيرَ علبةٍ في بيتنا ينتظرُ عودة الإنترنت لنستطيعَ التواصلَ مع البشرِ الساكنينَ خارج حلب..
وأخيراً رأت رسالتُنا النُّور..

يهدفُ البرنامج إلى التركيز على إمكانيةِ الفعلِ وإلى نشر رسالة التعلق بالرزَّاق لا بأبوابِ الرزق (الجوارحُ تعملُ والقلوبُ تتوكلُ).

نهدفُ إلى الاحتفاظِ بشيء من النُور.. شعاعٌ صغيرٌ فقط نمتِّع به قلوبنا علَّهُ يوماً ماً يُشرق شمساً معديةً من بلادي إلى العالم.

البعضُ انتقد قدرتنا على التفاؤلِ في هذه الظروف!
وكأنّنا في محاولةِ فعل "الممكن" نخونُ قدراً اختاروه لنا!
وكأنّنا لو سلطنا الكاميرا على بُرعمٍ صغيرٍ ينمو نكونُ قد نسينا الحريق!
وكأنها تهمةٌ أصلاً لو تجاهلنا الحريق قليلاً.. نحنُ المحترقين!

تقديمُ جزء من واقعٍ لا يعني تجاهل باقي الواقع، لكنَّني لا أستطيع أن أجمعَ في برنامجي كلّ المشهد..

اخترتُ زاوية نورٍ صغيرةٍ وجهتُ الكاميرا نحوها، اخترتُ أن أحافظ على شيء من الإنسانية في داخلي وداخل من يتابعني.. حتى لا أتحوَّل إلى وحش.

"مجانينَ أريد، حفنةً من المجانين.. يثورون على كل المعايير المألوفة، يتجاوزون كل المقاييس المعروفة".. فتح الله كولن

"هؤلاء المجانين الذين يعتقدون أن بوسعهم تغيير العالم هم الذين ينجحون في ذلك فعلاً".
. ستيف جوبز

نحن نحبُ الجمال.. الله جميل يحبُّ الجمال وسنتوجَّهُ بالكاميرا إلى كل جمال ونتجاهل عامدين المتعمدين القبحَ المستفحلِ حولنا..
فإن كانت هذه تهمة! ليكن.. لا لستُ آسفةً ونعم مطلوب مجانين..

رؤيا … قلبت حياته رأسا على عقب! فقد عمله في الحرب فتضاعف أجره ٢٠ ضعفاً ….و أسرار أخرى ..جنون ..#مطلوب_مجانين مع رشا ناجح حصرياً على #التلفزيون_العربي

Posted by شبكة التلفزيون العربي on Friday, February 19, 2016

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد