الماكيت

بداية دراسة "الماكيت الإداري" هنا بملاحظة طريقة أو معايير انتقاء واختيار القيادات الإدارية للمرافق والهيئات العامة، وستلحظ الغموض الشديد أو الاختفاء المتعمّد لمعايير واضحة محددة، وسنرى رواجاً شديداً لمفهوم "أهل الثقة" كمعيار وحيد للاختيار، وتتوارى أهمية الكفاءة والجدّارة هنا تحت وطأة شخصنة المرفق العام.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/05 الساعة 02:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/05 الساعة 02:26 بتوقيت غرينتش

القاعدة الرئيسية التي تحكم كل شيء الآن أن ما يحدث على المستوى الجزئي يحدث بصورة شاملة على المستوى الكلي.

"الماكيت Maquette" غالباً ما يُقصد به "نموذج أو حسب تعبير البعض أنموذج" مصغّر، مجسّم من خلاله تتم دراسة التفاصيل الكثيرة التي يصعب دراستها على الكيان الأصلي في الواقع.

ينتشر توظيف هذا المفهوم نظرياً وعملياً بين المشتغلين بالبناء والتشييد من مهندسين وغيرهم؛ إذ يضعون تصميماً مصغّراً للكيان المادي الكبير المزمع إنشاؤه بغرض التعرف على نقاط قوته وتصوره في شكله النهائي، ومن ثم إمكانية التعديل والتغيير لعناصره المختلفة، توفيراً للجهد والوقت والتكلفة المادية.

حديث سخيف في بدايته، لكنها مقدمة منطقية جافة لتفسير كثير من الأمور التي تحدث حولنا ولنا، فمن خلال "الماكيت أو الأنموذج المصغّر" يمكن أن نرى الأمور بطريقة تقريبية، وأن نتعرف على ما حدث على المستوى الكلي، والماكيت أو النموذج المصغّر هنا هو تعبير عن الإدارة العامة، أي تلك المعنية بإدارة المرافق العامة في مصر؛ إذ يمكنك وبشيء من التأني أن تُخضعه للدراسة والتحليل؛ للتعرف على ما يحدث في الواقع الفعلي.

1- طبيعة العلاقات التي تحكم السلطة بالمرؤوسين.

2- طبيعة عملية اتخاذ القرار (بذات مستوى العشوائية والغموض وغياب المعايير).

3- مجموعات المنتفعين والمتسلقين التي تتكونّ سريعاً حول القيادة الجديدة، وتستطيع خلال فترة قصيرة أن تعزله عن الناس، فيصبح في وادٍ والناس جميعاً في وادٍ ثانٍ.

التصور المنطقي أن مصر أصبحت مجموعة من الكيانات والمرافق العامة المستقلة بعضها عن بعض، والتي يجمع بينها صلة مشتركة، هي الارتكاز على مبدأين لا ثالث لهما هما:

1- علاقات سلطة تندفع من أعلى لأسفل فقط.

2- محاباة على أوسع نطاق وعشوائية مفرطة في كل شيء.

مقاومة للتغيير والتطوير على أوسع نطاق، مع تمسّك زائف بقشرة لامعة لا تغني ولا تسمن من جوع.

الأشد سوءاً أن تضرب العشوائية بجذورها وتتحالف مع جماعات المصالح والضغط، فتعمل جميعها على توظيف موارد الدولة في خدمة مصالحها وتلميع إنجازاتها الوهمية؛ لذا فإن نظرت في مكان عملك ستجد صورة مصغّرة لمصر، إن استوعبت ما يحدث حولك فالمؤكد أن الصورة بكاملها ستتكّون لديك دون جهد ودون تحليلات من خبراء وغيرهم.

ولا تزال قضية الفشل الإداري هي الشغل الشاغل، وهي المعوّق الأزلي، الذي سيقف حجر عثرة بطريق أي تنمية أو تقدم، وهي للحق مصطلح يحمل تناقضاً بداخله، فهي إدارة عامة، وتطبيقاتها العملية تؤكد أنها أبعد ما تكون عن مفهوم الإدارة، كما نعرفها أو درسنا وقرأنا عنها، فهي والعشوائية صنوان لا يفترقان، شيء غامض وكيان هلامي يراه المشتغلون بالقانون الإداري منزّهاً عن الخطأ، تُحصّن قراراته، يفصلون بين القائمين على العمل الإداري العام وبين مفهوم الإدارة العامة نفسها، فيختبئ هؤلاء وراء المفهوم، ومن ثم تضيع الحقوق وتتعاظم قيم التعويضات المالية الناجمة عن أخطاء المرفق العام، التي هي كما ذكرنا أخطاء شخصية تُنسب لأصحابها فقط, وتُهدر الموارد وتضيع خطط التنمية.

بداية دراسة "الماكيت الإداري" هنا بملاحظة طريقة أو معايير انتقاء واختيار القيادات الإدارية للمرافق والهيئات العامة، وستلحظ الغموض الشديد أو الاختفاء المتعمّد لمعايير واضحة محددة، وسنرى رواجاً شديداً لمفهوم "أهل الثقة" كمعيار وحيد للاختيار، وتتوارى أهمية الكفاءة والجدّارة هنا تحت وطأة شخصنة المرفق العام.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد